لا يوجد في الحياة سلاح أقوي من سلاح العلم والمعرفة, ولا يوجد مصدر للمعرفة أصدق من الكلمة المكتوبة, وقوة الكلمات المكتوبة تكمن في قوة ما تحمله من مضمون علمي, فالتعليم هو الحل الوحيد القادر علي تغيير المستقبل والحياة.. التعليم أسمي رسالة إنسانية.. التعليم أولا.. قد يعتقد البعض أن هذه الكلمات تخرج علي لسان حكيم أو فيلسوف مخضرم تجاوز من العمر سنوات كثيرة مليئة بالخبرة والعلم والثقافة, ولكنها في واقع الأمر خرجت علي لسان طفلة صغيرة لم تتجاوز ربيعها السادس عشر, صنفتها مجلة التايمز الأمريكية ضمن أكثر100 شخصية مؤثرة في العالم لعام2013, ومرشحة لنيل جائزة نوبل للسلام كأصغر مرشحه في تاريخ الجائزة.. إنها الطفلة الحديدية الباكستانية التي لفتت أنظار العالم مالالا يوسفزاي. ز.. لإطلاق النار علي يد طالبان.. كتاب جديد صدر في أكتوبر الحالي يروي السيرة الذاتية لمالالا يوسفزاي ومذكراتها بعد عام من تعرضها لهجوم مسلح بالرصاص الحي أصابها برصاصة اخترقت الجانب الأيسر من جمجمتها الصغيرة وهي متجهة إلي مدرستها الإعدادية في إحدي المدن الصغيرة شمال غرب باكستان بسبب نشرها أفكارا تنادي بحق التعليم للفتيات والمحرم من قبل قادة حركة طالبان. ويروي الكتاب تفاصيل حياة مالالا قبل وبعد محاولة اغتيالها. الكتاب بقلم الطفلة مالالا بالاشتراك مع الصحفية البريطانية كريستينا لامب. ويذكر الكتاب أطوار حياة مالالا لحظة الاعتداء عليها من قبل مقاتلي طالبان ومراحل حياتها قبل تلك اللحظة في منطقة سوات التي سيطر عليها مقاتلو طالبان حتي عام2009, حيث كانت عقوبات الجلد في الساحات العمومية تميز الحياة اليومية التي تطبعها كذلك الكثير من المحرمات التي منعها الإسلاميون المتشددون من مشاهدة التليفزيون والرقص وسماع الموسيقي. ويروي الكتاب لحظات الاعتداء علي تلك المقاتلة الصغيرة مالالا في التاسع من أكتوبر عام2012 ولحظة أن تم علي الفور نقلها لتلقي العناية الطبية في مستشفي مدينة بيرمنجهام في المملكة المتحدة لتنجو بأعجوبة من موت محقق. وكانت ملالا متجهة إلي مدرستها الإعدادية في إحدي المدن الصغيرة شمال غرب باكستان قبل أن تعترض جماعة مسلحة طريق الأتوبيس الذي كان يقلها وزميلاتها إلي المدرسة وتسأل عن مالالا بالاسم لتسدد لها عدة طلقات قاتلة. أكدت طالبان آنذاك أنها استهدفت مالالا لأنها تدافع عن قيم غربية, إلا أنها فشلت في تغييب صوت ملالا وهمتها وعزيمتها المتقدة في النضال من أجل التعليم. بدأت ملاالا في عام9002 كتابة مقالات توعية وإرشاد لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي حول حق التعليم للأطفال والفتيات في بلدها الذي يعاني فيه التعليم من سطوة الجماعات المتطرفة. ومع استمرار طرح مالالا لنشر فكرة التعليم ازدادت حدة الضغوط والتهديدات لمحاولة إيقافها, إلا أنها لم تكترث, وكاد أن يكلف هذا الطرح مالالا حياتها, لكن إيمانها برسالتها وبقوة التعليم ودوره في نهضة الشعوب ورقي الإنسان كان أكبر من أن يتم إيقافه. تحولت ملالا إلي رمزا للنضال ومتحدث عالمي في الدفاع عن حق الفتيات في التعليم حول العالم, وتقول مالالا في الكتاب: أرغب أن أكون سياسية في وقت لاحق, أرغب في تغيير مستقبل بلادي وجعل التعليم إجباريا وآمل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه الباكستانيون أحرارا, ويمتلكون حقوقهم ويعم السلام وتذهب كل فتاة وكل صبي إلي المدرسة. ويذكر الكتاب أن مالالا حصدت عددا من الجوائز العالمية في ظل إعجاب دولي واسع بها حيث نالت الجائزة الوطنية الأولي للسلام في باكستان, وحصلت علي جائزة السلام الدولية للأطفال التي تمنحها مؤسسة كيدز رايتس الهولندية. كما نالت جائزة آنا بوليتكوفسكايا التي تمنحها منظمة راو إن ور البريطانية غير الحكومية في4 أكتوبر.2013 وفي يوم ميلادها السادس عشر من يوليو الماضي تلقت مالالا الدعوة لتتحدث في مقر الأممالمتحدة في نيويورك في يوم تمت تسميته يوم مالالا لتلقي كلمة مؤثرة ركزت فيها علي حق التعليم ودوره الجوهري في نبذ التطرف والعنف. وتقول مالالا: أنا أطالب بالتعليم أولا وقبل كل شيء لأبناء وبنات من قاموا بإطلاق النار علي ولكل المتطرفين حول العالم. وتابعت مالالا في حديثها أمام الأممالمتحدة أنا لست هنا للثأر من أي شخص أو جماعة, أنا لا أكره أحدا.. حتي ذلك الشخص الذي قام بإطلاق النار علي وحاول قتلي, أنا لا أكرهه ولا أرغب في الانتقام. ولو كان بيدي مسدس فأنا لن أقوم بإطلاق النار عليه أبدا. فهذا ما تعلمته من سيرة محمد صلي الله عليه وسلم. أنا هنا أكرر مطالبتي وبصوت مسموع بضرورة تضافر الجهود لتوفير التعليم لكل أطفال العالم. وتقول الصحفية كريستينا لامب ان الاحتفال باليوم العالمي للطفلة مالالا الذي اختارت الأممالمتحدة عنوانه الابتكارمن أجل تعليم البنات يتزامن مع مرور عام علي محاولة قتل مالالا.ويستهدف الاحتفال الوصول لآليات جديدة تواجه التحديات التي تعوق الفتيات عن استكمال تعليمهن.وتقول لامب إن الطفلة الباكستانية نجحت في تخطي محنتها وترك بصمتها في باكستان ومختلف أنحاء العالم لتكون رسالة تتحدي بها التطرف والجهل والإرهاب الذي يقضي علي أحلام الفتيات في الحصول علي فرص متكافئة من التعليم. وأكدت مالالا في الكتاب عزمها علي العودة إلي باكستان يوما ما ودخول المعترك السياسي, معتبرة أن محاولة طالبان الفاشلة لإسكاتها جاءت بنتيجة عكسية مذهلة. ويتضح أن كفاح مالالا سوف يستمر, لأنها لا تزال مهددة بشبح الموت إذا عادت إلي بلادها خاصة بعد التصريحات الأخيرة التي أدلي بها الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد: إذا وجدناها مجددا, سنقتلها, سنشعر بالفخر لموتها. ويصف الكتاب مجيء عناصر طالبان وموقفهم المعارض لتعليم البنات, كما يصور التقاليد السائدة في محيط نشأة مالالا, والتي لم تكن ترفع من شأن المرأة, عكس والدها الذي كان فخورا بها, والمعلم الذي أسس مدرسة للبنات وفتحها برغم الضغوطات والتهديد. ويسلط الكتاب الضوء علي التعليم كحق من حقوق الإنسان ويصور كيفية التوافق والدعم الذي منحه والد مالالا إياها كي تكمل مسيرتها السامية من أجل التعليم. فوالد مالالا كان ناظر ومؤسس المدرسة الإعدادية التي كانت تذهب مالالا إليها قبل الحادث. وركزت مالالا في مذكرتها علي أهمية الرسالة التي وهبت نفسها لأجلها, وهي التعليم, وتقول إنها قالت أمام الأمين العام للأمم المتحدة: طفل واحد ومدرس واحد وكتاب واحد وقلم واحد يمكنه تغيير العالم, التعليم هو الحل الوحيد.. التعليم أولا.. شكرا.وعن مسيرتها في الدفاع عن حق التعليم, يكفي القول ان مالالا بدأت بإجراء لقاءات مع التليفزيون الباكستاني بشأن تدريس البنات, وهي في الحادية عشرة من عمرها, ثم بدأت بالكتابة لبي بي سي في القسم الناطق بالأوردو تحت اسم مستعار, ومنذ ذلك الوقت عرفها الباكستانيون, وأضحت هدفا لطالبان, لكنها لم تكن تتصور أن يستهدف عناصرها الأطفال, فكانت الضحية وكتب لها رغم ذلك أن تعيش الآن من أجل رسالتها الإنسانية وبدعم من والدها. ويسلط الكتاب الضوء علي الدعم الذي قدمه والد مالالا لها برغم أن هذا غير اعتيادي في باكستان. وتقول مالالا إنها مدينة لوالدها زياد الدين يوسفزاي, وهو المعلم الذي أسس المدرسة التي كانت تذهب إليها وظلت مفتوحة للفتيات في مواجهة الضغوط والتهديدات, معتبرة أنها ورثت شغفه بالمعرفة وروحه الباحثة والمتسائلة دائما. وتذهب مالالا حاليا إلي مدرسة في إنجلترا, وتعيش مع عائلتها في مدينة برمنجهام, ومن المقرر في وقت لاحق هذا الشهر أن تلتقي بالملكة اليزابيث الثانية في قصر باكنجهام. برغم تعرضها لمحاولة قتل من قبل جماعة طالبان, إلا إنها نجحت في تخطي محنتها وترك بصمتها في باكستان ومختلف أنحاء العالم. وهذا الكتاب هو خير دليل علي ذلك. فمالالا يوسفزاي هي أصغر شخصية تكتب مذكراتها علي مدي التاريخ.