أربعون عاما مرت علي النصر العظيم.. ومازالت الذكري نضرة.. زاهية.. تثير في النفوس أسمي المشاعر الكامنة التي تحملها الأجيال إزاء هذا اليوم العظيم الذي تجلت فيه شجاعة المقاتل المصري وروعة أدائه ومعدنه الأصيل وهو يخوض غمار القتال متسلحا بالعزيمة والإصرار والإيمان والانتماء لتراب هذا الوطن.. ساعات ونحتفل مع قارئنا العزيز بذكري النصر بعيدا عن الانجازات العسكرية الكبري.. فذلك حديث له أبطاله ورجاله الذين كانوا ومازالوا يسطرون كل يوم إنجازا لا تراه الأبصار ولكن تدركه البصيرة.. رجال اعتادوا أن تكون الحياة بالنسبة لهم صنوان للموت إذا كانت بلا كرامة أو حرية أو سلام.. حرب أكتوبر وثبة مصر القوية الهادرة.. التي تجسدت فيها الإرادة السياسية المستقلة ووحدة الكلمة وامتلاك زمام المبادرة.. وزرع بذور الأمل في مستقبل أفضل والمقاومة التي لا تلين.. والعمل الدؤوب.. هكذا كان انتصار أكتوبر بعثا جديدا للإنسان المصري والعربي.. فنتائج الحرب الإيجابية لا تقتصر علي الانتصار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي فقط.. ولكن روح أكتوبر التي استطاعت أن تنتصر علي كل المستحيلات في أول حرب إلكتر تشرفت بلقاء احد أبطال حرب أكتوبر وهو اللواء ا.ح حسن الجريدلي, مدير عمليات القيادة العسكرية الشرقية في حرب1967, و سكرتير عام وزارة الحربية و أمين عام وزارة الدفاع من1971 حتي1973 و رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة من بعد حرب أكتوبر1973 و حتي1978 رحمة الله علية... وقد قام يومها بفتح خزانة أسراره ليحكي أدق تفاصيل مرحلة ما بعد نكسة1967 و كيفية الاستعداد للحرب و ساعة الصفر التي غيرت وجه التاريخ فسرد أدق التفاصيل من داخل غرفة العمليات و أسباب اختيار هذا اليوم و هذا الشهر و تلك السنة بالتحديد لشن الحرب علي العدو الإسرائيلي. وفي نهاية لقائي وحواري مع هذا البطل منحني نسخة من كتابه مذكرات ضابط مصري...خفايا وأسرار من غرفة عمليات حرب6 اكتوبر والتي اخترنا منها هذه الأجزاء لنضعها أمام قارئنا العزيز.. وقد تم إتباع خطتين لتحقيق هذا الهدف.. أولها سرية التخطيط فقد تم تكليف عدد محدود من الضباط بالتخطيط واقسموا يمينا بألا تخرج أي كلمة عن مهمتهم السرية إلي أي شخص سواء داخل القوات المسلحة أو خارجها حتي أنهم قاموا برسم الخرائط بأيديهم وليس بواسطة خطاطين أو رسامين حتي لا يعرف عنها احد حتي عندما كان يراد الاستفسار عن معلومة كان لابد من الانتقال للحصول عليها وليس عن طريق الاتصالات سواء السلكية أو اللاسلكية وعندما يتم تسليم أي عمل كان عن طريق اليد باليد وليس عن طريق المراسلات. ثانيا, كان عنصر الخداع حيث تم إيهام العدو بعدم قدرتنا علي القيام بحرب وتم تنفيذ هذه الخطة بإتباع عدة اتجاهات أولا علي المستوي السياسي و العسكري من خلال إيحاء العدو بأننا غير مستعدين للحرب وإننا نسعي لحل قضيتنا بالطريقة السلمية وان قواتنا تحتاج لوقت طويل حتي نكتسب القدرة علي القيام بحرب. حتي أن القيادة العسكرية قد أعلنت عن قيام عمرة للضباط كما قام وزير الخارجية المصرية بدعوة وزير دفاع رومانيا لزيارة مصر يوم8 أكتوبر كما تم تسريب معلومات أن هناك زيارة مرتقبة لرئيس الجمهورية لدول عدم الانحياز خلال شهر نوفمبر1973 و الإعلان عن تسريح بعض المجندين قبل الحرب ب48 ساعة. وفي نفس الوقت كان يتم إعداد الأسلحة وإدخالها لمسرح العمليات والمعدات والكباري في سرية تامة كل هذا حقق المفاجأة الإستراتيجية وهي' إخفاء نية العمل' لدرجة أن قرار الحرب تم إصداره يوم5 أكتوبر للقيادات العليا وظل يتدرج حتي وصل إلي الجنود قبل الحرب بساعتين. وعن يوم6 اكتوبر1973 ذكر الجريدلي أنة قد بدأ عاديا ولكن في تمام الساعة الثانية عشر ظهرا صدرت الأوامر إلي رئيس هيئة العمليات بإبلاغ القيادات بنزع خرائط المشروع الإستراتيجي ووضع خرائط خطة العمليات الحقيقية و تم إغلاق جميع الأبواب و في نفس الوقت توجه احمد إسماعيل إلي قصر الطاهرة لاصطحاب الرئيس إلي المركز دون علم أي احد وكنت في شرف استقباله و كانت كل أعصابي مشدودة وأنا أقوم بتحيته حيث سيتقرر مصير تلك الأمة خلال ساعة واحدة فقط و قلت له: بالتوفيق و بأذن الله ربنا سينصرنا في معركتنا, فرد قائلا: وهو يشد علي يدي: علي بركة الله. ثم اتجه الرئيس إلي الغرفة الرئيسية و اتخذ موقعة علي المنضدة الرئيسية و علي يمينه الفريق احمد إسماعيل وزير الحربية و القائد العام للقوات المسلحة, و علي يساره الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان و بجوار الفريق احمد إسماعيل وحضرت اللقاء وأمامي وسائل الاتصال المختلفة و الخاصة بالقائد العام. بدأت العيون تتعلق بعد ذلك بالساعة في انتظار ساعة الصفر الساعة2 و خمس دقائق و في تمام الساعة الواحدة و خمسين دقيقة بدأ تسجيل خروج الطائرات من قواعدها و تمت الضربة الجوية الأولي بنجاح و بمكالمة بشرنا بها اللواء طيار محمد حسني مبارك قائد القوات الجوية. و علي المنضدة الرئيسية يحدث موقف قاسي حيث همس الفريق احمد إسماعيل في أذن الرئيس السادات وأبلغه باستشهاد شقيقة عاطف السادات و الذي رد بكل شجاعة بعدها: كلهم أولادي و كلهم شهداء في الجنة. بعد قليل, دخل اللواء محمد سعيد الماحي قائد المدفعية ليعطي تمام ببدء تمهيد المدفعية2000 مدفع ميداني تطلق قذائفها معا علي الضفة الشرقية و لمدة53 دقيقة. جدير بالذكر أن المدفعية قد صبت علي مواقع العدو ما يبلغ زنته3000 طن من الذخيرة وكان عدد دانات المدفعية في الدقيقة الأولي10500 دانة أي بمعدل175 دانة كل ثانية. و ليبدأ بعدها عبور القناة بالقوارب المطاطية ليكون علي الضفة الشرقية خلال الدقائق الأولي8000 مقاتل ووصلوا إلي50 ألف قبل غروب يوم السادس من أكتوبر. ولعل من أجمل اللحظات التي لا تنسي تكليفي بأعداد بيان عسكري لأجهزة الإعلام و لا انسي مطلقا البيان الشهير الذي قلت فيه و رفع علم مصر علي الضفة الشرقية للقناة. تلي كل هذا يوم7 أكتوبر احتواء جميع الهجمات المضادة و بحلول يوم8 أكتوبر تمكنت القوات المصرية من صد الاحتياطي التعبوي الإسرائيلي لجبهة سيناء و تمت اكبر معركة بالدبابات تكبد فيها العدو الإسرائيلي خسائر فادحة و لذا أطلقوا علي هذا اليوم اسم الاثنين الحزين حيث تم أيضا اسر العقيد عساف ياجوري قائد اللواء190 مدرع الإسرائيلي. و بنهاية يوم9 أكتوبر نجحت القوات المسلحة في تحقيق مهمتها حسب الخطة الهجومية ووصلت قواتها الأمامية إلي عمق حوالي15 كيلو متر شرق القناة.