في يوم13 نوفمبر2013 انعقدت حلقة نقاشية برعاية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية( سي.آي.إيه) ومركز ومكتبة كارتر الرئاسية. وفي ذات اليوم أعلنت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الإفراج عن مجموعة من الوثائق السرية التي تغطي هذه الفترة من يناير عام1977 حتي مارس.1979 كان مجلس الأمن القومي الأمريكي قد أصدر وثيقة بتوقيع زبيجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر بتاريخ21 يناير1977( أي قبل مبادرة الرئيس السادات بأكثر من10 أشهر) وموجهة لكل من نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية ووزير الدفاع تفيد بوجود تعليمات من الرئيس بعمل تحليلات للبدائل السياسية المتاحة علي المدي الفوري القصير فيما يتعلق بقضايا الشرق الوسط وخاصة ما يتعلق بتسوية سلمية بين العرب وإسرائيل. وطالبت التعليمات بوضع تحليلات متعلقة بمفاوضات للسلام بالشرق الأوسط خلال الشهور الستة التالية, علي أن تشمل التحليلات المواقف التي يمكن لواشنطن أن تتبناها أثناء المشاورات الرفيعة المستوي المتعلقة بهذا الأمر مع الأوروبيين والسوفيت وقادة الشرق الأوسط, بالإضافة لتحديد توقيت مناسب لطرح أية مبادرة أمريكية جديدة للسلام مع مراعاة الوضع الإسرائيلي الداخلي والسياسات العربية البينية والموقف السعودي من سعر البترول. وفي دليل علي مباغتة تحرك السادات لجميع الجهات أشارت وثيقة خاصة بالتقديرات المخابراتية عن مصر بتاريخ3 فبراير1977 إلي أن السادات سيكون مقيدا بمواقف باقي القادة العرب إذا حاول التفاوض لاستعادة باقي سيناء, وأنه قد يشعر بعدم القدرة علي الدخول في مفاوضات دون الرجوع إلي سوريا والسعودية. وأكدت التقديرات المخابراتية الأمريكية أن السادات لن يستطيع التفاوض مع إسرائيل في العام التالي(1978) إلا إذا انضمت أطراف عربية أخري للمفاوضات!! وهو الأمر الذي حدث عكسه تماما بعد عدة شهور. وقد تمكنت المخابرات الأمريكية من الوصول لمعلومات هامة يوم2 فبراير1977 تتعلق باهتمام الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بالدخول في حوار مع حكومة الولاياتالمتحدة لكنه لا يعرف الطريق إلي عقد ذلك الحوار. وفي وثيقة أخري بتاريخ2 أغسطس1977 تمت الإشارة إلي وجود قناعة لدي المخابرات الأمريكية بأن إسرائيل أصبحت من القوة بحيث يمكنها أن تنتصر في حرب شاملة علي كل الجبهات أو في حرب استنزاف وأن هذا التفوق مضمون لإسرائيل وسيتزايد خلال السنوات الخمس التالية, علي الرغم من المحاولات العربية لتحسين وزيادة جيوش بلدانهم. وعلي الرغم من ذلك تنبأت التقديرات بإمكان شن الدول العربية عمليات عسكرية هجومية ضد إسرائيل في حال فشل أي جهد للسلام. وتطرقت الوثيقة إلي سيناريو الحرب المتوقعة, مؤكدة أن بإمكان المخابرات الأمريكية رصد عمليات بناء القوات لكن من الصعب معرفة ما إذا كان سيحدث هجوم أو التحديد الدقيق لتوقيته, أما درجة المفاجأة فستكون أقل بكثير مما كان عليه الأمر في حرب عام.1973 وحتي بداية شهر أكتوبر1977 انشغلت التقارير المخابراتية بمتابعة مناورات إسرائيل حول محادثات مستقبلية مع العرب في جنيف. ولكن في11 نوفمبر, أي بعد أقل من مرور يومين علي الخطاب التاريخي الذي ألقاه السادات بمجلس الشعب, أشارت وثائق المخابرات الأمريكية إلي أن عرض السادات بالذهاب إلي الكنيست قوبل من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن علي أنه مناورة دعائية فسارع إلي بث رسالة للرد عبر الإذاعة لانتزاع المبادرة الدعائية من السادات وإظهار أن إسرائيل ليست أقل اهتماما بالسلام من مصر!! وتناولت الوثيقة المخابراتية الأمر من منطلق أن السادات كان يشن هجوما دعائيا في المقام الأول. ورصدت كيف دأب بيجن علي توبيخ الحكومة الإسرائيلية السابقة لموقفها الدفاعي في مواجهة عروض السلام التي يتقدم بها السادات. وأشارت التقديرات إلي أن قبول بيجن بمد يد السلام لمصر بدا كمحاولة منه ليفاقم من الخلافات بين مصر وسوريا فيما يتعلق بمفاوضات السلام وتأجيج مخاوف سوريا من اتفاق مصري إسرائيلي منفرد. ونبهت الوثيقة إلي رد الفعل المصري الرسمي الذي كشف علنا محاولات بيجن للوقيعة بين مصر وباقي الأطراف العربية, ومؤكدا تمسك السادات بأن تشمل دعوته للسلام إستعادة جميع الحقوق الفلسطينية إنسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها عام.1967 وعقب انتهاء الزيارة أشار تقرير مخابراتي إلي أن السلام مازال بعيدا وأن المستقبل محاط بالمخاطر وعدم التاكد. وفي وثيقة أخري تمت الإشارة إلي أن السادات بتمكنه من الإمساك بزمام المبادرة في عملية السلام صنع مشاكل خطيرة جدا لجميع الدول ذات الصلة بأزمة الشرق الأوسط لأنه أجبر كل الأطراف علي إعادة تقييم مواقفها الأساسية لتتجه نحو السلام. وهكذا بدا من الواضح أن أحداث شهر نوفمبر1977 في الشرق الأوسط قد زلزلت العالم وبدلت من رؤاه للأمور. وجاءت خطوة الرئيس السادات لاستعادة سيناء بالسلام بعد النصر في الحرب لتنقذ مصر من تابوت تم صنعه لها بعناية لتبقي مضغوطة ومنقوصة السيادة لأطول فترة ممكنة انتظارا لطعنة جديدة في مرحلة تالية.