مظاهرات غاضبة في الشوارع...حرق العلم الأسترالي أمام السفارة الأسترالية في جاكرتا...سحب السفير الأندونيسي من كانيبرا.. تجميد التعاون العسكري والمخابراتي بالإضافة إلي حملة شرسة ضد استراليا علي موقع تويتر وعمليات قرصنة علي بعض المواقع الأسترالية... كان هذا رد فعل إندونيسيا علي فضيحة تجسس أستراليا علي الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو وزوجته وعدد من كبار المسئولين بالدائرة المقربة منه. في المقابل جاء رد فعل أستراليا كنموذج لسوء إدارة الأزمات بدءا بتجاهل كانبرا للفضيحة لمدة42 ساعة رغم أن الصحف الاسترالية هي التي نشرت تسريبات العميل الأمريكي السابق سنودن الخاصة بالتجسس, ثم رفض رئيس الوزراء الاسترالي توني آبوت تقديم توضيحات أو اعتذار لجاكرتا. ولم يتوقف العناد والتعالي الاسترالي, علي حد وصف بعض المراقبين,عند هذا الحد بل سكب آبوت الزيت علي نار الغضب المشتعلة في أندونيسيا بقوله في تصريح آخر' أنشطة استراليا الاستخباراتية تهدف لمساعدة أصدقائها وحلفائها وليس لايذائهم' وكأنه يعتبر أن التجسس كان لمصلحة أندونيسيا! وتجدر هنا الإشارة إلي أن عمليات التجسس علي الهواتف المحمولة للرئيس الاندونيسي وزوجته والمقربين منه ترجع إلي عام2009( في اعقاب عمليتي التفجير الانتحاري في فندقي ماريوت وريتز كارلتون في جاكرتا والذي راح ضحيتهما7 أشخاص من بينهم3 من استراليا) أي قبل سنوات من انتخاب آبوت رئيسا للوزراء قبل3 أشهر فقط. وتحت ضغوط وانتقادات المعارضة والمواطنين لتعامله مع الأزمة ارسل آبوت خطابا إلي الرئيس الاندونيسي لاحتواء الأزمة لم يكشف حتي الآن عن فحواه وأعلنت الحكومة الإندونيسية تأجيل الرد عليه مما يهدد بتصاعد حدة الأزمة بين الجانبين في الفترة المقبلة. والحقيقة أن الأزمات الدبلوماسية ليست بالشيء الجديد علي العلاقات الأسترالية والإندونيسية والتي تتسم بالكثير من الالتباس بل إن' المشاحنات الدبلوماسية تعد جزءا لا يتجزأ من العلاقات الثنائية في منطقة جنوب الباسيفيك' وفقا لصحيفة الجارديان البريطانية ولذا سرعان ما تعود العلاقات إلي سابق عهدها من الالتزام بالتوازن والبراجماتية. وسوابق الأزمات بين إندونيسيا وآستراليا كثيرة من أهمها تأييد أستراليا لاستقلال تيمور الشرقية في عام1999 وقيادتها للقوات الدولية للتدخل العسكري في الاقليم الذي كان تحت السيادة الاندونيسية في نفس العام, وفي اعقاب تفجيرات بالي في عام2002 ثم التدخل الأسترالي في تيمور الشرقية مرة اخري في.2003 وخلال العشر سنوات التالية ظلت العلاقات تتأرجح بين التقارب والتباعد إلي أن تفجرت أزمة التجسس والتي يري البعض أنها تتخذ منعطفا أكثر سخونة عن سابقاتها نظرا لعدة أسباب من أهمها: تنامي الشعور بالاستياء والغضب من المواقف الاسترالية لدي غالبية المواطنين الاندونيسيين واعتبار اغلب مواقفها انتهاكا للسيادة الاندونيسية وإصرارا علي التدخل في الشأن الداخلي.وتشير صحيفة جاكرتا بوست الاندونيسية نقلا عن محللين اندونيسيين إلي أن كانبرا بحاجة ماسة في الوقت الراهن إلي إدراك أنها قد تعدت علي واحد من أهم المبادئ الدبلوماسية الاندونيسية وهو' عدم التدخل' بل إن التجسس علي زوجة الرئيس يتعدي المبادئ الدبلوماسية ويخترق المبادئ الاخلاقية الشرقية الخاصة بالخصوصية والحرمة. وربما ما زاد من غضب الرئيس الاندونيسي, والذي طالما اتهمه الإندونيسيون بالموالاة للغرب, ودفعه لشن هجوم عاصف علي رئيس الوزراء الاسترالي في عدة تغريدات علي الموقع الشهير تويتر( في سابقة لرئيس اندونيسي) انه كان ينتظر اعتذارا مماثلا لما قام به الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في اعقاب تفجر فضيحة التجسس الأمريكي علي هاتفها المحمول. علي الجانب الآخر نجد أن سوء تقدير استراليا للأزمة وللتغيرات في الجارة الاندونيسية هو سبب آخر لتصعيد الموقف.ويري البعض أن استراليا مازالت تتعامل مع اندونيسيا علي انها الجارة الكبيرة القريبة ولكنها لا تزال ضعيفة وفقيرة وهو بعيد عن الواقع والمستقبل المرتقب.ويشير المحللون إلي أن النمو الاقتصادي في اندونيسيا يتخذ خطي سريعة وثابتة وأنها قد تصبح في المستقبل القريب بالنسبة لاستراليا في أهمية الصين والولايات المتحدة بل قد تفوقهما أهمية كحليف دائم. ففي السنوات الأخيرة تحولت اندونيسيا إلي واحدة من القوي الرئيسية الفاعلة في آسيا بفضل النمو الاقتصادي وامكانياتها الاستراتيجية ومن المنتظر أن تصبح قوة عظمي في القارة الآسيوية تلي الصين والهند خلال السنوات القليلة القادمة وبالتالي فإنه من مصلحة استراليا تغيير نظرتها للجارة القريبة فبقدر ما يختلفان في اللغة والدين والعادات والتقاليد والتاريخ تجمع بينهما الجغرافيا والمصالح المشتركة من حيث تحقيق التوازن في المنطقة ومكافحة الارهاب والتصدي لمشكلة تهريب البشر(طالبي اللجوء) وتعزيز التعاون الدفاعي والأمني.