الأمم لا ينبغي أن تجلس وليس أمامها سوي خيار وحيد فهذا خطأ وخطر وبقدر الآمال الكبيرة علي الفريق أول عبدالفتاح السيسي, فإن أمة بحجم مصر لا ينبغي أن تظل في انتظار المخلص, بل عليها ان تختار اختيارها لرجل بعينه فقد سبق أن رأت المخلص في البرادعي, إلا أن الرجل قال بصراحة أنا لست المخلص, الذين أصروا أن يخلعوا عليه هالات مثل ايقونة الثورة ثبت لهم بالدليل القاطع أن الواقع بحاجة لما هو أكبر من الايقونات!, كما أن الذين راهنوا علي الفصيل المؤمن, فقد خاب أملهم في الرئيس مرسي, ودولة المرشد وجاءت لحظة الحقيقة لتخرج الجماهير هادرة يسقط.. يسقط حكم المرشد, والآن لم يعد في صدارة المشهد سوي الرجل الذي أرهق خصومه وأنصاره علي حد سواء نحن أمام رجل يسعي المنصب اليه بينما يرهق الآخرون أنفسهم سعيا الي الرئاسة!, والمدهش أنه بينما يفقد البعض بريقهم الثوري أو وهجهم الديني فإن الشعب بات اكثر حضورا في المشهد هذا الشعب لم يعد يرضي بأن يمارس أي أحد وصياته عليه أو يختار له ما هو ومن هو الأصلح, ولذا لم يكن غريبا أن يقر السيسي أخيرا خدوا بالكم يا مصريين من كلامي كويس.. أنتم بتجيبوا الحكام, وصحيح أنتم اللي بتمشوهم هذه هي خلاصة المعادلة الجديدة في مصر, ولمن لم يدرك بعد فقد عزل المصريون حسني مبارك ومحمد مرسي, وفي الحالتين لم يكن بمقدور الجيش إلا أن يطيع أوامر الشعب القائد الاعلي والمصدر الوحيد للشرعية في مصر. ومن هنا تبدو الصورة واضحة للشعب, فقد اختار السيسي بعد عناء طويل مرشحه المفضل للرئاسة لأسباب جوهرية وليست عاطفية أبرزها: إن اصراره علي وضع السيسي في قصر الرئاسة تجسيد لاستقلال قراره في اختيار الموظف الأعلي في البلاد, واذا كان البعض يهدد السيسي بأن أمريكا لن تتركه.. مثلما قال مرسي له من قبل فإنه يسعده أن يختار رئيسا لا يستمد أوامره ولا شرعيته إلا من شعبه, وإذا كان هناك أحد يهتم بصورته في الغرب فإن الشعب يريد مرشحا يهتم أكثر بصورته لديه هو, وأن يتحسب وأن يهتم بما يريد وما يكره, كما أن أهم أسباب الاختيار أن الغالبية من الشعب تدرك أن الرجل يؤمن عن يقين بأن الشعب ناضج بل قادر علي الديمقراطية و ثمن الاختيار وأيضا تصحيح المسار فقد أنهي بيسر دولة الفساد ودولة الظلام؟! ومن طرف بعيد يشعر المصريون بأن السيسي رجلهم لأنه تفوق في لعبة الذكاء والخداع علي أجهزة المخابرات الأمريكيةالغربية, وتفوق علي ساسة تركيا وقطر, وسدنة معبد التنظيم الدولي للإخوان ولعل من الأمور التي لا تقال صراحة: هل هناك مرشح للرئاسة آخر بخلاف السيسي محل توافق ولا نقول يحظي بدعم الأغلبية, سواء في معسكر القوي الثورية أو اليسارية أو المدنية أو الاسلام السياسي وهنا الغالبية تقول: لن نعيد التجربة الماضية, بل سوف نتوافق علي مرشح معه الآن وليس بعد انطلاق السباق الرئاسي, كما أن الظروف لم تعد تسمح بأن نعيد تجربة التدريب علي الحكم بعد تولي المنصب, فالظرف دقيق ويحتاج الي خبرة ناجحة, كما أن التحدي لا يمكن مواجهته بوجوه تملك الحناجر ولا تحسن التدبير, بل برءوس باردة وعقول يقظة وليس مجرد عواطف متأججة, ويقول البعض: إن هذا الرجل المؤتمن جاء ليحمي الثورة لا أن يحكم ولا أن يستحوذ علي السلطة. وفي المقابل يرد الناس اليس من اؤتمن علي الثورة بات جزءا منها, وكيف يمكن أن يأتمن الشعب شخصا علي الثورة ولا يأتمنه علي الحكم! إلا أن الحجة الوحيدة الوجيهة هي: إن الاصرار علي السيسي وحده يصور مصر وكأنها بلد عقيم, وليس بلدا ولادة تتمتع بالكثير من القادرين. وأحسب أن أصحاب هذا الرأي علي صواب, ولكن الرد هو أن الشعب في غالبية أمعن النظر فيما هو معروض عليه, واختار لأسباب عدة الفريق السيسي بوصفه الأقدر لتأدية المهمة وهنا لابد من ملاحظة أننا أمام شعب بات أكثر ثقة بنفسه, ولم يعد يخشي معه المجيء برؤساء أو الوقوع في غرام البرادعي أو شفيق أو صباحي.. وغيرهم.. مادام أنه قادر علي أن ينزلهم عن عرش قبله, أو يخفض من رصيدهم لديه أو يطيح بهم تماما من كرسي الحكم بعدما نفد رصيدهم لديه وهنا فإن علي الجميع أن يدرك أن رضا الشعب هو الأمن الحقيقي, وأن شرعية الانجاز هي القابلة للحياة والاستمرار, وأن حكم الحمقي و الطغاة لا يدوم, وأن الديمقراطية التي لا تحقق مطالب الشعب وأمانيه المشروعة لا يمكن لها البقاء, وأن الزعماء الشعبيين لن يستمروا طويلا بل الزعماء أصحاب الرؤية والشعبية فقط هم القادرون علي الانجاز ومن ثم البقاء!. ويبقي أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي يدرك أن الحكم بأي ثمن وصفة قاتلة, كما أنه بفطنته وخبرته يعرف أنه محاصر بالدولة العميقة و دولة المرشد فمازال هناك كثير من الحالمين بعودة المرشد والجماعة, كما أن جماعات المصالح القوية تحن بقوة لعودة دولة الاقلية المحظوظة والأغلبية المحرومة وأذا كان البعض يعتقد أن الدولة العميقة قد رحلت أو دولة المرشد قد تراجعت فهو واهم ولقد بات مطلوبا وبشدة أن يطرح السيسي رؤيته لمصر المستقبل بعيدا عن أوضاع لا يمكن لها أن تستمر, وأن يتخفف من حقائب الماضي الثقيلة سواء بالسياسات الفاشلة والظالمة أو الأيادي المرتعشة أو الوجوه الكريهة لقد بات عليه أن ينسج توافقا وطنيا حول شكل الدولة المنشودة, وأن يجد طريقا لانهاء حالة الاحتقان, وأن يعطي المثل في التواصل مع من لم تتلطخ يده بالدماء أو يحرض علي العنف, وأن يعمل مع القوي الوطنية المخلصة ليكون العامل الشعبي عاملا مساعدا لا معوقا في لعبة السلطة وأن تجتهد النخبة مع الفريق السياسي للاجابة عن السؤال الأصعب:لو رفض السيسي الترشح هل يصبر الشعب علي الرئيس القادم؟ وما الذي سيحمله علي أن يفعل ذلك, وخاصة لو نجح ب52%؟! لمزيد من مقالات محمد صابرين