لا تتعجب إذا رأيت فيهم سائقا, أو بائع خضراوات أو سباك أو عامل معمار, وفي نهاية الأسبوع يتفرغون لصعود المنابر وإلقاء خطبة الجمعة وإمامة المصلين. قد تعجبك عمائمهم الزاهرة, واعتزازهم بزيهم الأزهري, ولكنك لا تعلم حجم معاناتهم, وضعف رواتبهم الذي دفعهم إلي البحث عن مهن أخري اختطفتهم من فوق المنابر في رحلة بحث شاقة عن لقمة العيش. واستبشر أئمة الأوقاف خيرا حينما صدر قرار تحسين وضعهم برفع أجورهم, وتحقيق مطالبهم, وحاولت الوزارة جاهدة إعادة الاعتبار إلي شريحة اجتماعية قلما أثارت اهتمام الحكومات المتعاقبة, وتشكلت لجان لبحث مطالبهم, ثم انفضت دون الوصول إلي حل بسبب مماطلة وزارة المالية في زيادة رواتب الأئمة, والتي كان آخرها رفض المالية زيادة الرواتب بمبلغ100 جنيه قرر الوزير صرفها من ريع الأوقاف دون أن يكلف خرانة الدولة مليما واحدا. ويقول الشيخ إبراهيم حافظ من علماء الأزهر وإمام وخطيب, إن أجور الدعاة مازالت ثابتة منذ عدة سنوات ولم تتحرك لتواكب زيادة الأسعار في الفترة الماضية برغم أنه كانت هناك توصية تقضي بزيادة ال200 %من أساسي مرتب الدعاة التي اعتمدت مسبقا إلي300 % وفصلها عن حافز التحسين التي تبلغ350 جنيها شهريا, وهذا المبلغ يتضرر جميع الدعاة منه, ويطالب الشيخ حافظ بأن ينظر بعين الاعتبار إلي مرتبات الدعاة, كما طالب بالاهتمام بالدعاة حتي يستطيع الإمام أن يواكب التطور العصري والتكنولوجي والارتفاع بمستوي الفكر الديني لدي المجتمع. وأضاف: أن الخطابة هي إحدي مهام الإمام الأساسية في توجيه المجتمع, وآن الأوان كي يأخذ الإمام والداعية بكل وسائل التكنولوجيا حتي يستطيع أداء واجبه علي أكمل وجه, ومن أجل هذا يجب الارتقاء بمستوي الإمام وتحقيق مطالبه, حتي يسهل مهمته, ويؤدي المطلوب منه علي أكمل وجه دون تقصير منه. ويقول الشيخ عبدالخالق عطيفي المفتش العام بأوقاف القاهرة, إن لكل إنسان احتياجات, واحتياجات الإمام لا تقل أهمية عن سائر العاملين بالدولة, ولذا فإن الإمام مرتبه مازال محلك سر برغم أن كثيرا من العاملين حصلوا علي زيادات إلا الإمام, الذي يعاني كثيرا من حصوله علي أدني الرواتب, ويقترح الشيخ العطيفي, أن يبدأ الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف والمعروف بهمته ونشاطه وإخلاصه للدعوة باتخاذ خطوات فاعلة لصالح الأئمة, وذلك بإيجاد السكن المناسب لهم, وتقسط عليهم, وإنشاء أندية اجتماعية وأن يتم علاجهم وأسرهم بمستشفي الدعاة. وفي سياق متصل يطالب الشيخ محمد عبدالعال الدومي إمام وخطيب مسجد مصطفي محمود بالمهندسين, برفع أجور ومرتبات العاملين بالدعوة كسائر العاملين بالدولة, نظرا للزيادة المستمرة للأسعار, وأن الداعية هو قلب الأمة النابض, فحينما يصعد الإمام علي المنبر يكون قد بذل مجهودا في عمله ويظل منتظرا ليوم الجمعة حتي يفيض بكل ما لديه للمستمع, ويكون مستحضرا لعظمة الله في هذا الموقف الصعب, وتفقه كثيرا في طلب العلم ورسخ فيه, فحينما يشعر الإمام بأن الدولة لا تعطيه اهتماما بزيادة راتبه يصيبه الإحباط والضرر النفسي, لأنه الوحيد الذي مازال راتبه دون زيادة برغم الزيادة المستمرة في الأسعار, ولابد من الاهتمام باتخاذ خطوات فعلية بتأهيل الإمام أيضا والقيام بالتدريب المستمر علي أدوات التكنولوجيا حتي يستطيع الإمام أن يواكب العصر والتطور, وحتي يتواصل الأئمة عبر الشبكة العنكبوتية, ويتعارفوا ويتواصلوا مع سائر الناس, لأننا نجد الآن معظم الدعاة لا يهتمون بهذا التطور والتقنيات الحديثة, برغم مدي أهميتها, وهي تتطلب الاهتمام من وزارة الأوقاف بهذا الشأن, وأيضا إيجاد المسكن المناسب لهؤلاء الأئمة, وخاصة في المدن الجديدة التي تقام فيها المساكن الحديثة. ويقول الشيخ عاصم قبيصي مدير إدارة ضم المساجد بوزارة الأوقاف, وإمام وخطيب النادي الأهلي بالقاهرة, إن الأجور التي يتقاضاها الإمام متدنية إلي أقصي حد بالمقارنة بالأجور التي يتقاضاها موظفو الدولة, وبما أن الإمام هو صاحب رسالة عظمي في المجتمع, فلا ينبغي أن يقل دخل الإمام عن القضاة, أو كبار موظفي الدولة, وعدد الأئمة في مصر علي مستوي الجمهورية55 ألف إمام تابعين لوزارة الأوقاف, وبالمقارنة بالمدرسين, نجد أننا أقل من ربع عددهم تقريبا. بدلات متدنية للغاية وعلي الرغم من ذلك فإن الإمام التابع للأوقاف يتقاضي200 جنيه مقابل درس الراحة, وبدل زي9 جنيهات, وبدل اضطلاع20 جنيها, وهي بدلات متدنية إلي أبعد الحدود, ونستطيع أن نقول أن مرتبات الأئمة ومعظم العاملين من مقيم شعائر وعامل بوزارة الأوقاف هي أقل مرتبات في الدولة, ولا تسد حاجات الإمام الضرورية, في وقت يصل فيه الإيجار إلي1000 جنيه للشقة, ومصاريف الكهرباء, والمياه وغيرها وارتفاع أسعار السلع الغذائية, ومصاريف المدارس, والعلاج, فأصبحت المرتبات لا تسد ربع الاحتياجات الضرورية للأئمة, مع العلم أن وزارة الأوقاف لديها من الإمكانيات ما يمكن من خلالها أن تسد احتياجات الإمام بمعني أنه من الممكن للوزارة تخصيص وحدات سكنية محترمة لهذا العدد المحدود من الأئمة لتضمن لهم حياة كريمة, وهناك بنود أخري تستطيع وزارة الأوقاف أن تدعم بها مرتبات العاملين بالوزارة. ويتساءل الشيخ قبيصي: لماذا تنظر لنا الدولة بهذه النظرة غير الائقة؟ وهل يقبل المجتمع أن يتلقي دينه من دعاة الأزهر والأوقاف الذين هم مثال الوسطية المعتدل, ثم لا يضعونه في المقابل( من حيث الأجور) في مكان غير لائق؟ ويضيف الشيخ قبيصي أن الوزارة تستعين بخطباء المكافأة لسد احتياجاتها في خطب الجمعة لنظرا لكثرة المساجد التابعة للوزارة التي يبلغ عددها أكثر من103 آلاف مسجد تقريبا, ويتقاضي خطيب المكافأة200 جنيه شهريا بواقع50 جنيها للخطبة الواحدة, ومعظمهم من خريجي الجامعة والأساتذة وكان عددهم39 ألف خطيب, وتم استبعاد12 ألف من غير خريجي الأزهر بناء علي قرار وزير الأوقاف, بحيث يضمن الأزهر أمانة الكلمة التي تصل إلي الناس, فأصبح كل الخطباء( بالمكافأة) التابعين للأوقاف الآن من خريجي الأزهر أو معهد إعداد الدعاة التابع للأزهر, فأصبح أستاذ الجامعة يحصل علي75 جنيها للخطبة, و50 جنيها لحملة الماجستير, أما المؤهل العالي فيحصل علي40 جنيها فقط. ويؤكد الشيخ أحمد تميم المراغي إمام مسجد الشيخ غراب بحدائق القبة ومبعوث الأوقاف السابق بأوغندا, أن الداعية يقف في مقام سيدنا رسول الله, صلي الله عليه وسلم, ويجب أن يكون هو أحسن راتب في الدولة, ولابد للقائمين علي أمر الأئمة في الدولة أن يوفروا له حياة كريمة.