الفن رسالة سامية.. ولكن.. أين الفن اليوم من هذا السمو؟!. عندما جلس طلعت باشا حرب مع العملاقين محمد عبدالوهاب وأم كلثوم لكي يطلعهما علي فكرته لانشاء ستوديو مصر, كان مؤمنا بأن السينما وسيلة عصرية لإنارة وعي الشعوب, ورقي الأمم حضاريا, وترسيخ القيم الأخلاقية, وترشيد السلوكيات الانسانية, بالإضافة إلي بعث الهمة الوطنية في نفوس الشعوب. فالفيلم السينمائي يعد بمثابة قاطرة فكرية وأخلاقية تقود المجتمع نحو النهضة والشموخ. وبات معلوما أن الفنون علي أنواعها بمثابة القوة الناعمة ذات الأثر النفسي والعقلي بل والسياسي النافذ في وجدان الشعوب لترسيخ قيم وثقافة المجتمعات التي تنتج هذه الفنون. ففيلم سينمائي يهز الوجدان, أو مسرحية تجدد الأفكار وتثريها أو لوحة زيتية تخلب الألباب أو تمثال يبهر العقول تمثل زادا فكريا ومعنويا هائلا لدفع الشعوب لمزيد من العطاء والبذل لنهضة الأوطان. فهل ما نشاهده اليوم من أفلام سينمائية يمت بأدني صلة لهذه الفنون الراقية؟!. نحن أمام أعمال تجارية لا تنتمي لمفهوم الفن الذي تعرفه البشرية بما يمثله من قيمة حضارية, ومنتج انساني بديع يرتقي بالشعوب. فهي أعمال هابطة ومسفة لا يبغي أصحابها من ورائها سوي المكاسب المادية لا يهمهم في كثير أو قليل ما تسببه من آثار مدمرة علي مجتمعنا!. حيث انها تروج للبلطجة والعنف والعلاقات المحرمة وثقافة السوقة والغوغاء. والمدهش والمثير للغضب أن النخبة المثقفة المنوط بها السهر والمرابطة علي ثغور قوتنا الناعمة من ثقافة وتراث هذا الوطن اتخذت موقف الصمت أمام هذا الانهيار لفن السينما بل إنها تدافع عن أفلام العشوائيات والسوقة بحجة حرية الفن والإبداع!! ولنعد بالذاكرة إلي الوراء لنقف علي مصير يمكن أن تنزلق اليه السينما المصرية لو استمرت علي هذا النهج من العشوائية والتخريب والانفلات الأخلاقي. ففي منتصف الستينيات فوجئ العالم بعرض فيلم انفجار للممثلة البريطانية فاينسا ريدجريف, التي ظهرت في أحد مشاهده شبه عارية كما ولدتها أمها. ثم فوجئنا في بداية السبعينيات بفيلم التانجو الأخير في باريس بطولة الممثل الأمريكي الشهير مارلون براندو ليري العالم مشهدا صريحا للعلاقة الحميمة!! وينتفض الفاتيكان غضبا من انزلاق الفن في هذا المستنقع العفن, واليوم أصبحت أمرا عاديا في السينما الغربية مشاهد العري الكامل والممارسة الصريحة للجنس, وباتت تابوهات مقدسة تحت لافتة حرية الفن والابداع, لا يجرؤ أحد من الأسوياء والمحافظين الاعتراض عليها. وهي نفس اللافتة التي يرفعها بعض الفنانين اليوم بمصر في وجوهنا إذا تجرأنا واعترضنا علي مشاهد الاباحية والعنف والغوغائية, شاهرين في وجوهنا سلاح الإرهاب الفكري ناعتين إيانا بالتخلف والظلامية والإرهاب!!. فأين دور وواجب ومسئولية الدولة في حماية المجتمع المصري من هؤلاء, الذين ضربوا برسالة الفن النبيلة عرض الحائط, وأصبحوا أسري إما لثقافة الغوغائية والعنف وإما لوهج الحضارة الغربية بتحررها الأخلاقي والمنفلت؟!. محمد سعيد عز