من المؤكد أن ثقافة أي مجتمع لا تنشأ في الفراغ أو من الفراغ و إنما هي انعكاس مباشر للواقع الاجتماعي والتاريخي المتلاحق علي مر العصور. وطالما أن الثقافة تمثل انعكاسا للأحداث الاجتماعية والتاريخية لأي مجتمع تظل الثقافة جزءا أصيلا من القيم والمفاهيم السائدة التي تحكم إيقاع الحياة وطبيعة العلاقات بين مختلف المكونات للطيف السياسي والمجتمعي. وعلي سبيل المثال فإنه من الصعب- بل ومن المستحيل- الحديث عن وجود ثقافة ديمقراطية ضمن المفاهيم السائدة في أي مجتمع يغيب عنه ذلك الرابط الدقيق بين التنمية السياسية والتنمية الاجتماعية مهما تعددت عمليات الإلهاء بآليات وأطر أبنية الديمقراطية السياسية وإعطائها الأولوية علي القضية الاجتماعية خصوصا عندما تكون أغلبية المجتمع تعاني من فقر مدقع وظلم اجتماعي فادح وبطالة مرعبة نتيجة تزايدها وتراكمها عاما بعد عام. والذين يتحدثون عن الحلم الديمقراطي المشروع باعتباره هدفا سياسيا مجردا ينحصر في الاحتكام لصندوق الانتخابات وإنتاج المجالس النيابية المعبرة عن إرادة الناس يغيب عنهم أن الإصلاح الحقيقي الذي تتطلع إليه الغالبية المطحونة يتطلب أن تدرك النخبة الحاكمة أن القضية الاجتماعية هي الأصل وهي الأساس وأن الإصلاح لن يكون فعالا دون أن تدرك هذه النخبة حقيقة أبعاد الخطر نتيجة التباطؤ في سد مساحات التفاوت الاجتماعي التي بلغت درجات مستفزة تتجاوز درجة استفزاز الغياب الديمقراطي. ودون أن أتورط في توجيه الاتهام لأحد أقول: إن الخطر كل الخطر في إخضاع الحلم الديمقراطي المشروع- بشكل أو بآخر- لأجندة الثقافة الأمريكية التي تحمل اسم' ثقافة العولمة' التي حذر منها الكاتب والمفكر' روجيه جارودي' قبل أكثر من عشر سنوات في كتابه الشهير' أمريكا طليعة الانحطاط'. يقول جارودي إن الثقافة الأمريكية التي تسعي إلي' أمركة' العالم باسم الثقافة العالمية هي الخطر الأول في ظل تقنيات الإعلام الحديثة والقدرة الهائلة علي تضليل الرأي العام ونشر' التيك اواي' الثقافي لغزو العالم وتحطيم ثقافته ودفع كل ما يجعل شباب العالم ينسي ثقافته وقيمه وتراثه الإنساني. ما أحوجنا إلي المزيد من القراءة والمزيد من الفهم والمزيد من القدرة علي الفرز والتمييز بين الغث والسمين! خير الكلام: قمة الحكمة في القدرة علي المواءمة بين ما نتمناه وما يمكننا بلوغه! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله