يقوم منهج الإسلام علي سماع فكر الغير وقبوله, باعتباره أساسا من الأسس التي يقوم عليها الدين الإسلامي, ويقصد بفكر الغير الذي يشرع للمسلم أن يقبله, كل فكر لا يصادم نصوص الشرع أو قواعده, وكان من شأن الأخذ به تحقيق مصلحة معتبرة شرعا, ويستوي فيمن يقبل فكره هذا أن يكون مسلما أو غير مسلم, ذميا كان أو غيره, ولعل من مظاهر المنهج الإسلامي لقبول فكر الغير, قول الله تعالي: وأمرهم شوري بينهم, وقوله سبحانه: وشاورهم في الأمر. حيث بينت الآيتان أن أمر المسلمين ينبغي أن يكون شوري بينهم, ووجوب مشاورة النبي أصحابه في الأمور التي تهم عامة المسلمين, ومن شأن الشوري أن يسمع المسلمون ما يعرضه بعضهم من فكر علي سائرهم, مما يحتمل وجوها من النظر, فيكون من بعضهم اقتناع به, ويكون من البعض الآخر تحفظ عليه أو علي بعض جوانبه, ولهذا المنهج الذي أمر الله تعالي به, أثر في الوقوف علي فكر الغير وقبوله, إن وافق قناعة ممن يعرض عليهم, فمنهج الشوري في الإسلام يحبذ أن يكون بين المسلمين تبادل في الأفكار والرؤي, وهو منهج مأمور به شرعا كما أفادت الآيتان, وقد قبل رسول الله ما أشار به عليه سلمان الفارسي, من حفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب, وقبل ما أشار به عليه الحباب بن المنذر بموقع جيش المسلمين في بدر. كما طلب رسول الله المشورة من أصحابه لقتال المشركين في بدر, وطلبه منهم المشورة في الأساري في هذه الغزوة, وقبل فكرة أبو نعيم الغطفاني في التدخل لإفشال خطط الأحزاب في غزوة الخندق, وقد انتهج خلفاؤه من بعده هذا النهج, حيث تشاور أبو بكر مع عمر في قتال مانعي الزكاة, وجمع القرآن الكريم, وغير ذلك, وروي عمر أن النبي قال لنا لما رجع من الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة, فأدرك بعضهم العصر في الطريق, فقال بعضهم: لا نصلي حتي نأتيها, وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك, فذكر للنبي فلم يعنف واحدا منهم, حيث أفادت هذه الأخبار أن أبا بكر أقنع عمر بقتال مانعي الزكاة مع أن عمر كان يعارضه, وأقنع عمر أبا بكر بجمع القرآن, مع أنه لم يكن يراه في بادئ الأمر, وتقبل كل منهما فكرة غيره دون أن يرميه بالمخالفة, أو فعل ما يعد بدعة, ومثل هذا فعله أصحاب رسول الله حينما اختلفوا في فهم خطابه حين أمرهم بعدم صلاة العصر إلا في بني قريظة, فمنهم من حمله علي ظاهره, فلم يصلوها إلا في بني قريظة بعد أن فات وقتها, ومنهم من أعمل فحوي الخطاب, وأن رسول الله قصد به الإسراع في الذهاب إليها استجابة لأمر ربه, فصلوا في الطريق إلي بني قريظة, ومع أن الذين امتنعوا من الصلاة إلا في بني قريظة خالفوا أمر الله تعالي ورسوله بأن تؤدي الصلاة في وقتها المحدد لها شرعا, وأن الذين أدوها في الطريق لم يلتزموا أمر رسول الله لهم في عدم أدائها إلا في بني قريظة, وهو أمر تجب طاعته فيه, إلا أن كلا الفريقين لم يرم الآخر بالمخالفة, مع وجود المقتضي له, إيمانا من الفريقين بحرية الرأي.