تلقي عودة الزعيم اليميني الإسرائيلي المتطرف افيجدور ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا الحليف الرئيسي لحزب الليكود إلي منصب وزير الخارجية ظلالا من الشك علي مستقبل عملية السلام مع الفلسطينيين ولاسيما علي مسار المفاوضات المتعلقة بهاوالجارية حاليا بين الجانبين برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية. فقد كان ليبرمان دائما بمثابة عقبة أمام كافة أشكال التسوية السياسية بين العرب والإسرائيليين سواء علي المسار الفلسطيني أو المسار السوري وانتعشت الأمال قليلا في التوصل إلي تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين عندما ترك منصبه كوزير للخارجية قبل حوالي عام ليتفرغ لإثبات براءته من اتهامات بالفساد والاحتيال وخيانة الأمانة والتي وجهت إليه وحكم بعدم إدانته بأي منها الأسبوع الماضي ولكن المخاوف عادت بعدما تمكن من العودة مجددا لحقيبة الخارجية عقب أدائه اليمين الدستورية مساء الاثنين الماضي أمام الكنيست, الذي صوت62 من أعضائه البالغ عددهم120 علي قرار إعادة تعيينه وزيرا للخارجية. ويري المعلقون أن هذا التطور يمكن أن يعقد محادثات السلام مع الفلسطينيين أكثر مما عليه الآن, حيث يشيرون إلي أن عودته إلي ترؤس تلك الحقيبة التي احتفظ له بها بنيامين نيتانياهو, حليفه ورئيس حكومته التي تم تشكيلها منتصف هذا العام الجاري من المرجح أن تؤدي إلي تشدد نغمة الدبلوماسية الإسرائيلية خلال تناولها لبعض النقاط الحيوية كعودة اللاجئين مثلا أثناء العملية التفاوضية مع الأطراف الفلسطينية وهو ما يمكن أن يؤدي بدوره إلي انهيار المباحثات برمتها بين الجانبين أو وصولها إلي طريق مسدود في نهاية المطاف أو علي أقل تقدير عدم حلحلة الأمور عما هي عليه الآن. ولا شك أن عودة ليبرمان إلي منصبه السابق لقيت أيضا انتقادات شديدة من جانب كتل المعارضة اليسارية والوسطية والتي اعتبرت أن رجوعه مجددا إلي هذا الموقع السياسي الحساس يعد ضربة للجهود الأمريكية الرامية تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط وخصوصا تلك التي يبذلها وزير الخارجية جون كيري, وذلك نظرا لما عرف عن الأول من مواقف متشددة إزاء عملية المفاوضات مع الفلسطينيين التي لا يري فيها أي جدوي, فضلا عن رفضه الرئيس الفلسطيني محمود عباس( أبومازن) بشخصه وصفته كشريك في عملية التفاوض وتهجماته المتكررة عليه ورفضه الدائم إقامة دولة فلسطينية بجوار أخري إسرائيلية, وهو ما يعني عدم قبوله لمبدأ حل الدولتين من الأساس. كما أن بعض المحللين والخبراء السياسيين ذهبوا أيضا إلي أن توجهات ليبرمان حيال الفلسطينيين تتسم بأعلي درجة من العنصرية التي تصب وبامتياز في مصلحة بلاده دون إبداء أدني قدر من المرونة إزاء خصومه, خاصة بعد أن دعا مؤخرا إلي حتمية ضم معظم المناطق التي يسكنها عرب إسرائيل إلي الدولة الفلسطينية مقابل احتفاظ الدولة العبرية بمستوطنات في الضفة الغربية, وهو ما يمكن أن يعول عليه في تفسير ومعرفة أبعاد أفكاره حيال هذه القضية ويترك الجميع يضربون أخماسا في أسداس دون انتظار أدني انفراجة تذكر علي يديه. وعلي الرغم من أن تسيبي ليفني, وزيرة العدل الإسرائيلية ورئيسة الطاقم الإسرائيلي الذي يجري المفاوضات الحالية مع الفلسطينيين أكدت أنها ستواصل إدارة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني بعد تولي أفيجدور ليبرمان منصب وزير الخارجية رغم خلافات الرأي الراهنة بينها وبينه بشأن هذا الملف, وعلي الرغم أيضا من أن التقديرات في إسرائيل والولاياتالمتحدة تشير إلي أن كيري سيسعي إلي التعامل مع ليبرمان وإقناعه بعدم مهاجمة أبومازن لإبداء قدر كاف من المرونة حيال عملية التفاوض, خلافا للعلاقة البالغة التوتر التي جمعت بين ليبرمان ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة, هيلاري كلينتون والتي جعلتها أحيانا تمتنع عن لقائه بسبب مواقفه اليمينية المتطرفة, فعلي الرغم من هذا كله إلا أنه ليست ثمة مؤشرات إيجابية في مواقف ليبرمان يمكن أن تحمل في طياتها بارقة أمل من أي نوع لإنجاح المفاوضات أو حتي احتمالية استئنافها بين الطرفين. ومن المعتقد أن الوضع القائم بين الجانبين, وخاصة عقب عودة ليبرمان لمنصبه السابق, سيبقي علي ما هو عليه الآن بل إن التقديرات تشير إلي أن الأمور ستصبح مرشحة دائما للاشتعال, ببساطة لأن هذا الواقع الذي يدعمه طرح من قبل رجل مثل ليبرمان سيمنع من التوصل لأي حل يعتمد علي التقسيم الجغرافي العادل للأرض ولو نسبيا بين طرفي الصراع وسيقود بالضرورة إلي حل الدولة الواحدة إسرائيل, وهو ما سيؤدي في النهاية إلي سيطرة شعب علي آخر دون منح أية حقوق للأخير. وعلاوة علي ذلك, فإن خروج مصر وسوريا عمليا من حلبة التأثير في الشرق الأوسط ولو مؤقتا بعد أن كانا لاعبين مؤثرين من حيث المشاركة في إدارة العملية التفاوضية الفلسطينية- الإسرائيلية, نظر ا لانشغال كلتا الدولتين بالمشهد الداخلي في كل منهما علي حدة وتطوراته المتعاقبة فإن الميزان الإستراتيجي للقوي يميل لصالح إسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل وعلي كافة الأصعدة, خاصة فيما يتعلق بهذا الملف التفاوضي, ولاسيما في ظل الفكر الاستيطاني البحت المسيطر علي الليكود والمدعوم بالشريك الائتلافي حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان. ولذلك فإنه من الواضح أن جولة المفاوضات المستقبيلة وفي ظل وقوف ليبرمان علي رأس هرم الدبلوماسية الإسرائيلية وفي ظل استمرار تغول الاستيطان والاعتقالات والملاحقات الأمنية في كافة الأراضي الفلسطينية, فضلا عن احتمالات التصعيد في العلاقة مع عرب الداخل, وهو الموقف الذي يدعو إليه ليبرمان, من جهة أخري, كل هذا سيوصل المفاوضات السلمية بين الطرفين حتما إلي نفق مسدود وسيعني دفنا شبه نهائي لعملية السلام.