إثيوبيا تلك الدولة التي تقع في عمقنا الاستراتيجي الجنوبي وأحد أهم الأراضي التي تعبر من خلالها أكثر من 80% من مياه نهر النيل التي ترد إلينا من خلال النيل الأزرق. ورغم أهمية تلك الدولة الكبيرة بالنسبة لنا إلا أن معلوماتنا عن طبيعة الحياة فيها ضئيلة وربما لا تعكس حقيقة الأوضاع هناك. والزائر لأديس أبابا للمرة الأولي يفاجأ بأنه أمام مدينة ضخمة مترامية الأطراف وعاصمة كبيرة يصفونها بأنها المدينة المعبرة عن الروح الأفريقية الحقيقية, وغالبية الشعب الإثيوبي يجيد التحدث باللغة الأمهرية التي تعد الأوسع انتشارا, مع وجود بعض الإثيوبيين يجيدون بعض الكلمات العربية نظرا لإختلاط الكثيرين منهم باليمنيين والسعوديين والسودانيين, حيث تكثر في أرجاء العاصمة المحلات اليمنية, والمثير للدهشة هو أن تأثير هذه الجنسيات العربية في العاصمة كبير وسط غياب تام لأي شئ يعبر عن مصر, سواء محلات أو مطاعم أو حتي أي تواجد مصري ظاهر, ورغم ذلك فالشعب الأثيوبي محب للمصريين لأنه يشعر أن هناك أشياء كثيرة تربطه بهم, فالماء الذي يشرب منه الشعبان واحد. كما أنهما صاحبا حضارتين تعدان من أقدم الحضارات في القارة السمراء. وتجد تلك المشاعر واضحة عندما يكتشف الإثيوبي أنك مصري. وعندما تتجول في أديس أبابا ستجدها مدينة حديثة, وستجد أن هناك احتراما كبيرا لقواعد المرور وستجد الشرطيات الإثيوبيات ينظمن المرور في الشوارع جنبا إلي جنب مع الرجال. كما أن وسائل المواصلات أيضا حديثة فالحافلات التي تستخدم في النقل العام شبيهة إلي حد كبير بتلك المستخدمة في العاصمة البريطانية لندن بلونها الاحمر وطرازاتها الحديثة الآدمية. كما أن الشركات الصينية تعمل حاليا علي إنشاء قطار سريع يربط بين أحياء العاصمة, وهو الأول من نوعه في اثيوبيا كلها, إضافة إلي عدد من الكباري.وشوارع العاصمة مليئة بالسيارات الحديثة, وتري المساجد متنشرة بها رغم أن غالبية سكان العاصمة من المسيحيين مع وجود أقلية مسلمة. وتشهد أديس أبابا نهضة عمرانية كبيرة تلاحظها في جميع الشوارع, وربما يعود ذلك لإرتفاع معدلات النمو الاقتصادي والتي تصل إلي أكثر من 10%, وهناك توقعات كبيرة بانتعاش الاقتصاد الإثيوبي بفضل الاستقرار وموقع الدولة والموارد الطبيعية التي لم تستغل بعد, وهو ماجذب كثير من رجال الاعمال الأثيوبيين الذين كانوا يعيشون في الخارج للعودة للإستثمار في بلدهم. وتدهشك أيضا حالة الإلتزام بالقوانين بين الإثيوبيين, ولك أن تعرف أن التدخين ممنوع منعا باتا في الأماكن العامة في إثيوبيا, وله أماكن محددة في المقاهي, والجميع ملتزم بذلك في مظهر حضاري.وما يثير الإعجاب أيضا أنتراكم القمامة غير موجود في العاصمة أديس فلايمكن أن تشاهد قمامة متراكمة في الشوارع حيث توجد سيارات حديثة تتولي مهمة جمع القمامة من الشوارع, ولهذا فالعاصمة خاليةمن الذباب تقريبا وليس بها ناموس.وهذا لايعني ان أديس خالية من العشوائيات والمباني الصفيح, فهي موجودة ولكن ليست بالصورة التي كنا نتوقعها. كما أن نسبة الإصابة بالإيدز مرتفعة. وتعاني أثيوبيا أيضا من أزمة طاقة, والغريب أن الأثيوبيين يتغلبون علي أزمة الوقود التي تواجههم أيضا بطريقة مبتكرة جدا فهم يستخرجون من أحد النباتات التي لاتزرع إلا في أثيوبيا مادة يضيفونها علي الوقود العادي ليقللوامن استيراد الوقود من الخارج. والأغرب ان محركات السيارات اعتادت علي هذه النوع الغريب من الوقود وتسير به دون مشكلات حسب تأكيدات السكان. وبطبيعة الحال يرجع تمسك أثيوبيا ببناء سد النهضة بسبب أزمة الطاقة, فهم يرون أن هذا السد هو مفتاح التنمية في الدولة وهم أيضا يعتقدون أن هذا السد سيكون سببا في تحول أثيوبيا إلي دولة متقدمة, لأن الطاقة التي ستنتج عنه كما يعتقدون ستحل مشكلة الطاقة ليس في أثيوبيا فقط ولكن أيضا في الدول المحيطة بأثيوبيا, ولكن حقيقة ذلك ما زالت غير مؤكدة. و كل هذ الأمور تجعل من هذا المشروع هدف قومي لدي الأثيوبيين وهو أمر يجب أن نضعه في الاعتبار عندما نتفاوض معهم حول هذا السد. والحقيقة أن أثيوبيا التي رأيتها لم تكن أثيوبيا التي سمعت أو قرأت عنها, بل رأيت دولة تجاهد من أجل التنمية باقتصاد واعد وفرص استثمارية كبيرة وسعي دؤوب للتطور والتحول إلي قوة إقليمية مؤثرة في المنطقة, معتمدة علي حضارة قديمة ونمو اقتصادي وعلاقات متميزة مع محيطها الإقليمي وعلي المستوي الدولي أيضا.