وكأنما أردنا أن نغتال عمدا كل ما هو جميل حولنا الأخضر واليابس معا..أخبار متناثرة نصطدم بها بين الحين والآخر عن التعديات علي مساحات شاسعة من أجود الأراضي الزراعية حتي بلغت أكثر من35 ألف فدان. وأن إجمالي التعديات بلغ830 ألف حالة خلال الثلاثين شهرا الماضية.. وتمر الأخبار مرور الكرام وكأن الأمر لا يعنينا, ولا ينذر بكارثة أوأنه يخص دولة أخري غير التي نحيا علي أرضها, أرض وادي النيل منذ أن احترف المصري القديم الزراعة فكانت موردا للرزق له ولأجيال متعاقبة علي مدي آلاف السنين, والآن تتآكل أراضينا أمام أعيننا ونحن في غفلة لانشغالنا بالتصدي للبلطجة والإرهاب, في حين أن هناك إرهابا أخر يجري في الخفاء لا يقل أهمية أو خطورة كفيلا بالقضاء علي مستقبلنا وأمننا الغذائي يتطلب اليقظة وسرعة المواجهة كما يحذر الخبراء والمتخصصون. ونحن بدورنا ندق ناقوس الخطر لعله يجد استجابة لدي من يهمه الأمر.. صبح التعدي علي الأراضي الزراعية كابوسا يوميا مفزعا يخرج لسانه للجميع واصبحت الأعمال الخرسانية تتحدي القوانين الهشة والمخالفات تتكرر صباحا ومساءا بإنتظام وفي وضح النهار وكأنها أمر مشروع لا يستوجب اي مساءلة قانونية. الجميع يدفع ثمن التعدي علي الأراضي الزراعية والبعض يعتقدخطأ أن فئة قليلة هي التي تتحمل الضريبة وهم مخطئون في هذا ففاتورة استيراد السلع الأساسية في ارتفاع متواصل بسبب زيادة التعدي علي الاراضي الزراعية التي وصلت الي833 الف حالة وبلغت المساحة35 ألفا و608 أفدنة منذ قيام ثورة يناير وحتي الآن ولم تتمكن الحكومة من ازالة سوي88 الف حالة تعد بإجمالي مساحة4744 فدانا وترتب علي التعدي علي الأراضي الزراعية خسائر اقتصادية فادحة خاصة أن هذه الأراضي ذات إنتاجية عالية ولا يمكن تعويضها, كما أن التعدي علي الأراضي الزراعية يضاعف من ميزانية الاستيراد ويؤدي إلي ارتفاع الفجوة الغذائية الي55% وهذا يعد رقما كبيرا بين الدول المستوردة للسلع الأساسية وقد بلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التعديات علي الأراضي الزراعية الي300 مليون جنيه سنويا وهذا الرقم في تزايد مستمر بسبب مواصلة التعديات. الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية اعتبر أن المبالغة في حجم التعديات علي الاراضي الزراعية جاء بسبب ضعف الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بالإضافة إلي غياب الدولة المصرية عن مراقبة القوانين التي تضعها و الأخطر من استمرار التعدي علي الأراضي الزراعية هو توقع سقوط بعض المباني التي اقيمت علي هذه الأراضي بسبب التعجل الشديد في الإنشاء وعدم وجود أساسات حقيقية فالمباني علي الأراضي الزراعية تحتاج إلي مواصفات خاصة, كما أن الإنشاءات علي الأراضي الزراعية ستؤثر علي حجم التصدير إلي الخارج بسبب تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية وسينعكس بشكل رئيسي علي توفير العملة الصعبة.. والحكومة والشعب سيشعران قريبا بحجم الكارثة التي شاركا فيها بسبب غض الطرف عن المباني علي الأراضي الزراعية واستباحة الاف الأفدنة التي لن تعوض. وأوضح الخبيرالاقتصادي أن التعدي علي الأراضي الزراعية, سيدمر الرقعة الزراعية الخصبة التي تكونت علي مدار مئات السنين, وأضاف أن الطمية النيلية التي ساهمت في خصوبة تربة الأراضي الزراعية بالوادي والدلتا ترسبت من خلال مياه نهر النيل علي مدار فترات زمنية كبيرة, فعلي سبيل المثال فإن ترسيب نصف سنتيمتر يحتاج لعشر سنوات متتالية.. وطالب أن توفر الحكومة المصرية البدائل اللازمة للحد من لجوء الفلاحين للبناء علي أراضيهم الزراعية, وذلك من خلال توفير أراض لأبناء الفلاحين بديلة لهم بالظهير الصحراوي التابع لكل محافظة وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع المزارعين علي الذهاب للبناء في الصحراء وتعميرها, وذلك قبل أن نتكلم عن العقوبات التي سيتم توقيعها علي هؤلاء الفلاحين. زيادة الفجوة الغذائية الدكتور نادر نور الدين خبير الموارد الزراعية أكد أن الفجوة الغذائية وصلت الي55% وهذا رقم كبير بالنسبة لدول العالم التي تعتمد علي95% من استيراد السلع الغذائية الرئيسية فنحن نستورد ما يقرب من70% من زيت الطعام بأنواعه الثلاثة ومن القمح و الفول والعدس بنسبة100% واللحوم بنسبة60% وهذه الفجوة الغذائية عميقة وكل عام يمر تتسع هذه الفجوة بسبب تراجع المساحه المزروعة بسبب التعدي علي الأراضي الزراعية وهذا يكلف خزينة الدولة ما يقرب من2 مليار دولار في العام لاستيراد السلع الاساسية و الأخطر من هذا أن مشروعات استصلاح الأراضي تصبح تعويضا عما تفقده الدولة من المساحة المزروعةوليس إضافة للثروة الزراعية, وهذا التعويض غير متكافئ بسبب عدم إنتاجية الأراضي الصحراوية حيث يوجد لدينا6 ملايين فدان أراض قديمة و2.5 مليون فدان اراضي مستصلحة وهذا رقم متواضع بالنسبة للدول المشابهه لنا في ظروفنا وعدد السكان حيث يوجد في اثيوبيا25 مليون فدان وفي تنزانيا90 مليون فدان, أما نحن فنعد الدولة الوحيدة علي مستوي العالم التي تعيش علي جزء صغير من مساحتها الكلية. وأضاف أن معظم الأراضي الصحراوية التي تم استصلاحها للزراعة قام المستثمرون بالتعدي عليها بالبناء وخاصة طريق مصر إسكندرية الصحراوي مشيرا إلي أن الكارثة الكبري أن الوزارة تدرس زيادة نسبة البناء علي هذا الطريق الي22% ثم زادت7% موضحا أن الأراضي الزراعية بهذا الشكل ستتقلص رغم أنه من المفترض الا يتم المساس بالأراضي الزراعية.. وهناك ضرورة أن تضع وزارة الزراعة شروطا صارمة عند طرح أراضي الإستصلاح الزراعي بحيث لايتم تحويلها إلي أراضي مباني فتتقلص الرقعة الزراعية, كما يجب أن تتجه الدولة للأراضي الصحراوية للبناء عليها ولا تعمل علي زيادة نسبة البناء علي أراضي الإستصلاح الزراعي, كما أكد أن الأراضي الزراعية يجب الا يتم بيعها بالمزاد, ولكن بحق الإنتفاع لضمان إستمرارية إستصلاح الأراضي. وأضاف نور الدين أن التعدي علي أراضي النيل يفقدنا مساحات كبيرة من أراضي ذات خصوبة عالية, واستبدالها بأراضي مستصلحة يكلف الدولة قيمة مرتفعة لإستصلاحها ولاتعطي نفس الجودة والإنتاجية للغذاء, فمصر تفقد كل20 عاما مليون فدان أراض زراعية خصبة, بما يعادل50 الف فدان في العام الواحد بسبب التعديات علي أراضي النيل بالردم والتجريف أوالبناء عليها وهو ماوصفه بأنه يمثل نسبة مرتفعة جدا. وقال أن عمليات البناء علي الأراضي الزراعية افقدت مصر نحو760 الف فدان وأرجع ذلك إلي تفشي ظاهرة الفساد في الأجهزة المحلية المعنية بمراقبة هذا الأمر, مشيرا إلي أن تفجر الأحداث السياسية الأخيرة أوجد' بيئة خصبة' لتفاقم هذه الظاهرة لغياب الرقابةالأن, وأشار نور الدين إلي أن مصر التي تعاني نقصا في سلع الغذاء الرئيسية يجب أن تضع من ضمن أولوياتها وقف ظاهرة تقلص الاراضي الزراعية للقضاء علي هذه الفجوة, مضيفا أن أسعار الغذاء شهدت ارتفاعات هائلة مؤخرا, اذ قفز سعر طن القمح الي360 دولارا بعد إعلان الصين أن لديها موجة جفاف تهدد محصول القمح, وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة' فاو' في تقرير لها مؤخرا تزايد فاتورة واردات منطقة شمال افريقيا, وخاصة مصر, من القمح خلال العام الحالي2011 لتغطية إحتياجاتها الإستهلاكية, مشيرة إلي أن مصر تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم..كما أوضح أن الخسائر الاقتصادية المترتبة علي التعدي علي الأراضي الزراعية تبلغ300 مليون جنية خسائر سنوية بسبب الاف الافدنه التي يتم إهدارها سنويا وهذه الخسائر الكبيرة تتحمل مسئوليتها الحكومة بسبب تجاهلها لإحتياجات الفلاح وتوفير ما يحتاجه من أسمده ومبيدات ومياه ري وتراجع أسعار المحاصيل مقارنه بالسعر العالمي مما يجعله يفضل البناء عليها بدلا من زراعتها. المهندس محمود العدوي رئيس الإدارة المركزية لحماية الأراضي بوزارة الزراعة أكد أن هناك خطة لوزارة الزراعة لإزالة التعديات علي الأراضي الزراعية ويتم اخطار السكرتير العام بكل محافظة ومديريات الأمن لتنفيذ تلك الخطة الا أنه للأسف الشديد يتم تحويل هذه المخالفات للدراسة الأمنية مما يجعل تنفيذها يحدث ببطء شديد مشيرا إلي أن هناك خمسة محافظات احتلت المراكز الأولي في التعديات وهي المنوفية والغربية والبحيرة والدقهلية والشرقية, في حين احتلت محافظات ومناطق الإسماعيلية والنوبارية وأسوان والجيزة المراكزالأقل في حالات التعدي, بينما شهدت محافظات الشرقية والغربية الأعلي في تنفيذ الإزالات بينما كانت محافظات المنوفية والبحيرة والدقهلية وسوهاج وأسيوط الأقل في تنفيذ قرارات الإزالة.