هل هي حرب علي الإسلام كما تصورها التيارات الإسلامية, وهل يحتاج الشعب المصري المتدين بفطرته عبر تاريخه المديد لمن يؤكد له هويته الإسلامية. وإذا كانت مصر هي مهد الأنبياء ومهبط الرسالات, وفيها بعث نبي الله يوسف ونبي الله موسي, وزارها الخليل إبراهيم ونبي الله يعقوب وبنوه والمسيح عيسي ابن مريم وأمه عليهم الصلاة والسلام, وأوصي بها وبأهلها خاتم الأنبياء محمد, صلي الله عليه وسلم, فلماذا يخرج علينا من يحول الصراع والخلافات السياسية إلي حرب دينية علي هوية مصر الإسلامية؟! يؤكد الدكتور شوقي علام, مفتي الجمهورية, إن مصر بلد متدين, وجموع المصريين قد اختاروا أن يكون الدين له دور في الشأن العام, وذلك لا ينبغي أن يكون مصدر قلق أو تخوف بالنسبة للمصريين أو العالم الخارجي, وذلك لارتباط تراث مصر الديني تاريخيا بالمنظور الإسلامي المبني علي التسامح واحترام التعددية الدينية. موضحا أن إسلامية الدولة هي قضية هوية, ولا تقلل أبدا من طبيعة الدولة الحديثة التي تكفل حقوق مواطنيها أمام القانون بغض النظر عن دينهم أو عقيدتهم. وأضاف المفتي قائلا: بما أن هوية مصر إسلامية فإن ذلك لن يضير الأقباط في شيء, حيث أوضح فضيلة المفتي ذلك قائلا: إن حقوق الأقباط في مصر محفوظة ومصونة, ويجب أن تظل كذلك, ولهم الحق الكامل في المشاركة علي جميع مستوياتها, وينبغي علي الجميع احترام التنوع والتعددية التي أصبحت من خصائص مصر في عهدها الجديد, وشدد علام علي أن مصر دولة محورية في المنطقة وفي العالم أجمع, وذلك لما تمثله من قيمة حضارية إنسانية كبري, موضحا أن مصر تمر بمرحلة فارقة من تاريخها الوطني تحتاج منا جميعا أن نتوحد وأن نقف مع أنفسنا وقفة هادئة نراجع فيها أنفسنا حتي تكون انطلاقتنا علي أسس صحيحة وسليمة, وسنعبر تحديات المرحلة بالأمل والعمل وعدم الإقصاء وتفعيل القانون علي الجميع. وأوضح الدكتور شوقي علام أن مصر لها تجربة فريدة, استطاعت من خلالها الوصول إلي نموذج عملي للدولة الحديثة التي لها مرجعية إسلامية, داعيا العالم الغربي إلي دراسة هذه التجربة الفريدة وذلك للوصول إلي فهم عميق للبنية الثقافية والدينية والحضارية للشعب المصري. من جانبه أكد الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية أن الأزمة الحالية في مصر أزمة سياسية وليست معركة ضد الإسلام, وتحتاج إلي جهود شاملة للمصالحة والتفاهم, يقوم فيها كل فرد وكل طرف بالواجب المنوط به للعبور بمصر إلي بر الأمان. مشيرا إلي أن ذلك يسئ إلي الإسلام, موضحا أن ما يحدث بين المسلمين في مصر الآن هو احتراب واقتتال سياسي, ولا يمت بأي صلة إلي الجهاد المعروف في الإسلام ولابد من بذل كل الجهود لوقف إراقة الدماء بشكل فوري لأنه يمس سمعة مصر التي أصبحت علي المحك. وأن الإسلام يحرم إراقة دماء أي إنسان تحريما قاطعا كما يحرم العنف بكافة صوره وأشكاله, مشيرا إلي أن حرمة هذا الدم تعظم عندما يراق دم المسلمين بأنفسهم, ونوه إلي أن القرآن والسنة النبوية أكدا ذلك بشدة في أكثر من موضع. وشدد علي ضرورة أن يعي المتظاهرون جميعا في مصر أن الدماء حرام علي المصريين جميعا, كما نوه بأن الحل في مصر اليوم يتطلب الكثير من المبادرات السلمية الجديدة من الشارع التي تركز علي لم الشمل والتوحد دون الاعتماد فقط علي الحل الأمني, وأكد الدكتور نجم ضرورة استقاء المعلومات فيما يتعلق بالدين الإسلامي من أهل العلم الراسخين وهم علماء الأزهر الشريف, وأوضح أن الأزهر يقوم بدور وطني واجتمعت حوله جميع الطوائف المصرية وقد نهض في الفترة الأخيرة برسالته والعالم ينتظر منه المزيد في المرحلة المقبلة لإيضاح الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل. وأكد مستشار فضيلة مفتي الجمهورية أهمية الرسالة الوسطية التي يحملها الأزهر, مشيرا إلي أن تاريخ الأزهر يشهد له بأنه يقوم بدور وطني ويمثل ضمير الأمة وأن دور العلماء في الأزهر علي مر التاريخ لم يقتصر علي دروس العلم فقط وإنما كان علماء الأزهر ومازالوا ملاذ مصر والعرب والمسلمين جميعا.. وكانوا دائما في المقدمة يرشدون الناس إلي ما فيه الخير للبلاد والعباد. وأشارة إلي المصريين يدركون طبيعة الدور التاريخي للأزهر وما قام به في الفترة الماضية من مبادرات للم الشمل والتوحد ونبذ الشقاق, مشددا علي أن هذا الدور سيعظم في الفترة المقبلة علي ضوء الأحداث المتوالية في مصر ويقول الدكتور محمد السيد الجليند أستاذ الفلسفة والعقيدة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة الشعب المصري متدين بفطرته, فالمسلم والنصراني في مصر لا مدخل لإصلاحهما إلا من باب الدين والتدين, ولكن هذا السلوك الحضاري أثار حفيظة العلمانيين في مصر, فقالوا نريد مصر دولة ليبرالية, نريدها دولة مدنية, وأشار الدكتور الجليند إلي أن تأسيس الهوية الإسلامية للدولة بمدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم, يؤكد أن دولة الإسلام مدنية وليست دينية, حيث استغرق بناء الشخصية المسلمة في مكة ثلاثة عشر عاما, واطمأن الرسول الكريم إلي أن العقيدة التوحيدية قد ملأت قلوب الصحابة, وتمكنت من قيادة الحركة اليومية للصحابة, فلا يتحركون إلا تلبية لأمر عقائدي, ولا يغضبون إلا إذا انتهكت محارم هذه العقيدة, وأصبح كل واحد منهم مؤهلا وصالحا لأن تكون لبنة في بناء الأمة وعضوا فاعلا في تشييد مجتمع جديد يحمل عبء التأسيس لدولة جديدة تطالع العالم كله بمبادئ وقوانين لم يكن للعالم عهد بها من قبل. وتقول المفكرة الألمانية الدكتورة كريستيانا باولوس أستاذة اللاهوت البروتستانتي في ألمانيا ورئيسة لجنة الحوار سابقا وأستاذة الدراسات الإسلامية باللغة الألمانية بجامعة الأزهر, أن ظاهرة العلمانية, نشأتها في بلاد الغرب وكانت حاجة لمجتمع بعينه هو المجتمع الغربي الذي انعزل فيه رجال الكنيسة عن الواقع المعيش, مرتكزين في ذلك لما نسبوه للمسيح عليه السلام: ز س: ز من هذا العالم, فسيطرت عليهم هذه النظرة إلي العالم الدنيوي بأنه عالم سيئ, وأنهم ينتظرون مجيء القيامة وعودة المسيح المنتظر الذي سيخلصهم من هذا العالم, وجعلوا العلم مقصورا عليهم, وكذلك الدين فما يقولونه مفروض علي المجتمع وما سواه خطأ مرفوض, ولا مجال للحرية أو الرأي, ومن سولت له نفسه باستثناء رجال الدين- التحدث في الدين أو الجهر بنظرية علمية فليس أمامه إلا الموت أو الفرار, ونصبت المحاكم هناك وأقيمت المشانق وتم الحجر علي كل رأي وفكر. وذكرت د.كريستيانا أن العلمانية نشأت في الغرب بسبب أزمة الكنيسة الكاثوليكية خلال القرون الوسطي, حيث حبس العلم والمعرفة في بداية الأمر داخل الأديرة, وشنع رجال الدين علي بعض العلماء والراغبين في إصلاح الكنيسة بوصفهم زنادقة, ليتم من ثم قتلهم بمقتضي ذلك, وفي المقابل كان هناك تقدم الإسلام الذي لا توجد بينه وبين الدنيا فجوة, ومن هنا نشبت حروب دينية في القرن السابع عشر استعر أوارها بين المذاهب المسيحية وانتهت بألا يخلط الدين بالسياسة. وأوضحت كريستيانا أن العلمانية كانت ضرورة للغرب المسيحي وخيرا له, حيث كان رجال الدين يستغلون الشعب ويسيطرون عليه مع الملوك والإقطاعيين, بينما كان الشعب منشغلا بالسحر عن نور العلم محروما من أي ثقافة أو تعليم.أما في مصر, فلا يوجد أصلا في المجتمع الإسلامي طبقة كهنوت, وهذا الأمر غير وارد عندنا في الإسلام الذي يملك التشريع, ويفصل بين السلطات ليتيح الرقابة علي السلطة في سبيل العدالة الاجتماعية بل ويطالب بها, ولقد كان أول أمر من الله لرسوله هو: اقرأ باسم ربك الذي خلق. ومن هنا فسواء كانت العلمانية نسبة إلي العالم أو العلم أو العمران أو المدنية, فالإسلام هو دين العلم والمدنية, جعل العلم قسمة بين الجميع ممن كانوا له كفئا حتي ولو كانوا من العبيد والموالي, وهو دين واقعي يراعي كل شئون الحياة ولا يترك شاردة ولا واردة إلا تحدث عنها مصداقا لقوله تعالي: ما فرطنا في الكتاب من شيء, ورسول الله صلي الله عليه وسلم أرسي للمسلمين منهج حياة شاملا, جمع فيه بين الدنيا والآخرة حتي أنه علمهم كيفية الأكل والشرب وقضاء الحاجة ومعاملة النساء والأولاد.