تنتشر الشائعات في أثناء التغيرات الاجتماعية أو في أعقاب الثورات الشعبية, حيث يكون المناخ مهيأ لذيوعها وانتشارها. وقد وضع الإسلام لهذه الظاهرة الفتاكة بالمجتمعات حلولا تئد الشائعات في مهدها, ومن أهمها حسن الظن, والتثبت والتبين, ورد الأخبار إلي أهل العلم والاختصاص لتمحيصها, ومن قبل ذلك كله النية الصادقة في الصلاح والإصلاح. وبين القرآن الكريم أساليب عدة, لمحاربة الشائعات ومنها الوعيد الشديد للمنافقين مروجي الشائعات, وإرشاد المؤمنين إلي التكتم علي الشائعات حتي تموت في مهدها, وأمرهم أن يزجروا مروجيها ويحتقرونهم, وأمرهم بحسن الظن. حاربها الإسلام ووقف في وجهها بكل قوة, حرصا علي البلاد والعباد, فأصلها كذب وبهتان وافتراء, يوقع العداوة والبغضاء بين الأفراد في المجتمع الواحد. وحرم الإسلام الشائعات وحذر منها من منطلق إيماني أخلاقي حفاظا علي العلاقات الاجتماعية وتنمية للعلاقات الإنسانية حتي يتعاون أبناء الوطن الواحد لبناء وطنهم. وحذر علماء الدين من خطر الشائعات علي أمن واستقرار المجتمع, في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها مصر وبعض الدول العربية, حيث تكثر وتنتشر الشائعات المدمرة والمحرضة علي الفتنة وتسيل بسببها دماء الأبرياء, مؤكدين أن دين الإسلام دعا إلي تحري الصدق, وحذر من الكذب. ويقول الدكتور نبيل السمالوطي, أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر وعميد كلية الدراسات الإنسانية سابقا: إن الشائعات عبارة عن أخبار كاذبة يراد بها بلبلة الرأي العام وإحداث الفرقة في الصف الوطني أو داخل المؤسسة التي تذاع فيها هذه الشائعات, وهي أخطر شيء تصادفه المجتمعات في عصور التغير الاجتماعي أو عقب الثورات الشعبية أو في حالات التحول الاجتماعي, خاصة عندما يمس هذا التحول جذور المجتمع وأصوله ونظام الحكم. وتنمو الشائعات في مناخ معين له علامات بارزة, أولاها: عدم وجود شفافية وإعلام الشعوب والأفراد بحقائق الأمور, فعندما يكون هناك غموض في أي موقف تكون الفرصة سانحة لإطلاق شائعات مغرضة من قبل بعض الناس أو بعض الهيئات. ثانيها: الجهل بحقائق الأمور. فالأمية مناخ جيد لانتشار الشائعات, ثالثها: وجود مؤامرات أو طابور خامس أو أعداء للوطن أو أصحاب مصالح خاصة من مصلحتهم إشاعة البلبلة والفرقة بين المواطنين. وقد بين القرآن الكريم, بما لا يدع مجالا للشك, أن الشائعات خطر, وهي أخطر من القتل, لأنها تثير الفتنة( والفتنة أكبر من القتل) سورة البقرة:.217 ففي سورة النور التي تناولت حادثة الإفك أكدت هذه السورة أنه يجب علي المؤمنين ألا يستمعوا إلي أي شائعات مغرضة, وأن عليهم رفض أي أخبار تسيء إلي المؤمنين أو إلي الوطن, وأن يظنوا بأنفسهم خيرا ويرفضوا الأخبار التي من شأنها أن تفكك الجماعات وتفرق المؤمنين وتهدم الجماعات بقول الله تعالي( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين) سورة النور:12. وتنبهنا السورة أيضا إلي أن المؤمن إذا سمع خبرا سيئا لا ينقله إلي الآخرين حتي يتحقق باليقين من صحته أو كذبه. يقول تعالي( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) سورة النور:.15 وتنبهنا الآية إلي عدم تكرار أي خبر من شأنه أن يفكك تجمع المسلمين أو يسيء إلي مجتمع أو وطن ورفضه وعدم إشاعته. يقول تعالي( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم(16) يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين17) سورة النور:16و17, فالذين ينشرون الشائعات يتبعون خطوات الشيطان الذي يأمر بالفحشاء والمنكر, ويؤدي إلي تفريق المجتمعات والأفراد والأمم. علاج الشائعات وأضاف: إن علاج الشائعات يتم بعدة أمور. أولا: عدم ترديد الشائعات. ثانيا: محاولة التحقق بشكل يقيني من صحة أو كذب الأخبار. ثالثا: علي أولياء الأمر في المجتمع وعلي أجهزة الإعلام أن تحرص علي الشفافية وتوضيح الحقائق كاملة أمام الناس في أي أمر من الأمور, حتي يقطع الناس الشك باليقين, ففي غيبة الشفافية والوضوح وغيبة الإعلام المهني الموضوعي يكون الجو سانحا لأعداء الوطن أو لأنصار الشيطان لنشر الشائعات التي من شأنها إحداث الفتنة وتفكك الجماعات بل هدم المجتمعات. جريمة تستوجب العقاب من جانبه يري الدكتور يحيي أبو المعاطي العباسي أستاذ التاريخ الإسلامي, أن ذيوع الشائعات هو بعد عن الإسلام الذي ندب الصدق وحذر من الكذب, وهناك العديد من النصوص في القرآن والسنة تدعو إلي الصدق وعدم إشاعة الفتنة التي هي أشد من القتل وما تؤثره من شق الصف المسلم وإهدار الدماء وتضييع الحدود وكل ذلك نهي عنه الإسلام. والقاعدة الفقهية تقول:ما يحرم قوله يحرم سماعه, كما حض الإسلام علي الأخوة المسلمة, قال تعالي( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) سورة الحجرات:10, وقوله سبحانه وتعالي( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) سورة النساء:.83 أما منهج الإسلام في التعامل مع الشائعات فهو ضرورة التثبت من الأفكار والمعلومات والأخبار حتي أثر أن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون عنه دينكم, قال تعالي( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) سورة الحجرات:.6وقد نهي الإسلام عن نقل الكلام من غير بينة ولا دليل في قوله تعالي( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم). كما أمر الإسلام بأن يرد الأمر إلي أهل الاختصاص والعلم والمعرفة والعلوم, قال تعالي( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) سورة النساء:83 والشائعة هي غرض الفاسدين والمفسدين, قال تعالي( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) سورة النور:19, وقال سبحانه وتعالي أيضا( وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) سورة البقرة:.205 كما أن الفاحشة تؤدي إلي القتل وضياع الحدود, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده, لا تذهب الدنيا حتي يأتي علي الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل, ولا المقتول فيم قتل, قيل: كيف يكون ذلك ؟ قال: الهرج, القاتل والمقتول في النار, فالله سبحانه وتعالي أوجب العذاب الأليم والمهين لمن تعمد إشاعة الفتن بين الناس. وأكد أن ذيوع الشائعات وكثرتها في المجتمع مؤشر علي الصراع وتشتت الأهداف وغيبة النية الصادقة في الإصلاح, فيكون استخدام الشائعات هو الوسيلة المثلي في هذا الظرف, أما لو توافرت النيات الصادقة علي الإصلاح لصدق الناس في القول والتوجه ولأخذوا الأفكار والمعلومات والأخبار من مصادرها, لأن غايتهم الصلاح والإصلاح.