ليس هناك سلاحا أقوى من المعرفة ولا مصدر للمعرفة أكبر من الكلمة المكتوبة، لأن مضمون أي كتاب يحمل قوة التعليم القادرة على صياغة مستقبلنا وتغيير حياتنا، قد يعتقد البعض أن هذه الكلمات تخرج من حكيم أو فيلسوف تجاوز من العمر سنوات كثيرة مليئة بالخبرة والعلم والثقافة ولكنها في واقع الأمر خرجت من تلك المقاتلة الصغيرة ملالا يوسفزاي. ملالا يوسفزاي، طالبة باكستانية لم تتجاوز ربيعها الرابع عشر حينما تعرضت لهجوم مسلح أصابها برصاصة اخترقت الجانب الأيسر من جمجمتها الصغيرة في التاسع من أكتوبر2012، وتم على الفور نقلها لتلقي العناية الطبية في مستشفى مدينة بيرمنجهام في المملكة المتحدة لتنجو بأعجوبة من موتٍ محقق. وكانت ملالا متجهة إلي مدرستها الإعدادية في إحدى المدن الصغيرة شمال غرب باكستان قبل أن تعترض جماعة مسلحة طريق الأتوبيس الذي كان يقلها وزميلاتها إلى المدرسة تسأل عن "ملالا" بالاسم لتسدد لها عدة طلقات قاتلة، أكدت طالبان آنذاك أنها استهدفت "ملالا" لأنها تدافع عن قيم غربية، إلا أنها فشلت في تغييب صوت ملالا وهمتها وعزيمتها المتقدة. بدأت ملالا في عام 2009 كتابة مقالات توعوية لهيئة الإذاعة البريطانية BBCحول حق التعليم للأطفال والفتيات في بلدها الذي يعاني فيه التعليم سطوة الجماعات المتطرفة. ومع استمرار طرح ملالا التوعوي والبسيط ازدادت حدة الضغوط والتهديدات لمحاولة إيقافها، إلا أنها لم تكترث، وكاد أن يكلف ملالا حياتها، لكن إيمانها برسالتها وبقوة التعليم ودوره في نهضة الشعوب ورقي الإنسان كان أكبر من أن يتم إيقافه. تحولت ملالا إلى رمز للنضال ومتحدثا عالميا في الدفاع عن حق الفتيات في التعليم حول العالم، وقالت "أرغب أن أكون سياسية في وقت لاحق، أرغب في تغيير مستقبل بلادي وجعل التعليم إجبارياً وآمل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه الباكستانيون أحرارًا، ويمتلكون حقوقهم ويعم السلام وتذهب كل فتاة وكل صبي إلى المدرسة". حصدت ملالا عددا من الجوائز العالمية في ظل إعجاب دولي واسع بها حيث نالت جائزة السلام الدولية للأطفال التي تقدمها منظمة حقوق الطفل الهولندية، جائزة تيبراري الدولية للسلام تقديراً لشجاعتها وتصميمها ،في حين صنفتها مجلة نيويورك تايمز ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم لعام 2013، إضافة إلى ترشيحها لنيل جائزة نوبل للسلام كأصغر مرشحة في تاريخ الجائزة. وفي يوم ميلادها السادس عشر من يوليو الماضي تلقت الدعوة لتتحدث في مقر الأممالمتحدة في نيويورك في يوم تمت تسميته "يوم ملالا" لتلقي كلمة مؤثرة ركزت فيها علي حق التعليم ودوره الجوهري في نبذ التطرف والعنف. قالت ملالا: "أنا أطالب بالتعليم أولا وقبل كل شيء لأبناء وبنات من قاموا بإطلاق النار عليّ ولكل المتطرفين حول العالم"! وتابعت ملالا في حديثها "أنا لست هنا للثأر من أي شخص أو جماعة، أنا لا أكره أحداً .. حتى ذلك الشخص الذي قام بإطلاق النار علي ومحاولة قتلي، أنا لا أكرهه ولا أرغب في الانتقام. ولو كان بيدي مسدس فأنا لن أقوم بإطلاق النار عليه أبداً. فهذا ما تعلمته من سيرة محمد – صلي الله عليه وسلم . أنا هنا أكرر مطالبتي وبصوت مسموع بضرورة تضافر الجهود لتوفير التعليم لكل أطفال العالم". بعد عام من تعرضها لمحاولة قتل خسيسة من طالبان الإرهابية والذي يأتي بالتوازي مع الاحتفال باليوم العالمي للطفلة 11 اكتوبر والتي اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة موضوعا لهذا العام بعنوان "الابتكار من أجل تعليم البنات" والذي يستهدف الوصول لأليات جديدة تواجه التحديات التي تعوق الفتيات عن استكمال تعليمهن، نجحت الفتاة الباكستانية ملالا يوسف زاي في تخطي محنتها وترك بصمتها في باكستان ومختلف أنحاء العالم، من خلال كتاب يتناول سيرتها الذاتية، لتكون رسالة تتحدي بها التطرف والجهل والإرهاب الذي يقضي على أحلام الفتيات في الحصول علي فرص متكافئة من التعليم. وعرض الكتاب الذي يحمل اسم "أنا ملالا: الفتاة التي دافعت عن التعليم وتعرضت لإطلاق نار من طالبان"، في المكتبات بمختلف أنحاء العالم. وتذهب ملالا حاليا إلي مدرسة في إنجلترا، وتعيش مع عائلتها في مدينة برمنجهام، ومن المقرر في وقت لاحق هذا الشهر أن تلتقي بالملكة اليزابيث الثانية في قصر باكنجهام. وأكدت ملالا عزمها العودة إلى باكستان يوما ما ودخول المعترك السياسي، معتبرة أن "محاولة طالبان الفاشلة لإسكاتها جاءت بنتيجة عكسية مذهلة، ويتضح أن كفاح ملالا سوف يستمر، لأنها لا تزال مهددة بشبح الموت إذا عادت إلى بلادها خاصة بعد التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الناطق باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد: "اذا وجدناها مجدداً، سنقتلها. سنشعر بالفخر لموتها".