تعد الشائعات من أخطر الأمراض التي تزلزل كيان الأمم وتقوض بنيان المجتمعات فكم هتكت من دستور وكم خربت من معمور وكم أشعلت من حروب؟ وإن النار بالعودين تزكي وإن الحرب أولها كلام فإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام فالشائعات ألغام معنوية وحرب نفسية وقنابل موقوتة ومروجو الشائعات أخطر بكثير من مروجي المخدرات لأن مروجي الشائعات يهدفون إلي قتل الإنسان معنويا وإذا كانت الشائعات في صدر الإسلام قد حفل القرآن الكريم بالحديث عنها في آيات عديدة فإن الواجب علي الدعاة التحذير من خطورة الشائعات خاصة بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة فما يحدث هنا يصبح علي مرأي ومسمع في كل بقعة من بقاع الأرض. وقد تناول القرآن الكريم الحديث عن الشائعات وخطرها علي الأفراد والجماعات التي إذا فشت في أمة اضطربت أحوالها وضعفت الثقة بين أبنائها وانتشر سوء الظن المبنية علي الأوهام والمتتبع لتاريخ الشائعات يجد أنها ظهرت منذ فجر التاريخ وهل أخرج آدم من الجنة إلا بسبب الشائعة التي أشاعها إبليس؟ "هل أدلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي" سورة طه الآية .120 قال العلماء: ويستنبط من هذه الآية أن تصديق الشائعات سبب من أسباب زوال النعم وحلول البلاء والنقم وهل كفر مشركوالعرب إلا بسبب الشائعات التي أشاعها أبوجهل والوليد بن المغيرة وصناديد الكفر الذين اتهموا النبي صلي الله عليه وسلم بأنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون؟ وهل سجن يوسف عليه السلام إلا بسبب إشاعة أمرأة العزيز؟ وهل عذب المسلمون الذين رجعوا من الحبشة وفتنوا عن دينهم إلا بسبب إشاعة أن قريش قد دخلوا في دين الله؟ - وهل قتل عثمان بن عفان إلا بسبب الشائعات حوله؟ وقد تضمنت سورة النور الحديث عن أخطر شائعة في التاريخ حيث أشاع المنافقون تلك الإشاعة الفجة حول عائشة رضي الله عنها وقد أنزل الله تعالي ست عشرة آية للرد علي هذه الشائعة ثم عقب بقوله: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة" سورة النور الآية .19 وأسلوب القرآن الكريم واضح في محاربة الشائعات ويتضمن هذا الأسلوب التثبت والتأني عند سماع الشائعة "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" سورة الحجرات الآية 6 كما يتضمن حسن الظن بأفراد الأمة المسلمة "لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين" سورة النور آية .12 فالمؤمن لا يشيع خبرا ولا يهتك سترا ولا يسيء ظنا فكم من إشاعة كانت سببا في هزيمة جيش أو قيام حرب أو قتل نفس أو خراب بيت أو طلاق امرأة أو تشريد أسرة؟ ومن الواجب علي من سمع الشائعات أن يتأني وأن يتكتم علي الشائعة حتي تموت في مهدها وقديما قيل "اذكروا الحق حتي ينتشر وأميتوا الباطل حتي يندثر". وعلي المؤمن أن ينهج نهج سليمان عليه السلام حينما قال للهدهد: "سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين" "سورة النمل آية 27". فليت أفراد الأمة يعون خطورة الشائعات وأثرها السييء خاصة ونحن نعيش في مفترق طرق علي مشارف الانتخابات البرلمانية وما أكثر مروجي الشائعات!