ستمر ساعات الليل لأول مرة خفيفة، نتشبث بها كالأطفال، ونشد على جلبابها، لكى لا ترحل إلا بعد أن نستكمل دعواتنا، التى لا تحصى، ونطلق العنان لأمنياتنا العالقة فى حلوقنا لتنطلق فى رحاب السماء، متوجهه الى الله عز جل، ولكى تسر الأمنيات فى رحلتها بسلام، نغويها بالأفراح والابتسامات والمعاديات والصحبة حتى البسطاء منا الذين لم يعو معنى الاحتفال فاحتفالاتهم الصغيرة تسر القلب أيضا فما أجملها سهرة أمام التلفاز، لمشاهدة فيلم السهرة مع صوت قزقزة ربع لب سوبر، تمر معه ساعات الليل ونحن نتمنى مرة جهارا ومرات فى السر، لكى لا نفوت لحظة دعاء واستجداء فأحلامنا وأمنياتنا لم تعد صغيرة، ولم نعد نكتف بلقمة وهدمة ونومه بين أربعة جدران، الآن حلمنا أتسع، كلنا بلا استثناء، وفى نفس واحد نطلب من الله سلامة مصر وعودة أمنها وحمايتها من العابثين، هذه الأمنيات هى التى آنست كل البيوت فى ليلة عد الميلاد المجيد وبداية العام، وإذا تكفلت إحدى المنظمات بإحصاء عدد كلمات الأدعية والأمنيات التى تم ذكرها فى هذه السويعات القليلة، فلن تخرج عن "أمن، سلامة، مصر" فلم تعد الأمهات تخص أطفالها بالدعاء أولا بالهدايه والصلاح والفلاح، ولم تطلب الرزق وتدعو الله ان ينتظرها على باب بيتها فى الصباح، لكنها دعت لمصر أولا، كما أن الأطفال الذين يحلمون بلعبة ودراجة وسكوتر، لم يهتم أيا منهم إلا بدعوات يحفظها من فم كل من حوله، ويردد بسذاجة تملؤها الشفافية "موت البلطجية يارب الأول وبعدين هاتلى عجلة" هكذا تقرب الجميع إلى الله ليلة الكريسماس بالصلوات والدموع والدعاء، فكم وجها رأيت يالله فى المساء؟ وكم عبدا ذكرك؟، وكم صالحا استجداك؟، وكم طالحا نطق أخيرا باسمك وطالته حمى الهداية ولو للحظات؟، بالتأكيد كان الرب سعيدا بعباده فجميعهم توحدوا فى التوجه إليه بقلوبهم قبل أعينهم وألسنتهم، وكم مرة دعاهم لذلك ولم يسمعو؟ أظن أن صفحة السماء توردت ببهجة الله عز الله، وقد أسترق السمع جيدا إلى دعواتهم مبتهجا بأن الثورة قد آتت أكلها، وأن الشعب إخيرا اجتمع على شىء واحد، بل أنهم فضلوا زرف الدموع على الغناء واللهو شأن كل عام، دعوا دعواتهم فى الخير ضاربين عرض الحائط بتوابع الثورة المضادة، فقد تمنوا خلاصا كاملا نظيفا شاملا لا تشوبه شائبة، ولم يفكر أحدهم فى الذيول التى تركها العام الماضى، وكأن الله سيمنحنا عصاه سحرية، لكى نطرق بها على ظهر الشر، فيتبخر وينزوى، ونبدأ بداية جديدة، هكذا كان التفاؤل بلا منطق، ومن منا يقف بين يدى الله ويطلب طلبا منطقيا؟ لنتعرض لصدمة فى الصباح، الذى بالطبع نستقبله ببشاشة جميلة، إلى أن نستمع إلى الأخبار أو نقرأ عناوين الصحف، وندرك أن التوابع لم تنزو، وأننا على أعتاب مخاوف جديدة، ترتدى ثوب آخر، وسرعان ما تأخذنا دوامة الحياة اليومية والخطط المستقبلية، ونعاود النظر أسفل قدمينا، لكى لا تذل فى حفرة الهم والعجز والفشل، ولن نطل فى وجه الله إلا فى نفس هذا اليوم آخر العام.. لكن الله رحمته وسعت كل شىء، فلن يغضب منا وسينظر فى دعواتنا، دون أن تخضع للروتين، وسياسة الأولويات، فجميعنا اتفقنا هذه المرة على طلب واحد، يستحق أن نوليه اهتمامنا، بكل الطرق نسعى لتحقيقه بلا عصى سحرية وهمية لا وجود لها، ولا نكتف بالدعاء، ولنجعل تكرار مطلبنا بملل ورتابة بمثابة تحميس لقلوبنا وأذهاننا كل صباح، وتأكدوا أن الله سيسعد أكثر إذا رفعنا رؤوسنا لأعلى. المزيد من مقالات ناهد السيد