في ظل مشهد سياسي معقد وصراع فكري وسياسي محتدم بين طرفي المعادلة السياسية في مصر اليوم, تظل المناداة بضرورة الاحتكام إلي العقل والمنطق في إدارة الخلاف السياسي فريضة حاضرة وجب علي الجميع أداؤها حماية للوطن وصوت للمجتمع ودرءا للمفاسد التي تطل بروءسها علي الجميع. وما يزيد الأمر أهمية انتقال هذا الصراع والخلاف من مدار السياسة وحلباتها إلي ساحة العنف والإرهاب, ثم انتقالها إلي ساحات لا يجوز علي الاطلاق لا شرعا ولا قانونا أن يزج بها في أتون هذا الصراع, وهي ما يمكن أن نطلق عليه المؤسسات الاساسية أو الحيوية في المجتمع ونعني بها المدارس والمستشفيات, وذلك لما لها من دور لا يمكن لأحد أن يتصور النتائج الكارثية المترتبة علي الاعتداء عليها. ولكن أن نشهد أو نسمع أن ثمة قنابل ألقيت علي مدارس في بعض المحافظات أو تم الاعتداء علي أتوبيس لطلاب المدارس أو الاعتداء علي مستشفي أو منع وصول احتياجاته الاساسية, فتلك الطامة الكبري التي لا يمكن معها الصمت أو التهاون أو مجرد الإهانة واطلاق المناشدات أو المطالبات من الجميع أن يمتنع عن تكرار مثل هذه الوقائع, بل الأمر يحتاج إلي سرعة التعامل بكل حزم وقوة مع مرتكبي هذه الجرائم. فصحيح أن من المهم ألا يتحول الصراع السياسي والخلاف الإيديولوجي إلي احتراب أهلي أو صراعات عنيفة تستخدم السلاح في التعبير عن وجهات النظر المختلفة, إلا أنه من الصحيح أيضا أن هناك بعض المؤسسات التي يجب ألا يتصور أحد طرفي الصراع أن ينقله إليها لما فيها من مخاطر مجتمعية تنذر بعواقب وخيمة علي الجميع بما يجعل من غير المتصور أن يتنظر أحد ما يمكن أن تسفر عنه مثل هذه الاعتداءات. فبعيدا عن ردود الفعل الأبوية التي يمكن أن تبرز في هذه الحالات- وإن كان من المهم عدم تغافلها- إلا أن نقل الصراع والخلاف إلي هذه المنشآت يمثل خروجا حقيقيا علي الإسلام وشريعته وشرعه الحنيف, فعلي الجميع أن يتبرأ من مرتكبي مثل هذه الجرائم والتأكيد علي تجريم هذا الفعل وحرمته تطبيقا لأحكام الشرع التي جاءت واضحة لا لبس فيها كقوله تعالي:من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا وقوله تعالي إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم( المائدة32-33). علي هذا, فمن ثبت شرعا أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن بالاعتداء علي الأنفس والممتلكات الخاصة أو العامة كالاعتداء علي أو نسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور; فإن عقوبته القتل لدلالة الآيات المتقدمة علي أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد; ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي علي شخص فيقتله أو يأخذ ماله, وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة. منتهي القول إن ما سبق ذكره يؤكد أمرين مهمين: الأول, حرمة الاعتداء علي المال العام والخاص وفي مقدمتها المؤسسات الرئيسية في المجتمع كالمدارس والمستشفيات وغيرها من المؤسسات التي تقدم الخدمات الرئيسية للجميع بعيدا عن انتماءاته السياسية أو توجهاته الفكرية. فكما سبق وطالبنا بأن تظل بعض مؤسسات الدولة محايدة في الصراع السياسي كالشرطة والمؤسسة العسكرية والقضاء والاعلام وحذرنا من دخوها حلبة الصراع السياسي حرصا علي عدم فسادها أو فساد العملية السياسية برمتها, فإن دخول هذه المؤسسات الرئيسية اليوم في حلبة العنف يهدد أمن المجتمع واستقراره. أما الأمر الثاني, فإنه من غير الممكن أن تفضي مثل هذه الأعمال إلي مصالحة وطنية أو توافق مجتمعي بل تمثل شرخا جديدا في جدار اللحمة الوطنية من الصعوبة أن يلتحم, بما يهدد مستقبل العمل الوطني أو الجماعة الوطنية بل الدولة المصرية, فهل يفيق الجميع من مخاطر الانزلاق إلي مستنقع الحرب الأهلية التي لن تبقي ولا تذر؟ لمزيد من مقالات عماد المهدى