الذي لا يصدق أن هناك مؤامرة علي مصر.. يحتاج إلي مراجعة أشياء كثيرة إبراهيم عيسي أول القصيدة لا يطمئن أبدا: قبل10 أيام فقط أعلنت الحكومة رسميا تشكيل لجنة وزارية للعلاقات العامة, هدفها مخاطبة العالم, وتحسين صورة مصر في الخارج, والتصدي لحملات تشويه, ونماذج بالجملة لسوء الفهم, ونظرة عدائية إلي كل ما يجري هنا منذ ثورة30 يونيو.ومن الساعات الأولي بدا أن حظ اللجنة سييء, أولا: لأن عددا ممن اختيروا للمشاركة لم يعرفوا أصلا أنهم أعضاء في اللجنة إلا من الصحف!. وزاد الطين بلة أن الخبر الأول الذي نشر عن تشكيلها أبلغنا بالخطأ أن اللجنة مكلفة بالدفاع عن الحكومة( لا عن مصر) وإنجازاتها وسياساتها, إلي أن فهمنا بعد أسبوع كامل أن دور اللجنة هو مواجهة المعلومات المغلوطة التي يروجها الإعلام الدولي عن مصر, بما يضر بمصالحها. وربما يخفف من تأثير هذا الارتباك أن نعرف أن محاولات تحسين الصورة المصرية بدأت فعلا قبل3 أشهر دون انتظار أي لجان, بزيارات قامت بها وفود تمثل الدبلوماسية الشعبية إلي بقاع عديدة شرقا وغربا, كما أجري وزير الخارجية نبيل فهمي وحده أكثر من70 لقاء صحفيا ليشرح الموقف, ونفذت مجموعة من الشباب حملة تحت شعار افضحهم بالإنجليزية, وثقت فيها جرائم الإخوان في السلطة, وانتهاكاتهم خارجها. وبالتوازي نظمت الجالية المصرية في أمريكا مسيرات, ونشرت إعلانات للتنديد بعنف الإخوان, وبتحيز الميديا و عمي الإدارة الأمريكية, بينما جري التعاقد مع شركة للتخطيط الاستراتيجي بهدف فتح قنوات اتصال مع هذه الإدارة والكونجرس. وهنا في الداخل, جرت ترجمة لبعض برامج التوك شو إلي الإنجليزية, وإن كنت لا أستطيع أن أجزم بما إذا كان هناك من اهتم في الخارج بالمشاهدة من الأصل! ولا غبار علي أي من هذه التحركات, باستثناء أنها كما يقول التعبير الإنجليزي الشهير ربما تأخرت أكثر من اللازم, وكانت أقل مما ينبغي.. لماذا؟ لأن الساحة تركت خالية ومفتوحة طويلا بلا أي اهتمام رسمي, أو منافسة من أي نوع أمام نشاط دولي واسع للإخوان( قبل حتي أن يصلوا إلي الحكم) مكنهم من التواصل مع مراكز صنع القرار في الغرب, ومد الجسور مع حكومات وبرلمانات وجماعات ضغط, وصحف مؤثرة, إلي الحد الذي لابد معه من الاعتراف بأنهم كسبوا الجولة الأولي ومعها تعاطف عواصم عديدة بعد إسقاط الدكتور مرسي. والآن فإنهم سيوفدون نواب برلمانهم المنحل في سلسلة جولات خارجية تغطي4 قارات للتحريض علي مصر, والمطالبة بإرسال لجنة دولية للتحقيق فيما يزعمون أنه جرائم ضد الإنسانية, إلي جانب دعوة تركيا إلي الانتقام لطرد سفيرها في القاهرة بوقف السياحة, وصادرات الحديد والأسمدة. ولم يخل الأمر من تسريبات عن خطوات منتظرة لمقاضاة الحكومة الانتقالية أمام المحكمة الجنائية الدولية, والترويج لأنباء عن الاتجاه لتشكيل حكومة في المنفي( فرنسا) تتسلم مصر بعد فشل الانقلاب... إلي آخر النماذج التي تكشف أي نوع من التفكير والأسلحة نواجه وأي معارك يتعين علينا أن نخوض! جبهة الخصوم تتسع لآخرين كثر, إلي جانب الإخوان: قطاع كبير من وسائل الإعلام العالمية برغم كل حرفيته لا يقدم الحقيقة كما نراها ونعيشها نحن, إما لأنه لا يريد أو لا يستطيع أو لا يعرف أو للأسباب الثلاثة مجتمعة, فضلا عن أمثلة كثيرة للانتقائية أو الانحياز أو التسطيح أو غياب المهنية أو كل ذلك معا. وهكذا اتفقت وسائل إعلامية كبري مع حكومات غربية في تجاهل أسباب اشتعال ثورة لإزاحة نظام خانق خرج فيها شعب بأكمله, وتحرك الجيش لتأييده وحمايته. نفس هذه الحكومات تحركها حساسية من أي دور لأي جيش في السياسة, وبعضها كانت له مصلحة في بقاء الإخوان ماداموا يؤدون دورهم في كبح جماح حماس, وبالتالي تأمين إسرائيل من أي هجمات. وبرغم أن أطرافا غيرت نبرتها أخيرا جدا لتؤكد دعمها لتحرك مصر باتجاه الديمقراطية( الاتحاد الأوروبي), أو اعترفت بعد مكابرة بأن الإخوان سرقوا ثورة يناير, وقفزوا علي السلطة( الخارجية الأمريكية علي لسان جون كيري).. فإن المهمة تظل معقدة للغاية. ليست مستحيلة, لكنها أيضا ليست سهلة, ومع ذلك يجب أن نعرف: لماذا نهتم من الأساس برأي الخارج فينا؟ أولا وأخيرا لأننا لسنا في جزيرة, وليس بإمكاننا تجاهل الآخرين إذا أردنا أن يبقونا نحن في حساباتهم. ولأنه لا أحد في العالم الحديث كما قال لي السفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق قبل يومين يمكنه إغلاق الأبواب علي نفسه, والاستغناء عن الآخرين, لكن هل يمكننا الفوز في معركة الصورة في مواجهة كل هذه التحديات؟ يرد العرابي العائد لتوه من مهمة للدبلوماسية الشعبية في النمسا وألمانيا: لايزال أمامنا طريق طويل قبل أن يتحقق الاستقرار.. وثقتي كبيرة في أن الصورة في الخارج ستتغير بعد أن ننتهي من ترتيب البيت, ويخرج الملايين مرة أخري لإقرار الدستور, والتصويت في الانتخابات البرلمانية. اليوم.. وحتي ولو كنا أمام شواهد بلا حصر تغذي شكوكنا الأزلية بأننا هدف لمؤامرة دولية لا تنتهي, وبأن العالم لا يريد أن يفهمنا, فإن ذلك بصراحة يجب ألا يكون عذرا نريح به أنفسنا ونختبئ وراءه لكي نستطيع النوم بلا أرق. ولهذا فليس هناك بديل أمامنا غير التوقف عن عادتنا الدائمة في التحدث إلي أنفسنا دون أن نسمع غيرنا, وأن ندرك أن المصالح وحقائق القوة, لا سلامة النية أو حتي عدالة القضية, هي المفتاح للانتصار في أي حرب,( وإلا لكانت فلسطين قد عادت من سنين).. السلاح الأهم الذي يحسم لصالحنا أي معركة ودون طلقة رصاص واحدة, هو أن نصلح الأصل أولا لتتغير الصورة.. بأن نتخلص من عيوبنا( القائمة طويلة!) قبل أن نلوم الآخرين لأنهم رأوها واستفادوا منها.. ذلك وحده أكثر من أي شيء آخر سيجبر الجميع علي أن يفهمونا بدون حاجة إلي أسفار ووفود ولجان وترجمة لما نريد أن نقوله في هذه المعركة وغيرها! لمزيد من مقالات عاصم القرش