وليد جعفر من مبادئ الإسلام السامقة, قبول الآخر مسلما كان أو غيره, وإفساح المجال له للتعبير عن رأيه, وقبول اختلافه في الرأي مع غيره, ويقول الدكتور عبد الفتاح ادريس استاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة ان المستعرض لنصوص الشرع يقف علي ذلك تشريعا, والمستعرض للسير يدرك ذلك تطبيقا, قال الله تعالي: وأمرهم شوري بينهم, والأمر الذي يبدي الناس آراءهم فيه لا يجمعون علي إنفاذه أو رده من أول الأمر وإنما يحتمل وجوها من النظر بينهم, ومن المتصور أن يؤيد البعض إنفاذه, ويميل البعض الآخر إلي خلاف ذلك, ومع هذا فقد أمر الله تعالي بأن تعرض في كل أمر ذي بال وجهات النظر المختلفة, وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعرض الأمر علي جموع أصحابه, فيكون منهم المؤيد له, ومنهم المعارض, ومع هذا فلم يؤثر عن أحد منهم أنه رد اختلاف الآخر معه, أو انتقده, أو دعا إلي نبذه: اختلف أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في فهم قوله صلي الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة, فلما أدركهم وقت العصر في الطريق إليها, قال بعضهم إنما أراد الإسراع في الذهاب إليها, فصلوا في الطريق, وحمله البعض الآخر علي ظاهره, فلم يصلوا العصر إلا في بني قريظة إلا أنهم صلوها قضاء, ومع هذا فلم يفسق فريق منهم الفريق المخالف له, ولم يرمه بالكفر أو المخالفة للشرع, مع أن الذين صلوا في الطريق يصدق عليهم أنهم عصوا أمر النبي صلي الله عليه وسلم, وأن الذين صلوا في بني فريظة لم يؤدوا الصلاة في وقتها, وهم مأمورون بذلك, وقد أقر رسول الله صلي الله عليه وسلم الفريقين علي فهمهم لأمره, كما اختلف أبوبكر وعمر علي مبدأ جمع القرآن, ورآه أبو بكر بدعة, لأنه لم يفعله رسول الله صلي الله عليه وسلم, إلا أنه لم يرم عمر بالابتداع, وإنما قبل اختلافه معه, واقتنع آخر الأمر بوجهة نظره, ومثل هذا حدث بينهما في قتال مانعي الزكاة, وكل هذا ينبئ عن منهج الإسلام في قبول اختلاف الآخر, وعدم رفضه.