حرب جديدة تخوضها أمريكا في الشرق الأوسط بعد تردد طويل, وبعد انتظار مليء بتفاصيل موت السوريين وتشردهم, ومن الطرافة غير المحمودة في لجج النار المشتعلة أن يكتشف السوريون أن هذا التدخل العسكري كان ممكنا حصوله قبل هذا الوقت بكثير حينها كانت أعداد القتلي أقل بكثير ولم يصل حجم الدمار في الهيكل العمراني والنسيج الاجتماعي للبلد إلي الحجم الذي وصل إليه الآن!. وتذهب معظم التأكيدات الغربية إلي أن الضربة العسكرية هي نوع من العقاب وليس الانتقام, ولا تهدف إسقاط النظام بل معاقبته, وبناء عليه تذهب معظم الترجيحات إلي الاكتفاء بضربات نوعية لأهداف تتبع لهذا النظام. وفي الواقع يمكن تفسير هذه التوجهات كالأتي: إن القوي الغربية وعلي رأسها أمريكا لو صرحت علنا وبشكل واضح عن إصرارها علي إسقاط نظام الأسد فإن هذا الأمر يلزمها تبعات أخري تتعلق بتوافر البدائل عن هذا النظام, وهذا مأزق له تبعاته السياسية الأشد ضررا من مجرد توجيه ضربة عسكرية, تساعد علي تقهقر النظام وبالتالي زواله سريعا.ويؤكد هذا التوجه تسريبات صدرت عن اجتماع قيادات الأركان العسكرية في عمان من أن غاية الضربة ليست إسقاط النظام السوري, وإنما ردعه, وإن كانت الضربة المقررة ستضعفه بشدة وتسرع من سقوطه. وقد دعم هذا التوجه تقدير سعودي يقوم علي أساس أن لا مصلحة بسقوط سريع وفوري للنظام السوري, وإنما الأفضل ترجيح كفة الثوار, وتعزيز قدرات الفصائل غير المتشددة, لتشكل بديلا طبيعيا عن النظام حال سقوطه بعد مدة. التفسير الثاني أن ذلك لا يبدو كونه مجرد تخدير للقوي الحليفة للنظام السوري وخاصة روسيا وإيران وعدم استفزازها والإعلان عن النية الصريحة بإسقاط النظام, كما أنه محاولة لردع النظام عن أي تصرفات متهورة وبعث الأمل في صفوفه إلي أن بقاءه واستمراره أمر ممكن في حال تعامل مع الأمرعلي أنه مجرد ضربة وسينتهي الأمر. وبعيدا عن حجم الضربة وأهدافها, والتي قد تحتاج وقتا لحصرها ومعرفة أبعادها, تنتصب مروحة واسعة من التداعيات يتم تقديرها من قبل الأطراف المتابعة للحدث, بعضها يقوم علي بدهيات وحتميات تفرضها طبيعة التحالفات القائمة في المنطقة, وبعضها يقوم علي حسابات قائمة علي معادلات نظرية صرفة. التقدير الأول: انهيار النظام بعد فترة قصيرة من بدء الضربات ضده, ويستند هذا التقدير علي حقيقة فقدان النظام السيطرة علي أجزاء مهمة من البلاد, إذ يتوقع الكثيرون أن يكون أحد أهداف الضربة تعزيز الخرق الحاصل في جنوب البلاد مع الحدود الأردنية حيث توجد قوات المعارضة علي مسافة قريبة مما قد يساعدها علي الالتحام بالكتائب الموجودة في جنوب العاصمة ويؤدي ذلك إلي إنجاز سيطرتها الكاملة علي العاصمة, وقد يساعد علي ذلك حالة الإنهاك الذي أصاب أخيرا قوات النظام وقاعدته المؤيدة. التقدير الثاني: أن ينفذ الأسد, وحلفاؤه, خيار شمشون, علي وعلي أعدائي, فيقدموا علي مهاجمة إسرائيل عسكريا وذلك في محاولة يائسة لجر المنطقة الي أتون كبير, ويندفع حزب الله, بأمر إيراني, إلي الاشتراك في هذه الحرب, وبذلك تقدم هذه الأطراف علي الانتحار سياسيا وعسكريا. التقدير الثالث: يبقي من أخطر التداعيات المتوقعة, أن يعمد النظام إلي ارتكاب المذابح في المناطق التي تقع تحت سيطرته, ويقوم بإرجاعها إلي أخطاء عسكرية ارتكبتها القوات المعادية, وذلك بهدف الضغط علي هذه القوي لوقف عملياتها ضده وإحراجها أمام الرأي العام الدولي, وقد يحصل ذلك أصلا خارج إرادة النظام من قبل الكثير من التشكيلات العسكرية الميليشياوية التي شكلها النظام في الآونة الأخيرة, والتي قد تعمد إلي القيام بعمليات انتقامية واسعة ضد السكان المدنيين وخاصة في لحظات انهيار النظام الأخيرة. لمزيد من مقالات غازى دحمان