علي الرغم من اهمية كل ما يحدث الآن من تطورات شديدة الخطورة والحساسية داخل مصر الا ان المشهد الاقليمي وما يموج به من تفاعلات جاءت كأصداء وردود فعل للحدث المصري الكبير الذي بدأ مع يوم30 يونيو2013 ولم تتوقف تفاعلاته ونتائجه وتداعياته بعد, يجب ان يشغلنا ايضا بقدر ما تشغلنا التطورات الداخلية. اذا اخذنا ذلك في الاعتبار فمن الواجب ان نسأل أنفسنا الي اي حد ستؤثر الأحداث المصرية الساخنة في تفاعلات البيئة الإقليمية؟ وكيف ستؤثر البيئة الإقليمية في كل ما تموج به مصر من أحداث؟ والي اي مدي يمكن ان تتأثر او تتبدل خرائط التحالفات والصراعات علي المستويين العربي والاقليمي؟ عربيا نستطيع ان نقسم مواقف الدول العربية من الحدث المصري الي أربع مجموعات: المجموعة الاولي هي الدول الداعمة. هذه المجموعة تضم المملكة العربية السعودية والامارات والكويت والبحرين. اما المجموعة الثانية تضم دولا آثرت الصمت الرسمي. والصمت هنا لا يمكن الا ان يكون في ذاته موقفا, لان امن مصر تعرض للتهديد من التنظيمات الارهابية, ومن الولاياتالمتحدةالامريكية الحليف الشيطاني للاخوان, ومن بعض الدول الاوروبية خاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا, هذه المجموعة تضم كل دول المغرب العربي ربما باستثناء ليبيا اضافة الي سلطنة عمان ولبنان وسوريا. والمجموعة الثالثة هي مجموعة الدول المتعاطفة لكنها لم تؤثر الصمت ولم تجاهر بالدعم خاصة العراق وليبيا. وتبقي المجموعة الرابعة وهي التي اتخذت موقفا عدائيا من ثورة30 يونيو2013 واعتبرتها انقلابا مدبرا قام به العسكر وانحازت الي الاخوان ودعمتهم بكل ما تملكه ماليا وسياسيا واعلاميا, وحرضت وما زالت تحرض ضد مصر, وهذه المجموعة لا تضم غير دولة قطر. اما علي المستوي الاقليمي فان تركيا جاهرت مبكرا بالعداء, وانساق الجوار الافريقي وراء الضغوط الامريكية والاوروبية وبقي الموقف الايراني غامضا. وقد حاولت شخصيا فك بعض شفرات هذا الغموض بلقاءات موسعة مع بعض المسئولين الإيرانيين هنا في القاهره وايضا في بيروت خلال زيارة سريعه شاركت خلالها في اعمال مخيم الشباب القومي العربي الذي عقد في البقاع( الدورة23). في البدايه اعتقدت ان هناك تعاطفا ايرانيا مع الإخوان, لكنني ادركت بعدها ان هناك ثلاثة عوامل محددة تحكم الموقف الإيراني المتردد في دعم الثورة المصرية, العامل الأول يخص الجيش المصري ودوره في الثوره علي ضوء تصريحات امريكيه تقول ان الجيش المصري هو اهم حليف للولايات المتحده في المنطقة. العامل الثاني يتعلق بالموقف من اسرائيل والعلاقة معها في ظل استمرار قبول الجيش بكل صيغ التنسيق الأمني والاستراتيجي مع الدولة الصهيونية. ونظرا لتوقع الكثيرين في داخل مصر وخارجها أن الجيش وقيادته سيكون لهما دور محوري في ادارة البلاد علي ضوء حجم ومحورية دورهما في الثورة فان الإيرانيين يتخوفون من ان يكون هذا الدور داعما في المستقبل لعلاقة تحالف جديدة مع امريكا واسرائيل بما يتعارض مع الهدف الاستراتيجي المعلن لثورة25 يناير وهو الاستقلال والسيادة الوطنيه وإنهاء كل اشكال التبعية للخارج وخاصة التبعية للولايات المتحدةالأمريكية. اما العامل الثالث فيخص المملكة العربيه السعودية وخلفيات دعمها لثورة30 يونيو في مصر التي اسقطت حكم الإخوان في حين انها انحازت ضد ثورة25 يناير التي اسقطت حكم حسني مبارك,ما جعل البعض يعتقد في احتمال ان يكون هذا الدعم محاولة لاستعادة نظام حسني مبارك بكل انحيازاته وتحالفاته العربية والإقليمية والدولية, خاصة وان السعودية التي تحارب الإخوان في مصر هي التي تدعم تمرد الإخوان وحلفائهم في سوريا ضد نظام منحاز لخيار المقاومة ويعادي اسرائيل. الحقيقه ان موقف السعودية يحظي اكثر من غيره باهتمام شديد في اوساط سياسية واعلامية عربية ودوليه, الكل يحاول فك ألغاز هذا الدعم السعودي لمصر, صحيفة الجارديان البريطانية مثلا قالت علي لسان كاتبها المرموق ديفيد هيرست ان السعودية تحارب الاخوان في مصر لانها تخشي ان يصبحوا حماة للإسلام بدلا من حكامها, كما خشيت من نجاح ظهور نموذج في مصر يدمج بين الاسلام والديمقراطية كي لا يمتد هذا النموذج الي الداخل السعودي, لكنها لم تفسر لماذا تدعم السعودية الاخوان في حربهم ضد بشار الاسد؟ وهي بدعمها لمصر تري في استقرار مصر دعما للامن والاستقرار في المملكة, خصوصا ان ما تعرضت له مصر في الاسابيع الماضية كاد يهدد الامن الوطني المصري وان ما قامت به السعودية من استنفار للدفاع عن هذا الامن كان في الواقع استنفارا لدعم الاستقرار في المملكة. الشك وصل مداه عند البعض بادعاء ان المملكة عندها خطة يقودها الامير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية لاستدراج الجيوش العربية في حروب استنزاف لصالح امريكا واسرائيل, بعد ان تم استنزاف التنظيمات الاسلامية, وان بندر حاول في لقائه مع الرئيس الروسي بوتين في موسكو إقناعه باللحاق بهذا الركب قبل فوات الاوان وضياع الفرصة التاريخية عبر دور ينهي الجيش السوري ورئيسه بشار الاسد. رؤي كثيرة تنطلق من احتمال قيام المملكة بدور داعم لتأسيس كرامة عربية وعزة عربية, لكن مصر تستطيع ان تحول المستحيل الي ممكن بتأسيس تحالف عربي جديد يؤسس لنظام عربي جديد قاعدة انطلاقه هي تلك الدروس المهمة المستخلصة من الانحياز الامريكي-الاوروبي ضد العرب والتحاق تركيا بركبهم, وتردد ايران في الانحياز للحق العربي, بنظام يجعل من العرب, قوة قادرة علي المنافسة اقليميا ودوليا, والقدرة علي حل المشاكل الداخلية العربية بمبادرات عربية, وان تكون سوريا هي البداية حتي لا يتبدد الجيش العربي السوري في حرب طاحنة دامية علي نحو ما كان يدبر للجيش المصري, عندها يمكن ان يتحول المستحيل الي ممكن... لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس