في مفاجأة من العيار الثقيل حسم الشعب الايراني اختياره وانحاز لحسن روحاني ممثل التيار الاصلاحي موجها رسالة شديدة الوضوح للداخل قبل الخارج, مؤكدا فيها أنه سئم من سياسات التيار المحافظ المتشددة وانه في حاجة لدماء جديدة ولفرصة لالتقاط الانفاس ولتحسين علاقات ايران بالجوار الاقليمي وبالغرب بعد ثماني سنوات من حكم أحمدي نجاد, لم تتراجع خلالها الحريات العامة فقط ولكن تراجعت الي جانبها بل تدهورت الظروف المعيشية للمواطنين بعد تشديد العقوبات علي طهران بسبب ملفها النووي. هذا الاختيار الذي انعكس في نزول آلاف المواطنين للشوارع احتفالا بفوز روحاني ظهر صداه علي الصحف الايرانية التي رحبت بانتخاب روحاني واصفة ما حدث بأنه استعادة للأمل وانتصار للاصلاحيين والمعتدلين الذين وحدوا صفوفهم في مواجهة المحافظين المنقسمين, في اشارة لانسحاب المرشح الاصلاحي محمد رضا عارف في اللحظات الأخيرة والدعم الذي تلقاه من كل من محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني. ووصفه روحاني نفسه بأنه انتصار للاعتدال والحكمة علي التطرف. ولكن هذه الفرحة العارمة التي يعيشها المجتمع الايراني لم تمنع بعض المراقبين من الشعور بقدر من التفاؤل الحذر بفوز روحاني وأسبابهم في ذلك متعددة. أولها أن الرئيس الجديد هو في النهاية جزء من المنظومة السياسية السائدة والدليل المناصب الكثيرة التي تقلدها, فضلا عن أنه ليس اصلاحيا بالمعني المعروف بل غالبا ما يوصف بانه معتدل أو محافظ برجماتي وهو طبقا لبعض التحليلات لم يكن اختيار الاصلاحيين الاول ولا حتي الثاني, ومن وجهة نظر هؤلاء فان خاتمي كان الاختيار الأول للاصلاحيين ولكنه لم يطرح نفسه من الاساس أما الاختيار الثاني فكان رفسنجاني الذي ابعد من السباق, وعندما انسحب محمد رضا عارف لمصلحة روحاني ألقي هؤلاء بثقلهم وراءه وتوصلوا لتوافق حوله علي أمل أن يعطي فوزه دفعة قوية للتيار الاصلاحي تعيده للمشهد السياسي بعد أربع سنوات من الاقصاء والتضييق, تعرض خلالها قادتهم للاقامة الجبرية واعتقل الالاف وأغلقت العديد من الصحف, وبرغم ذلك أتاح لهم الناخبون لحظة تاريخية للعودة برغم ادراكهم ان روحاني يعد رمزا معتدلا أكثر من كونه اصلاحيا حقيقيا مثل مهدي كروبي ومير حسين موسوي. وهو ما سبب صدمة للمتشددين الذين فوجئوا أن الاصلاحيين عادوا للساحة السياسية ومازالوا قوة لا يستهان بها. اما السبب الثاني ولعله الاهم فهو أنه طبقا لنظام الحكم في ايران فان الكلمة الحاسمة في النهاية في جميع القضايا الحيوية التي تتعلق بالسياسة الخارجية والبرنامج النووي الايراني هي للمرشد, ومن هنا فان تعهداته خلال الحملة الانتخابية بالعمل علي اطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتخفيف العقوبات المفروضة علي بلاده بسبب ازمة البرنامج النووي, والتي أدت بدورها لمشكلات اقتصادية طاحنة انعكست آثارها في ارتفاع نسبة البطالة وتراجع قيمة العملة وتزايد معدلات التضخم وكذلك الاشارات المتعددة بالرغبة في التعاون مع الغرب كلها مشروطة بموافقة المرشد صاحب النفوذ الحقيقي هو والحرس الثوري. ومن وجهة نظر هؤلاء فروحاني في النهاية سيرضخ لارادة المرشد, بل أن بعضهم ذهب لابعد من ذلك بالتشكيك في أن يتقبل معسكر المحافظين هذه النتيجة بسهولة, ومن ثم فانهم سيضعون العراقيل واحدا تلو الآخر في طريقه خاصة أن لديهم القدرة علي افساد خططه برغم اعلان الحرس الثوري رغبته في التعاون مع الرئيس الجديد, وفي رأي هؤلاء فان السبب الوحيد لموافقة خامنئي علي هذه النتيجة هو تأكدهم أن رفضها أومحاولة التلاعب بها سيؤدي لمظاهرات واحتجاجات ضخمة لن يستطيعوا السيطرة عليها في ظل الأوضاع السائدة. أما التحدي الأهم والأصعب فهو ثورة التطلعات التي شعر بها المواطنون الايرانيون والشباب منهم تحديدا الذين رأوا أن روحاني يمثل عهدا جديدا لايران وأملا في مستقبل افضل, ويري هؤلاء أن نجاح روحاني كان أقل مطالبهم ولا يمثل سوي البداية فقط, وانه برغم الشعور بالسعادة لهزيمة المتشددين, فان الاهم من وجهة نظرهم هو تطلعهم لمجتمع حر تحصل فيه المرأة علي مزيد من حريتها وكذلك الاقليات وتزال من أمام الشباب العقبات ويتحسن الاقتصاد, وهي مهام من وجهة نظرهم صعبة فالاصلاح مازال حلما بعيد المنال مادام البرلمان والقضاء في يد المحافظين. هذا الشباب الذي شارك في التصويت برغم تشككه في حدوث تغيير وبرغم الجدل الذي ثار بين المعارضة حول المشاركة في الانتخابات أم مقاطعتها, أرسل رسالة واضحة للجميع وفي مقدمتهم المرشد الاعلي مفادها أن ايران تتغير وأن المجتمع سأم الحياة تحت الضغط المستمر وأنه آن الأوان لحسم الملفات المعلقة واهمها علي الاطلاق أزمة الملف النووي التي ربما تكون مفتاح حل الأزمات الأخري مثل الأزمة الاقتصادية والعلاقات مع دول الجوار الخليجية والتدخل الايراني في سوريا, فهل سيستطيع الرئيس الذي سيتولي منصبه رسميا في اغسطس القادم والذي يدين بفوزه للشباب و للمتطلعين لمستقبل افضل اتخاذ خطوات جريئة لتحقيق هذه الأهداف أم أن الواقع سيكون أقوي منه وهل سينجح في استيعاب القوي والتيارات المختلفة في المجتمع لتشكيل حكومة فعالة ذات كفاءة, كما تعهد بعد فوزه, والأهم هل سيتفهم التيار المحافظ ورموزه الرسالة والدعوة للتغيير التي ارسلها الناخبون أم لا وأخيرا هل سيتقبل الغرب وفي مقدمته الولاياتالمتحدة رسالة الاعتدال والرغبة في التغيير من المجتمع الايراني؟ اجابة كل هذه التساؤلات ستكون رهنا بتطورات الأيام القادمة.