إلي متي تكيل الولاياتالمتحدةالأمريكية بمكيالين وتتحكم في عقليتها ثنائية قاتلة ؟ يبدو أن ما يجري تجاه الملف السوري قد استدعي علامة الاستفهام المتقدمة من أضابير الأسئلة المعلقة حول العلاقة الأمريكية الإسرائيلية.. كيف ولماذا ؟. بعد حادثة الغوطة الشرقية الأليمة كانت واشنطن تسارع باتهام نظام الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الثوار السوريين, ولولا يقظة استباقية روسية' جديدة لربما كانت صواريخ كروز, وتوماهوك قد دكت سوريا دكا. بالقطع لابد من إدانة وعقاب قاسيين لمن استخدم تلك الأسلحة المجرمة دوليا, والتي أزهقت أرواح أكثر من ألف وأربعمائة سوري بين طفل وكهل, وشاب وامرأة. غير أن العدالة تقتضي أن نتساءل: ماذا عن أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية وفي القلب منها الأسلحة الكيماوية وفي المقدمة النووية ؟ ولماذا لم تستخدم واشنطن قوتها الإمبراطورية في مواجهة إسرائيل التي استخدمت مثل هذه الأسلحة من قبل, بل بأي ذريعة أخلاقية تدين واشنطن الآخرين في حين أن أياديها لا تزال ملوثة باستخدام الأسلحة الكيماوية ذاتها في حروب ومعارك سابقة ؟. قبل البحث عن إجابات يتحتم علينا أن نشير إلي متغير هام للغاية يبدو جليا ويتصل بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية فقد حاول باراك اوباما تسخير اللوبي اليهودي والداعم لدولة إسرائيل في الولاياتالمتحدة لدفع أعضاء الكونجرس من اجل استصدار قرار ضرب سوريا, إلا أن النتيجة جاءت عكسية, إذ لم يخفقوا فقط في تحقيق رغبة اوباما بل دفعوا بعض التيارات الأمريكية الرافضة للحضور الإسرائيلي المهيمن في واشنطن إلي فتح ملفات تضع إسرائيل في زاوية مقابلة لزاوية كيماوي بشار الأسد.. ما الذي جري؟. باختصار غير مخل خرجت علينا مجلة الفورين بوليسي الأمريكية الشهيرة الأيام القليلة الفائتة لتميط اللثام عن وثيقة خاصة بالاستخبارات المركزية الأمريكية تؤكد أن إسرائيل مضت قدما في طريق بناء ترسانة كيماوية خاصة بها منذ أكثر من ثلاثة عقود. الوثيقة المشار إليها تؤكد أن الأقمار الاصطناعية الأمريكية قد كشفت في العام1982 عن احتمال وجود منشأة لتصنيع الأسلحة الكيماوية ومنشأة تخزين في منطقة التخزين الحساسة في' ديمونا' في صحراء النقب, كما تشير إلي وجود مصنع خاص متطور جدا لتصنيع الأسلحة الكيماوية'... هل كانت هذه الوثيقة مفاجأة للمتابعين للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية لا سيما علي صعيد التعاون العسكري بين البلدين ؟. بالقطع لا فالجميع يعلم أن تل أبيب ومنذ أوائل السبعينات تبني ترسانة كيماوية وبيولوجية مستفيدة من الخبرات الأمريكية, ولديها مصانع في شرقي مدينة الناصرة في شمال فلسطينالمحتلة, تنتج غازات الأعصاب مثل السارين, وغاز الخردل النيتروجيني, وغازات خانقة مثل فوسيجين, وغازات شل القدرة وذات التأثير النفسي. هل حركت أزمة سوريا الكيماوية ساكنا عند إسرائيل للانضمام لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية؟. يذهب' يغال بالمور' الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية إلي أن المعاهدة التي تعود إلي20 عاما لم تجتذب ما يكفي من الدول لكي تكون فعالة بشكل عملي, ويوضح أن إسرائيل وقعتها في1993 لكن لم تصادق عليها.. ماذا يعني ذلك ؟ يعني بداية أن إسرائيل وقياداتها تخشي من احتمال تبلور سيناريو تطلب فيه جهات دولية أن تتخذ تل أبيب أيضا خطوات مشابهة لتفكيك ترسانتها الكيماوية. الازدواجية الأمريكية لا تتوقف عند حدود أسلحة سوريا الكيماوية والتي هي أسلحة الدمار الشامل للفقراء, إنما تمتد إلي بسط حمايتها علي ترسانتها النووية, وهذا ما أكدته وثيقةCIA المسربة حديثا إذ أشارت إلي أن إسرائيل تمتلك ترسانة تضم عدة مئات من الأسلحة النووية الانشطارية وربما بعض الأسلحة النووية الحرارية ذات القدرة العالية. هل أتاك حديث وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود بارك وقت مرور عشر سنوات علي انسحاب جيش الاحتلال من لبنان ؟. يومها قال إن الدولة العبرية ملتزمة بالتقارب مع واشنطن في المجال الأمني بما في ذلك الحوار حول التسلح النووي, وانه لا يوجد عند إسرائيل أي سبب في المستقبل المنظور لكي تكون قلقة من موضوع تجريد المنطقة من أسلحة الدمار الشامل, ومؤكدا اعتقاده بان أمريكا ملتزمة التزاما كاملا بالمحافظة علي الأمن القومي الإسرائيلي'. لماذا إذن تتخلي إسرائيل عن سلاحها الكيماوي في حين هناك من يحمي سلاحها النووي, وفي حين تقف وراء دفع واشنطن دفعا لإلغاء مؤتمر نزع السلاح النووي في الشرق الأوسط والذي كان مقررا له شهر ديسمبر الماضي ؟. لمزيد من مقالات اميل أمين