اختيار رئيس جديد لإيران لا يمكن أن يصبح مجرد حدثا عادي.. فمابالنا بالداخل الإيراني الذي احتفل بتسلم الرئيس المعتدل حسن روحاني لمهامه عقب انتخابات الرابع عشر من يونيو الهادئة التي أسفرت عن مفاجأة بكل المقاييس. فهي مفاجأة لأنها كما قالت لي شيرين عبادي الناشطة الإيرانية وأول امرأة مسلمة تحصل علي جائزة نوبل للسلام وأول قاضية في تاريخ بلادها جاءت في زمن تحديات لا يمكن أن تحمل طعما جديدا لهذه الانتخابات. فهناك فهم خاطئ للداخل الإيراني رغم كون مجتمعنا- والكلمة لها- حديثا ومعتدلا ومتقدما. ومع هذا فالرسالة الموجهة للخارج مختلفة ولاتحمل رسائل طمأنة. كما أنه وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاما من الثورة لا يبدو الناس راضيين, فالأجندة السياسية مشوشة والاوضاع الاقتصادية في منتهي السوء حتي أن الدولار الأمريكي تعادل قيمته خمسة آلاف تومان إيراني في وقت تتحرك فيه الحكومة من منطق التوازنات السياسية والنظر من مبدأ القوة حسب مفهومها الخاص. وهكذا تبدو إيران منعزلة ومغلقة ولا أحد يعرف السيناريو القادم وإن كان التغيير حتما قادما. كان هذا رأي شيرين عبادي التي التقيتها علي هامش المنتدي الأول لجنوب القوقاز بالعاصمة باكو بأذربيجان عشية الانتخابات الرئاسية. فحديثها يبدو منطقيا ومناسبا لمناضلة ترفع صوتها منددة بمن يقف في وجه الحقوق والحريات في بلدها و هو ما دفعها أيضا إلي كتابة تجربتها في كتابها الأشهر' إيران تستيقظ... الثورة والأمل'. فهي في النهاية امرأة تعيش في بلد ينظر إليه العالم علي أنه لغز كبير. الا أن هذا اللغز قد بدأ يحل طلاسمه بشكل غير متوقع..فالجميع يتذكر إلي الآن ما حدث في انتخابات عام2009 التي أتت بأحمدي نجاد لفترة رئاسة ثانية وهو ما رفضه الكثيرون وكانت نتيجته وضع قادة الاصلاح في إيران أمثال مهدي كروبي رئيس البرلمان الأسبق ومير حسين موسوي آخر رئيس وزراء في تاريخ إيران قيد الإقامة الجبرية وامتد الأمر إلي الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي التي اتسمت سنوات حكمه بالاعتدال الداخلي ومحاولة التوازن خارجيا بالرغم من التعثرات الإقتصادية وعدم القدرة علي الوصول إلي حد مرض من حرية الصحافة و التعبير. ولهذا اعتبرت انتخابات2009 أشبه بانتفاضة سبقت ثورات الربيع العربي وهي أيضا ما كان يرجح كفة التوقعات باندلاع ثورة كبيرة عقب انتخابات.2013 فكل شيء كان معدا لهذه الثورة في ظل مشهد عرف الكثير من الضبابية وعدم الثقة ودول جوار عربية تتدافع تياراتها لوضع أساس الدولة العصرية حتي جاء نجاح روحاني بعد تحالف القوي الاصلاحية لاختيار مرشح واحد لهم فيما اعتبر فرصة أخيرة وحلا يغلب عليه المنطق الإيراني الذي يعرف دائما مفاجآت اللحظات الأخيرة. فقد كان حسن روحاني هو رجل الدين الوحيد ضمن مجموعة المرشحين ومع هذا فهو من جاء بمفتاح وليس بمنجل ولهذا سهرت إيران كلها تغني في الشوارع بل وتستمع لأغنية أم كلثوم' هذه ليلتي'كما قال الاصلاحي سيد عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة الأسبق. فروحاني رجل قانون ودبلوماسي يؤمن بالحل الهادئ الذي يتلخص في أنه يعرف كيف يتحدث للخارج حيث سبق وعاش مهام دبلوماسية صعبة ككبير المفاوضين فيما يخص البرنامج النووي في المباحثات بين إيران والغرب, ويفهم ما يحدث في الداخل كرجل قريب من دوائر صناعة القرار باعتباره ممثلا للمرشد الاعلي علي خامنئي في المجلس الأعلي للأمن القومي ورئيسا لمركز الأبحاث الاستراتيجية بمجلس تشخيص مصلحة النظام. فلم يتحدث روحاني عن أنه المنقذ الأوحد, كما لن يتجاوز حضوره وفي تقديره الشخصي الا محاولة إصلاح تستطيع أن تبني عليها الامة الإيرانية مستقبلها. فكل ما يعرفه هو سياسة الخطوة خطوة. فالداخل الإيراني لن ينصلح بين يوم وليلة وهناك طريق طويل من الإصلاحات للوصول إلي حد الأمان والتوازن الذي لا يتأثر بفكرة الاستقطاب بين المحافظين والاصلاحيين. أما السياسة الخارجية فستشهد كما صرح د. علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني السابق مرحلة جني الثمار والتعاون بعد أربعة وثلاثين عاما أمضتها إيران الثورة. وهي تصريحات تنتظر تحركات الدولة هذه المرة في اتجاه السعودية التي تنتظر أن تبدي إيران تعاونا حقيقيا لغلق ملف التدخلات الأمنية والصراع السني الشيعي, و في إتجاه الولاياتالمتحدة والغرب الذي قد يري في فكر روحاني السياسي أول رسالة طمأنة حقيقية تصلهم بعلم الوصول, وأيضا في اتجاه تركيا التي شهدت علاقاتهما الكثير من عدم الرغبة في تصحيح الصورة. أما مصر فتلك قصة تحتمل الكثير من السيناريوهات بين تجديد للقطيعة التي حدثت منذ زمن السادات أو عودة علاقات طبيعية ترعاها حكومتان يغلب عليهما إتجاه يتراوح ما بين القومية والإصلاح الليبرالي وتبدو حدود كل منهما مفهومة للآخر.. ففي النهاية تبدو القضايا التي تنتظر مفتاح روحاني كثيرة وليس علينا إلا أن ننتظر لنري.