عقوبات رادعة لمواجهة «فوضى الفتاوى» :توافق كامل بين «الأزهر» و«الأوقاف».. والحبس والغرامة للمخالفين    وزير الخارجية والهجرة يلتقي قيادات وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي    ما أسباب انتشار رائحة البنزين داخل السيارة؟    فى المؤتمر المشترك الأول لكليات ومعاهد الإعلام :الأمية الثقافية تهدد مستقبل الإعلام العربى    الموت الصامت يحاصر غزة :إسرائيل تبحر بلا بوصلة وتجند لواءى احتياط لتوسيع الحرب    طارق حامد يقود ضمك ضد الرائد في الدوري السعودى للمحترفين    آلاف يتظاهرون في عدة مدن ألمانية تنديدا باليمين المتطرف وحظر البديل    الفريق يدخل معسكرًا لمباراة سيراميكا.. ورسالة خاصة من الثلاثى الكبير    بمشاركة صلاح.. آرسنال يفرض التعادل على ليفربول    مدبولي: منحة ناصر تستهدف مشاركين من جنسيات مختلفة    حريق بمخزن خردة بمنطقة أبو سمران بالشرقية    إصابة طالبة سقطت من الطابق الثالث داخل مدرسة فى بشتيل بالجيزة    رامي عاشور يهدي زوجته أحدث أغنياته «أتجوز مين»    تجليات الغيطانى    جيش الاحتلال: نقل لواء المظليين من الجبهة السورية إلى غزة لتوسيع الهجوم    النائب محمد طارق يكشف كواليس إقرار قانون تنظيم الفتوى    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟ أمين الفتوى يُجيب    محافظ شمال سيناء يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    محافظ الغربية: إطلاق أكبر قافلة طبية علاجية بمركز قطور    مركز السينما العربية يكرم عرفان رشيد ونينوس ميكيليدس بجائزة الإنجاز النقدي لعام 2025    فرص مفاجئة.. اعرف حظ برج الجوزاء في النصف الثاني من مايو 2025    جدول امتحانات الصف الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 بمحافظة أسوان (رسميًا)    محامية: نشوز الزوج يمثل خطرًا كبيرًا على تماسك الأسرة    أمينة الفتوى: يجوز للمرأة الحائض أداء جميع مناسك الحج عدا الطواف    «البترول»: تمشيط محيط موقع حادث انفجار طريق الواحات السابق بعد الاشتباه في تسريب غاز    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة العاشر من رمضان    حالة الطقس غدا الإثنين 12- 05 -2025 في محافظة الفيوم    محافظ أسوان يوجه للإسراع بإستكمال المشروعات المدرجة ضمن خطة الرصف بنسبة 98 %    وزير الخزانة الأمريكي: أحرزنا تقدما ملموسا في المفاوضات التجارية مع الصين    سقوط مسجل شقى خطر بحوزته 25 كيس أستروكس معدة لتوزيعها بالفيوم    تفاصيل ضبط المتهم بالتعدي على الكلاب الضالة في البحيرة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: إسرائيل تشن ضدنا حرب إبادة إعلامية    راغب علامة ينشر كواليس تصوير فيديو كليب «ترقيص»    غدا.. رئيس الوزراء اليوناني يلتقي نظيرته الإيطالية في روما    استعدادا لختام تصفيات كأس العالم.. منتخب السعودية يلاقي الأردن في ودية سرية    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    مصدر مقرب من اللاعب ل في الجول: عمر فايد يرغب باستمرار مشواره الاحترافي    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    "المعلمين" تحذر من محاولات نصب باسم صندوق الزمالة وتدعو للإبلاغ الفوري    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    فتح باب التسجيل للتدريبات الصيفية بمكاتب المحاماة الدولية والبنوك لطلبة جامعة حلوان    رئيس ائتلاف ملاك الإيجارات القديمة يرفض مشروع قانون الحكومة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الأحوال المدنية تستخرج 32 ألف بطاقة رقم قومي للمواطنين بمحل إقامتهم    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    وفاة سيدة أثناء ولادة قيصرية بعيادة خاصة فى سوهاج    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    خبر في الجول - عمر خضر يقترب من الغياب أمام غانا بسبب الإصابة    ختام ناجح للبطولة العربية للجولف للناشئين والسيدات 2025 في القاهرة.. ملاعب عالمية وتنظيم إحترافي.. والمغرب يحصد الألقاب    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    الخارجية الهندية: معاهدة تقاسم مياه نهر السند لا تزال معلقة    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الكاش.. و الثقة في البنوك!
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 11 - 2013

قرأت أخيرا عن مطعم في قرية جرينويتش في ولاية نيويورك الأمريكية يقدم أطعمة شهية يحضرها أفضل الطهاة في تلك القرية. ولكن الذي يجعل هذا المطعم مختلفا عن أي مطعم آخر,
أن سياسته تقوم علي عدم قبول مبالغ نقدية. حيث يقول مالك المطعم إن التعامل بالكاش أصبح يمثل مشكلة.
و عندها تذكرت أنني خلال الشهور الأولي من عام2005 طلب مني كتابة عدة تقارير نفسية متخصصة لإرفاقها ضمن مستندات الدفاع عن شاب مصري يمثل أمام محكمة بريطانية. كان المطلوب تقييما لشخصيته و تنشئته, ولقيمه ودوافعه السياسية; كما كان مطلوبا- وهو ما يعنينا في هذا المقام- تقرير عن ولع المصريين بالكاش حيث إن الشاب المصري قد فسر احتفاظه بمبالغ نقدية كبيرة باعتبار ذلك سلوكا مصريا معتادا رغم أنه قد أثار قدرا كبيرا من الريبة لدي البريطانيين و اعتبر ضمن أدلة اتهامه.
ومضت سنوات علي كتابة تقريري عن ولعنا بالكاش لأطالع أخيرا واقعة حقيقية وليست من قبيل المزح كشف عنها مؤتمر المدفوعات الالكترونية والخصم المباشر من حسابات العميل لسداد الأقساط أو الفواتير أو الالتزامات المالية عليه, الذي نظمته الخميس7 نوفمبر الحالي جمعية مخاطر الائتمان بالتعاون مع مؤسسة بنوك مصر التابعة للبنك المركزي, وهي أن حشرة العثة داهمت أوراق البنكنوت بخزائن احد البنوك وبالكاد تمت معالجتها, كما كشف المؤتمر أيضا عن أن ارتفاع التعامل الكاش في السوق المصرية, يتسبب في رداءة أوراق البنكنوت, و يقال إن تلك الرداءة كانت احد الأسباب فيما عرف بصفر المونديال وعدم حصول مصر علي تنظيم كأس العالم منذ سنوات.
إن نسبة استخدام الكروت الائتمانية في سداد الالتزامات والأقساط والفواتير في مصر كما ورد في ذلك المؤتمر- لا تتجاوز1% حاليا مقابل نسب مرتفعة في المغرب و أكثر ارتفاعا في ماليزيا, و أكثر ارتفاعا من ذلك بكثير في الولايات المتحدة و الدول الأوروبية, أي أن أحدا لم يستطع أن يقنع الغالبية العظمي منا بأن هناك وسائل أخري يمكننا من خلالها سداد قيمة احتياجاتنا دون استخدام أوراق النقد في كل عملياتنا اليومية.
و قد أشار أحد المتحدثين في المؤتمر إلي أن الأزمات المختلفة التي نتعرض لها منذ عام2011 قد أدت فيما أدت إليه- إلي زيادة تمسك غالبيتنا بثقافة الكاش وعدم الاستجابة لما تقدمه البنوك المختلفة من مغريات تحاول إقناعنا بالاستغناء عن استخدام الكاش, والاعتماد بشكل كبير علي الفيزا وماكينات الصرف الآلي وما شابه ذلك.
تري هل من تفسير نفسي اجتماعي تاريخي لذلك العزوف عما هو أيسر إلي ما هو أصعب و أكثر مخاطرة؟
إننا لم نعرف العملات الورقية البنكنوت إلا عقب الحرب العالمية الأولي, و لسنا بصدد الحديث عن دور بريطانيا التي كانت تحتل مصر آنذاك في الترويج لتلك العملات الورقية و سحب الجنيهات الذهبية التي كنا نتعامل بها آنذاك; فهي قصة طويلة و مشوقة, و لكن لا يتسع لها المقام. كل ما يعنينا هو الإشارة إلي نفورنا منذ البداية من قبول التعامل بالبنكنوت إلي حد لجأت معه السلطات إلي إلزام التجار بتسليم ما يرد إليهم من عملات ذهبية للبنك المركزي لاستبدالها بأوراق نقدية. لقد ظللنا عبر تاريخنا الطويل ننفر من التعامل مع البنوك حتي بعد أن سادت بيننا ثقافة البنكنوت. و لقد حاولت من خلال رصد عدد من الدراسات المصرية الميدانية المتفرقة محاولة الإجابة علي هذا السؤال: لماذا تنفر غالبيتنا العظمي من التعامل مع البنوك, و استخدام بطاقات الائتمان؟ و نستطيع أن نلخص أهم ما انتهينا إليه كما يلي:
أولا: ارتفاع نسبة الأمية الأبجدية بيننا, و هو ما يشكل حاجزا ماديا بين غالبيتنا و التعامل مع البنوك.
ثانيا: ثمة موقف ديني إسلامي متأرجح حيال التعامل مع البنوك عامة باعتبار أن أموال البنوك بها شبهة الربا, مما يدفع بالكثير حتي من بين المتعلمين إلي تحاشي مثل تلك الشبهات قدر المستطاع.
ثالثا: قصور البنية التكنولوجية اللازمة للتعاملات المالية الإلكترونية من آلات و هواتف إلي آخره.
رابعا: يرتبط التعامل مع البنوك و ما يقتضيه من تسجيل لتلك المعاملات من اختراق للخصوصية الفردية, و هو أمر يثير حساسية الناس بعامة بصرف النظر عن طبيعة ما يحرصون علي إخفائه عن عيون الآخرين; ذلك بالإضافة إلي الخوف من الحسد لدي الكثيرين, و محاولة التهرب الضريبي لدي البعض.
خامسا: أن للذهب قيمة في ذاته, في حين أن ما عدا ذلك مجرد أوراق لا قيمة لها في ذاتها بل تكمن قيمتها في التزام السلطة التي تصدرها بضمان قيمتها; ومن ثم فإن الثقة في تلك السلطة تكون معيار القبول بما يصدر عنها; وتقل تلك الثقة إذا ما كان ثمة وسيط إضافي يتمثل في البنوك نودع فيها مالدينا من نقود, و لعل ذلك ما يفسر مقاومة غالبيتنا لاستبدال الأوراق النقدية بالذهب عقب الحرب العالمية الأولي; ثم النفور حتي الآن من التعامل مع البنوك. وخلاصة القول إن توافر الثقة في السلطة, وفي التزامها بما يصدر عنها يلعب دورا أساسيا في ذبول ثقافة الكاش و ما يترتب علي ذلك الذبول من آثار إيجابية علي دفع عملية التنمية.
لمزيد من مقالات د. قدري حفني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.