منذ فجر التاريخ والشائعة تمثل مصدر قلق في البناء الاجتماعي, والانتماء الحضاري لجميع الشعوب والبيئات, حتي أن البعض اعتبرها من أخطر الأسلحة تدميرا وفتكا, وأعظمها وقعا وتأثيرا خاصة إذا ما استخدمت وقت الأزمات وفي المعارك والحروب, ومع تقدم الشعوب وتطور التقنيات ووسائل الاتصالات الحديثة, وجدت الشائعات ضالتها في تطوير أساليبها كي تتماشي مع تكنولوجيا العصر التي مكنتها من الرواج والتغلغل في أعماق المجتمع. والإسلام حذر من تصديق مروجي الشائعات ووصفهم بالفاسقين, ودعا للتثبت والتأكد من الأخبار والتحقق منها قبل نشرها وترويجها خاصة إذا كان لها أثر سلبي علي تماسك المجتمع المسلم وتلاحم أبنائه وسلامة لحمته. ويعرف الدكتور محمد أبو ليلة عميد معهد الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر الشائعة بأنها أي خبر لا أساس له من الصحة ذائع بين الناس, واصفا إياها بأنها سلاح خطير يعد من أسلحة الدمار الشامل لأن تأثيره عميق يكاد يقضي علي أمة بأسرها, حتي أن العديد من الأجهزة الاستخباراتية تخصصت في صناعة وترويج الشائعات. ويضيف أبوليلة أن الشائعة تظهر في المجتمع عبر تلفيق خبر ضد شخص ما وإشاعته في الأقربين سواء في العمل أو الجامعة ثم ينتقل من شخص لآخر ليتسع وتزيد تفاصيله ويضاف إليه حتي أنه إذا عاد الخبر لقائله سيجده مختلفا عما قاله أول الأمر. وهناك شائعات منظمة مثلها مثل عصابات تهريب المخدرات والأسلحة ومثل هذه الشائعات لها التأثير الأخطر علي المجتمع, فهي تقوم علي دراسة شبيهة بدراسة الجدوي يعكف عليها صناع الشائعات, فهم يقومون بدراسة الأشياء التي تؤثر في الطبقة الضعيفة في مجتمع ما ومن هم مغرمون بنقل الشائعات ويكون الهدف منها تفتيت الجبهة الداخلية للوطن وتأليب الشعب وتفريق كلمته, وهذا ما نلحظه في المجتمع المصري عقب زيارة الرئيس الحالي لأي دولة من ترويج صناع الشائعات لخبر بيع بعض الأماكن الحيوية للوطن مثل قناة السويس ومبني الإذاعة والتليفزيون وحلايب وشلاتين وغيرها ويروج لها الإعلام ويقوم بتكرار عرضها وإذاعتها ويفترض لها أشياء من شأنها التأثير علي رجل الشارع وإقناعه بالشائعة ليصدقها ويروج لها. ويشير أبو ليلة إلي أن الشائعات إنما تروج في زمن الفتن والاضطرابات وتتولد علي ضفاف الحوادث والملمات, وهي أشد ضراوة وفتكا لأنها تستهدف الإنسان من حيث عمقه وعطائه, وقيمه ونمائه, وهنا نهيب بمن يمتلك الآلة الإعلامية أن يخرج للناس بالأخبار الصحيحة الموثقة حتي يقطع دابر الشائعات ليحمي المجتمع من عواقب الوقوع في الفتن والاضطرابات وما يعكر صفو العلاقة بين أبناء المجتمع الواحد. وأوضح أبوليلة أن حكم من يروجون الشائعات كمن يشيع الفساد في الأرض ليفتت علاقات المجتمع ويعمل علي هدم الأمة فجزاؤهم كما قال الله تعالي: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة( سورة النور الآية19). ومن جانبه قال فضيلة الشيخ إسماعيل الدفتار عضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء أن الله عز وجل أنزل القرآن الكريم منهجا واضحا بينا قال الله تعالي: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما سورة النساء الآية114. ومعني ذلك أن المؤمن يلتزم بالحذر في الكلام الذي ينطقه لسانه, وأوضح في قوله تعالي ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد فهذة الآيات ونحوها كثير إلي جانب الاحاديث النبوية ترشدنا إلي ان المرء يتدبر مايقوله وما يتكلم به فيختار المعني الذي يصلح وينمي علاقات الخير بين الناس ويبتعد عن سفاسف الكلمات ويتخير الحال المناسب والكلام الذي يناسبه ولما كان الله عز وجل قد جعل بني آدم مترابطين متماسكين وأصلح لهم الارض لكي تكون معاشهم ومعادهم وأمرهم ان يصلحوا ولا يفسدوا فقد حرم الله علي المؤمنين كل عمل أو قول يؤدي إلي الفساد في الأرض. وأضاف الدفتار أنه ليس هناك أخطر علي المجتمع الإنساني من الشائعات التي تستفزهم وتدفع بهم إلي الفساد في الأرض وتقطيع الروابط بينهم ومن أجل هذا حذر الإسلام من عدم تقدير قيمة وأثر الكلام بين الناس وبخاصة ما يمكن من الكلام أن يكون سريع الانتشار. وأشار الشيخ الدفتار إلي أن الله عز وجل أمر الناس إذا ارتابوا في أمر من الأمور التي يتكلم الناس عنها ان يرجعوا إلي المصادر التي تكون موضع الطمأنينة والعلم لمضمون ما يسمعون من كلام ولا يشيعونه بين الناس أبدا, وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة, والتي لها أثرها الواقعي فقال سبحانه وتعالي: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا سورة( ص) الآية.251