في الوقت الذي تتخذ فيه الحكومة الألمانية موقفا صريحا معاديا لنظام بشار الأسد متهمة إياه بارتكاب جرائم بشعة ضد شعبه مستخدما الأسلحة الكيماوية ورافضة عرضه لممارسة دور الوساطة في الصراع الدائر في سوريا بل تبذل جهودا حثيثة منذ فترة لتوحيد صفوف المعارضة السورية وإعدادها لمرحلة ما بعد الاسد, تجد برلين نفسها الآن في موقف محرج بعد أن اضطرت للاعتراف بأنها أسهمت لمدة عقد كامل او ربما أكثر في إقامة ترسانة الأسد من الأسلحة الكيماوية! فبعد المفاجأة التي فجرتها وزارة الاقتصاد الألمانية بأن المانيا صدرت لنظام الأسد360 طنا من المواد الكيماوية القابلة للاستخدام في صناعة الأسلحة الكيماوية خلال الفترة من1998 حتي2011, اعترفت الحكومة للمرة الثانية خلال اسابيع قليلة بأنها سمحت لشركات ألمانية لمدة عقد كامل حتي عام2009 بتصدير تقنيات لسوريا يمكن استخدامها في بناء مصانع إنتاج الأسلحة الكيماوية, مؤكدة في الوقت نفسه أن الشركات الألمانية أوقفت تصديرها بعد اندلاع الحرب في سوريا وانها لم يكن لديها شكوك في استخدامها لأغراض لأخري غيرمدنية. وكان حزب اليسار المعارض الذي يعتبر الحزب الألماني الوحيد الذي يطالب الحكومة الالمانية بوقف تصدير الأسلحة للخارج وعدم المشاركة في اي عمليات عسكرية خارج حدود ألمانيا وانتهاج سياسة خارجية سلمية, قد استفسر في سؤال برلماني عن إسهام المانيا في بناء ترسانة الأسد الكيماوية فاضطرت الحكومة للرد عليه. وجاء الرد من وزارة الاقتصاد التي كشفت عن قائمة بصادرات ألمانيا من المواد الكيماوية مزدوجة الاستخدام إلي سوريا( اي القابلة للاستخدام مدنيا وعسكريا). وهي مواد استخدمت كما تقول الوزارة في صناعة المجوهرات والحلي او معاجين الاسنان غير ان الخبراء الألمان يؤكدون إمكان إستخدامها ايضا في المجال العسكري لإنتاج الغازات السامة, خاصة مادة الفلوريد التي تم تصدير270 طنا منها خلال الفترة من2006 حتي2011 وتدخل في صناعة غاز السارين السام. والآن اعترفت وزارة الاقتصاد الألمانية بأن الصادرات الألمانية لسوريا لم تقتصر علي المواد الكيماوية فقط وإنما تضمنت ايضا قطع غيار عالية التقنية مزدوجة الاستخدام ايضا وتتضمن42 صماما ذا طلاء خاص وعشرة ألواح مبادل حراري, ومضختين وكلها تتميز بأنها مغطاة بطبقة عازلة تقيها من التآكل وهو شرط اساسي لاستخدامها في إنتاج الغازات السامة. بالطبع أكدت الوزارة الألمانية أن هذه المواد تم السماح بتصديرها علي أساس استخدامها في مصانع لإنتاج الورق وإعداد الغاز الطبيعي وفي محطات للطاقة مشيرة إلي أنه لا توجد إشارات علي استخدام هذه المواد في أغراض عسكرية ولكنها تداركت لتوضح بأنه لم يمكن التأكد من ذلك علي ارض الواقع. وكانت صحيفة فيست دويتشه الجماينه تسايتونج الألمانية قد كشفت عن توريد شركات المانية خلال تسعينيات القرن الماضي قطع غيار اخري لسوريا تستخدم في صناعة الأسلحة الكيماوية مثل براميل خلط خاصة وأفران حرارة عالية وأجهزة ضغط متوازن. وقد وجهت بعض وسائل الإعلام الألمانية ذات التوجه اليساري انتقادات لاذعة للحكومة الالمانية ووصف المتحدث باسم حزب اليسار يان فون أكن عضو لجنة الشئون الخارجية في البرلمان الألماني تصرف الحكومة الألمانية سواء في عهد المستشار السابق جيرهارد شرودر او في عهد المستشارة الحالية انجيلا ميركل بانه غير مسئول منتقدا السماح بتصدير مواد كيماوية للنظام السوري رغم علمها بوجود برنامج لديه لإنتاج الأسلحة الكمياوية ورفضه التوقيع علي اتفاقية حظر هذه الأسلحة, وقال فون أكن أن وقف تصدير هذه المواد بعد اندلاع الحرب في سوريا جاء متأخرا. وزاد من حدة الانتقادات للحكومة الألمانية ان هذه المعلومات تكشفت في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع الالمانية انها ستنظم في الشهر الحالي دورات تدريبية لمفتشي المنظمة الدولية لنزع السلاح الكيماوي المقرر إرسالهم إلي سوريا من أجل البحث عن ترسانة السلاح الكيماوي لنظام الأسد وتدميرها. وسيتم تدريب24 مفتشا دوليا في موقع عسكري الماني في ولاية بافاريا تحت إشراف خبراء المان علي عمليات تدمير فعلية للسلاح الكيماوي في ظل ظروف تدريبية صعبة تؤهلهم لإنجاز مهمتهم وسط الحرب الدائرة في سوريا. ووصف مسئول حزب اليسار إسهام الحكومات الألمانية المتعاقبة في بناء ترسانة الأسلحة الكمياوية السورية رغم ان هذه الأسلحة محرمة دوليا, ثم الإسهام الآن في تدمير هذه الترسانة بعد ان تغيرت الظروف السياسية واصبح نظام الاسد عبئا علي الغرب, بأنه قمة ازدواج المعايير في السياسة الالمانية الخارجية.