التعليم العالي تحذر من الكيانات التعليمية غير المعتمدة    تعليم الفيوم: الانتهاء من تجهيز 215 مدرسة كمراكز انتخابية لمجلس الشيوخ    رئيس الأركان يشهد انطلاق فعاليات المؤتمر العلمى الدولى الخامس للاتصالات    الصحة تشارك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العالمي للمناخ 2025 بالبرازيل    ارتفاع سعر النحاس مع تراجع الدولار واقتراب موعد تطبيق الرسوم الجمركية    تجدد أزمة حارس باريس سان جيرمان    الداخلية تواصل تيسير إجراءات الحصول على الخدمات الشرطية بالجوازات    مهرجان القاهرة السينمائي يعلن تمديد فترة استقبال الأفلام للمشاركة في الدورة 46    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    الصين تدعو لاتخاذ إجراءات ملموسة لدفع حل الدولتين ووقف إطلاق النار بغزة    أول رواية كتبها نجيب محفوظ وعمره 16 سنة!    عبدالغفار التحول الرقمي ركيزة أساسية لتطوير المنظومة الصحية    وزير الإسكان يُصدر قرارًا بإزالة 89 حالة تعد ومخالفة بناء بمدينة الشروق    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    محمد السادس: مستعدون لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    تحليل جديد: رسوم ترامب الجمركية سترفع نفقات المصانع الأمريكية بنسبة 4.5%    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    هل اجتمع الجنايني مع عبد القادر لإقناعه اللعب للزمالك؟    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    "الزراعة" تنفيذ 286 ندوة إرشادية والتعامل مع 5300 شكوى للمزارعين    انخفاض تدريجي في الحرارة.. والأرصاد تحذر من شبورة ورياح نشطة    جدول امتحانات الشهادة الإعداية 2025 الدور الثاني في محافظة البحيرة    البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب «جنوب شرق الحمد»    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بإحدى الترع بمركز سوهاج    وزارة التموين تنتهى من صرف مقررات شهر يوليو 2025 للبقالين    ميناء سفاجا ركيزة أساسية في الممر التجاري الإقليمي الجديد    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    عزاء شقيق المخرج خالد جلال في الحامدية الشاذلية اليوم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    تختلف في البنات عن الصبيان، دراسة تكشف تأثير استخدام الهواتف بسن مبكرة على الصحة النفسية    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    «مش كل حريف أسطورة».. تعليق مثير من محمد العدل على تصريحات عمرو الجنايني بسبب شيكابالا    الخارجية الباكستانية تعلن عن مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الفكر والسياسة .. حتي لا تخاصم الثقافة العلم
نشر في الأخبار يوم 29 - 06 - 2010

لا يزال عصر المعلوماتية والتكنولوجيا يفاجئنا كل يوم بجديد ينسخ معه الكثير من ذاكرتنا العلمية ويحول بعض عطايا عصر الحداثة الي مقتنيات في متحف تاريخ العلوم، الذي امتلأ بأشكال متعاقبة من منتجات التكنولوجيا التي تتلاحق أجيالها وصيحاتها وبرامجها في تسارع تتسع معه يوما بعد يوم المساحة مابين خصوصية العلم وشمولية المعرفة.
وأنظر الي الجديد كل يوم في عالم الكمبيوتر والروبوتات والبرمجيات والتجهيزات العلمية والأجهزة المعملية وتقنيات الطيران والأسلحة الحديثة، وكذا ثورة علمية قاهرة تكاد تقتلع من عقولنا ما استقر فيها من أفكار ونظريات علمية لتفسح مجالا للجديد في العلوم التجريبية والتطبيقية والإنسانية الحديثة، ورغمها لايزال عالمنا العربي أسير العقل اختزالي يعتمد الحدس والانفعال العاطفي أكثر مما يتعاطي الموضوعية والقدرة علي التحليل والتدقيق والتقييم والنقد. عقل أضحي مشغولا باجترار عوارض الأحداث ومستجدات الإعلام والفضائيات والصحافة، عقل شغلته أخبار النجوم وأسرار النخبة وتفسير الأحلام وفضائح السياسة وصفقات رجال الأعمال وتجاوزات السلطة وعشوائية المجتمع المتطلع للجديد علي أنقاض كل ماهو قائم. عقل بدا متجاوزاً لحدود العقل محققاً لنسق الاستهلاك والاجترار والتقليد واللايقين، عقل يتعهده المتلاعبون بالعقول بما يغيب وعيه ويعمد إلي تعليب أفكاره في قوالب جامدة وقضايا تافهة وسطحية مقيتة. وهي بلا شك ليست ظاهرة إعلامية مقصوة علي عالمنا العربي، ولكنها طبيعة الإعلام في كل مكان يعمد إلي اصطناع قضايا ساخنة وأحداث جاذبة وفضائح النميمة وبرامج "التوك شو" لتكون مادة مالئة لوقت المتلقي، فيشكل وعيه وفكره وآراءه وانحيازاته بما طلق عليه علماء الاجتماع السياسي والانثربولوجيا " ثقافة القطيع" ليمتلئ الرأس بالأخبارالسيارة والأحداث الطارئة وبما يجرف وعيه ويستهلك وقته ويثقل عقله، وتكون حصيلته المعرفية لاشيء ويتحول معها فكره الي نسق مختزل مسطح يعتمد الشفاهة في المعرفة والعنعنة في النقل بلا تأصيل ولا مردود، وهنا تأتي أزمة السلوك ومحنة منظومة القيم والأخلاق، ذلك أن الثقافة في النهاية هي سلوك أو هي مايبقي في ذهن الشخص ووعيه ووجدانه من كل ماتلقاه أو قرأه أو عرفه ليترجمه سلوكا ونشاطا وأسلوب حياة. فإذا كان محتوي مايتلقاه سطحياً أو وقتياً أو تافهاً أو عفوياً، فلن يتبقي له سوي ثقافة القطيع، ثقافة ال" تيك أواي " والوصفات الجاهزة ومعلبات الثقافة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهنا مكمن الخطأ، كيف؟
نحن نعيش عصر "الانبثاق" حيث تتوالد علوم جديدة وأفكار جديدة وإبداعات جديدة لتغير النسق العلمي العام والذي تعارفنا عليه لأجيال طويلة، ذلك أن ثورة المعلوماتية تواكب معها ثورة علمية أخري وصيحات جديدة في العلوم التجريبية علي غرار ماحدث في مستجدات البيولوجيا الجزيئية والمعلوماتية البيولوجية والإحصاء البيولوجي الذي أخضع العلوم البيولوجية التجريبية لمنطق الرياضيات وفلسفتها وبرامج الحواسيب وتطبيقاتها ونظرية الاحتمالات ودوالها ومتغيراتها، الأمر الذي أعاد صياغة العقل العلمي بما يقربه من صياغة فلسفة علمية تخضع لها علوم الفيزياء والطبيعة وعلوم الحياة والكون والإنسانيات وعلوم الأرض والبيئة وتحولات الفكر والسياسة أيضاً. هذا هو مايشغل العقل الغربي المبدع الذي يعتمد منهج النقد والتحليل والتسبيب والفهم والتقعيد "استنباط القواعد" والتجديد، ولا تناوشه وساوس الغيبيات وتهاويمها ولا أساطير الماضي وفلكلور المعارف الشعبية ومغالطاتها وشطحات الميتافيزيقا " ماوراء الطبيعة " وصرعات الميديا ومحدثاتها.
إذن العالم يتغير حولنا وبالتالي أفكار الناس وأساليبهم وسلوكهم وتعاملاتهم ونظرتهم للأشياء أيضا جميعها تتغير وبما يواكب كل جديد في عالم يتجدد ويتجاوز حتي أنساق العلم المعروفة وطرائقها المستقرة، بينما نحن في غينا سادرون، نعاقر الجهل وضحالة الفكر ونستجيب لكل عبيط حولنا ونخاصم منطق العلم ومنهجه ورؤيته ومستجداته. المحصلة إذن هي تدني معارفنا الإنسانية وتراجع احتمالات تقدمنا وتضاؤل فرص نهضتنا ووقوعنا في حبائل التخلف بكل ظواهره ومغباته.
أخطر ما في الأمر، أن ذلك ليس حال العامة والدهماء والبسطاء وحدهم، وإنما استحال ظاهرة تعانيها النخبة الثقافية والسياسية علي السواء، وازداد الأمر وطأة أن ضربت ثقافة القطيع رءوس الأكاديميين من المتخصصين والعلماء والباحثين وأساتذة الجامعات الذين انحسرت لديهم القدرة علي القراءة والمتابعة حد قراءة الصحف السيارة وإدمان برامج الفضائيات والمسلسلات، وأصبح الأوفر حظاً منهم هو من يحافظ علي تأصيل وتحديث مادة تخصصه محافظاً علي خصوصية علمية ومضحياً بكل مايقربه من شمولية المعرفة التي أصبحت لا غني عنها لكل أكاديمي أو مثقف أو مواطن صالح. والحل؟
لابد أن نفارق حالة الجهالة العلمية وتدني مستويات الثقافة العلمية التي حتماً ستخرج بنا من كل دخول محتمل إلي دوائر المستقبل الذي عنوانه العلم والمعرفة، وهذا لايتأتي إلا بالعمل علي تحفيز الثقافة العلمية في المدارس والجامعات والندوات والأحزاب والنقابات وزيادة جرعة الثقافة العلمية في إصدارات الصحف والمجلات وبرامج لتبسيط العلوم علي غرار نوادي العلوم في قصور الثقافة ومبادرات جمعية الرعاية المتكاملة ومتاحف العلوم، ولنا في ذلك سوابق ناجحة كان روادها الدكاترة عوض محمد عوض، أحمد زكي، حامد جوهر، أحمد مستجير، جمال الفندي، عبد الرزاق نوفل، عبد المحسن صالح وغيرهم ممن قاموا بتبسيط العلوم وتقديمها بشكل مشوق لأجيال الستينيات والسبعينيات، وبقيت بذرتها حتي اليوم تورق سنابلها في عقولهم ووجدانهم، ولدينا كوكبة من العلماء والمثقفين القادرين علي إحداث نقلة نوعية في ثقافتنا العلمية من أمثال الدكاترة والأساتذة يمني طريف الخولي، إسماعيل سراج الدين، نبيل علي، شوقي جلال، أحمد شوقي، السيد وجيه، جمال غيطاس، بهاء شعبان وكثيرين غيرهم.
مازلت أذكر عندما أسسنا الجمعية الوطنية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كان أن أفسحت لنا وزارة الثقافة متنفساً في قصر التذوق بسيدي جابر ومركز الإبداع "قصر الحرية"، حيث احتفت ندواتنا الثقافية والسياسية لشباب الجامعات والقوي الوطنية علي اختلاف الطيف السياسي بكل جديد في العلم والمعرفة، حيث ناقشنا الاستنساخ وتجربة "إيان ويلمات" في معهد روزالين بالمملكة المتحدة البريطانية والنعجة دولي، وناقشنا د.محمد النشائي في نظريات الكم والضوء والطاقة والنسبية العامة والخاصة لاينشتين وناقشنا التنوع البيولوجي والتنوع الثقافي وثورة البيولوجيا الجزيئية وغضب الطبيعة ومشكلات البيئة، ومفاهيم علمية تخاطب المستقبل وتكرس لثقافة علمية لدي الناشئة والشباب.
ما أحوجنا اليوم لبرنامج تليفزيوني يخصص للثقافة العلمية ويعرض كل جديد في العلم والإبداع والاختراع ومستحدثات التكنولوجيا، برنامج علي غرار "العلم والإيمان" للراحل الكبير د.مصطفي محمود، برنامج يبسط العلوم ويناقش العلماء ويشرح للناس كل جديد بأسلوب عصري مستخدما أفلاماً ثقافية وتعليمية من " الناشيونال جيوجرافيك" و "ديسكفري"، برنامج يناقش خلية "كريج فنتر" رائد رسم الخرائط الجينية في ميريلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي قاد البحث إلي أول خلية أنجبها الكمبيوتر، في أول محاولة لتصميم أحياء دقيقة حسب الطلب، ومن خلال تقنيات البيولوجيا الجزيئية وعلوم الوراثة والكيمياء الحيوية والمعلوماتية والحواسيب، وهو مؤشر علي انبثاق نسق علمي جديد وتقنيات جديدة تزاوج بين علوم مستقرة لتولد منها آفاقا علمية جديدة، لابد أن نقربها من أذهان الناس واهتماماتهم.
وفي مثل هذا العصر الشديد التعقيد، تزداد حاجتنا إلي برامج في الثقافة العلمية وتبسيط العلوم، تشرح للناس وتقربهم من العلم وفلسفته ومنهجه، برامج تليفزيونية يقدمها عدد من المثقفين وما أكثرهم في مصر، ذوي خلفية علمية، يعرفون خريطة العالم ومستحدثاته في العلوم والتكنولوجيا، ويناقشون بأسلوب شائق جذاب وبسيط، وعلي الفيديو كونفرانس يحاورون علماء العالم وحائزي نوبل في الطب والفيزياء والكيمياء ويشرحون علاقة العلوم بالتطور والتنمية والحياة والفنون والإنسانيات. هذا بلاغ مني عله ملاق صدي لدي الفضائيات المصرية ووزارة الإعلام وحتي لا تخاصم الثقافة العلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.