منذ انتفضت مصر مطلقة عشرات الملايين من المحتجين في شوارعها وميادينها في30 يونيو الماضي, في موجة ثورية هائلة لم يشهد العالم لها نظيرا لإزاحة الديكتاتور الهزلي ولاستكمال مهام ثورة يناير ولاستعادة الاستقلال الوطني المتضعضع منذ أربعة عقود أضحت قضية المساعدات الخارجية التي تتلقاها مصر شأنا شعبيا, بعد أن بدأت الدول المانحة في مساومة مصر للضغط عليها بالمعونات, وبعد أن شكل بعض الثوريين حركة امنع معونة التي تطالب بتوقف مصر عن تلقي أي معونات من الولاياتالمتحدةالأمريكية أو من الاتحاد الأوروبي. والحقيقة أن مصر الكبيرة والقائدة لوطنها العربي, لا يمكن أن تستمر في تلقي مساعدات أمريكية وأوروبية منتظمة من دول تقف دائما ضد الحقوق العربية, ووقفت بالفعل مع إسرائيل في كل حروبها ضد مصر, وهي مساعدات هزيلة ومسمومة حاولت الولاياتالمتحدة من خلالها, جعل مصر دولة تابعة لها, واستخدمتها الدول الأوروبية بشكل ابتزازي ودعائي سمج ومهين لقيمة وقامة مصر. وإذا كانت المساعدات العسكرية الأمريكية تبلغ13 مليار دولار, والمساعدات المدنية نحو250 مليون دولار, فإن المجموع يصبح155 مليار دولار أي أقل من11 مليار جنيه مصري, أي نحو05% من الناتج المحلي الإجمالي المصري المقدر لعام2014/2013 بنحو2050 مليار جنيه مصري. وإذا قورنت المعونة الأمريكية بالناتج القومي الإجمالي الحقيقي لمصر المحسوب بالدولار وفقا لتعادل القوي الشرائية بين الدولار والجنيه والبالغ505 مليارات دولار عام2011 وفقا لبيانات البنك الدولي, فإنها لا تزيد علي03% منه, بما يعني أن مصر تستطيع ببساطة أن تستغني عن هذه المعونات دفعة واحدة انتصارا لاستقلالها الوطني, إذ لا توجد دولة مستقلة وقائدة في إقليمها مثل مصر تتلقي معونات سنوية منتظمة من دولة أخري تقف دائما في صف أعدائها, فضلا عن أن الولاياتالمتحدة تسترد معونتها المسمومة بتخصيص مبالغ كبيرة منها للتدريب في الولاياتالمتحدة, أو لتمويل استيراد سلع أمريكية متنوعة بأسعار مرتفعة وبجودة أقل, فضلا عن قصر التنفيذ الأجنبي للمشروعات الممولة من المعونة علي الشركات الأمريكية. أما المعونات الأوروبية فتبلغ نحو500 مليون يورو أي نحو670 مليون دولار, أي نحو02% من الناتج المحلي الإجمالي المصري, أو نحو01% من الناتج القومي المحسوب بالدولار وفقا لتعادل القوي الشرائية, أي أنها لا تساوي شيئا تقريبا يبرر الابتزاز الأوروبي لمصر بها, وحالة التجريس الدولية لمصر كدولة متلقية لمعوناتهم, وهي في الحقيقة لا تتلقي شيئا له قيمة منهم. ومقابل المعونة الأمريكية المسمومة, فرضت هيئة المعونة الأمريكية علي مصر برنامج الخصخصة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه أمريكا مع حلفائها الأوروبيين, وتم من خلال ذلك البرنامج الفاسد, إهدار ما بنته الحكومات والأجيال السابقة بأسعار لا تزيد علي10% من سعر الأرض, وتشريد أكثر من نصف مليون عامل, وتدمير بعض الصناعات المتقدمة كليا. واشترت الشركات الأمريكية بالرشاوي بعض أهم الشركات المصرية العامة بأسعار هزلية لتنهب أضعاف ما تقدمه الولاياتالمتحدة من معونة مسمومة لمصر, وعلي سبيل المثال قامت شركة بابكو أند ويلكوكس الأمريكية بتدمير صناعة المراجل البخارية في مصر بعد شراء شركة النصر للغلايات ومخزوناتها ب17 مليون دولار في صفقة فساد مروعة, بينما تبلغ قيمتها الحقيقية نحو25 مثل هذا الثمن وقت البيع عام1994, وحصلت بالإضافة لذلك علي عقد عملية محطة الكريمات بالأمر المباشر, بينما حصل مرتش واحد( عبد الوهاب الحباك) علي91 مليون دولار كرشوة من الشركة الأمريكية النزيهة التي لم يحاسبها أحد!! مقابل المعونة الأمريكية المسمومة, خضعت مصر لشرط تخفيض قيمة الجنيه المصري الذي كان يساوي255 دولار لكل جنيه حتي منتصف السبعينيات, قبل أن يبدأ في التدهور تحت ضغط الطلبات الأمريكية حتي أصبح يساوي014 دولار فقط, بكل ما أدي إليه ذلك من ارتفاع في الأسعار وإضرار بالفقراء والطبقة الوسطي والرأسمالية المحلية. ومقابل المعونة الأمريكية المسمومة تم إبرام عقود ظالمة تحصل من خلالها الشركات الأمريكية والغربية علي قرابة نصف احتياطي مصر من النفط والغاز كمقابل للتنقيب والاستكشاف والاستخراج بعد أن تم إيقاف تطوير الشركات النفطية المصرية, وتمت خصخصة الخدمات البترولية, مما يؤدي لنهب ثروات مصر المستحقة للجيل الحالي والأجيال القادمة. ومقابل المعونة أقامت الولاياتالمتحدة علاقات تجارية مختلة مع مصر, فبلغ الفائض التجاري الأمريكي مع مصر خلال الفترة من عام1983 حتي عام2011, نحو60 مليار دولار, وهو مبلغ هائل يزيد كثيرا علي قيمة المعونة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية منذ بدء تقديمها وحتي الآن. كما أبقت الولاياتالمتحدة التسليح المصري أدني من مستوي نظيره في الكيان الصهيوني, انطلاقا من الموقف الأمريكي المعلن بضمان أمنه وتفوقه علي الدول العربية, وهو أمر غير مقبول لدولة قائدة في وطنها العربي وقارتها الإفريقية وعالمها, وينبغي أن تتحرر مصر من هذه المعونة الأمريكية المسمومة لتحصل علي أكثر الأسلحة تقدما من أي دولة في العالم أو بالتصنيع الوطني لضمان التوازن الاستراتيجي الكامل مع الكيان الصهيوني كأساس لحماية الحدود والشعب والحقوق. وتتضمن الموازنة العامة للدولة للعام2014/2013, نحو113 مليار جنيه كدعم للطاقة والكهرباء, يذهب ربعها علي أقصي تقدير للفقراء والطبقة الوسطي وهو الجزء الذي ينبغي أن يستمر, بينما يذهب أكثر من ثلاثة أرباعها إلي الأثرياء والرأسمالية الأجنبية والمحلية الكبيرة التي تبيع إنتاجها بأعلي من الأسعار العالمية, وتحصل الشركات الأمريكية والأوروبية العاملة في مصر علي القسم الأكبر من هذا الدعم الذي يبلغ أكثر من خمسة أمثال ما تقدمه بلدانهم من مساعدات مسمومة لمصر يحاولون من خلالها سلب الاستقلال الوطني المصري, وهو دعم فاسد يستحق الإلغاء فورا. إن مصر هي التي يجب أن تنهي عار المعونة الأمريكية والأوروبية المسمومة, وتعلن الاستغناء عنها مرة واحدة وللأبد, وتركز تعاونها الاقتصادي والمالي مع الدول العربية الشقيقة ومع أصدقائها الذين سبق وتعاونوا معها بدون شروط مثل روسيا والصين والهند وغيرها, فالاستقلال السياسي والاقتصادي الوطني أغلي من أي معونة, واعتمادنا علي مواردنا ومنع نهبها أكرم لنا وأعلي عائدا, فمصر القائدة والتي تملك ميراثا حضاريا وتحرريا يفوق ما عداها, قادرة علي تحقيق التنمية والعدالة والقوة والمنعة بالاعتماد علي ذاتها ومقدراتها وشعبها العظيم. لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار