البعض ينظر إليهم نظرة شفقة ويعطف علي حالهم البائس ومظهرهم الرث ويعطيهم مما أعطاه الله, والبعض الآخر يكتفي بمصمصة الشفاة. أما الغالبية العظمي فتنتابها حالة غضب وهي تراهم يمدون أيديهم سائلين قائدي السيارات الفارهة, بل وينهرونهم.. ولهؤلاء أقول: قبل أن تنظروا إليهم هكذا هل فكرتم في الدخول في أعماقهم للنظر إلي الظروف الصعبة البائسة التي يعيشونها وتعرضهم لذل السؤال, وهل يقبل أحد علي نفسه هذه المهانة لو لم يكن في حاجة شديدة لذلك.. إنهم عمال النظافة الذين نراهم أعلي الكباري يعملون تحت لهيب الشمس الحارقة أوبرودة الشتاء القارصة.. تارة يكنسوا وتارة أخري يمدونأيديهم, قررنا أن نقترب منهم لنوصل صوتهم للناس.. عم رجب والذين يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشرين عاما يقول راتبي يصل إلي650 جنيها, ولدي خمسة أبناء ووالدتي نعيش في شقة بالمساكن الشعبية مكونة من غرفتين وصالة, أعمل منذ الصباح الباكر وحتي الثالثة بعد الظهر, وأعود لأبنائي بالقليل لأسد جوعهم فقط, فهذا أقصي الأماني ويتذكر عم رجب مأساة إبنته الصغري وآخر العنقود عندما إضطر ليخرجها من المدرسة بعد أن وصلت للصف السادس الابتدائي ونجحت بتفوق, ولكن ما باليد حيلة أدماه قلبه وهي تبكي بطفولتها البريئة راجية من والدها أن يتركها تستكمل مشوارها, فهي تتمني أن تكون طبيبة, وتؤكد لوالدها انها ستنام بدون عشاء يوميا ويتذكر معلمتها وهي ترجوه فإبنته سيكون لها شأن عظيم ذات يوم وتنشله من الفقر الذي يغوص فيه, ولكنه كيف سينفق عليها طوال هذه السنوات.. عم حسين يعمل في هذه المهنة منذ سنوات عديدة لايعرف عددها, وكانت مأساته أكبر بكثير. فعندما مرض إبنه الوحيد علي ثلاث فتيات لم يستطع إسعافه لأن العلاج كان يحتاج لأموال لا يقدر هو عليها, فراتبه الذي لايتعدي مئات الجنيهات لم يكف علاج ولده الوحيد الذي لاقي ربه وهو في عمر الزهور متأثرا بمرضه. أما عم محمد الذي لايتذكر عمره تحديدا وعلي حد قوله سنوات الشقاء لاتعد ولا تحصي, المهم أنها تمر بسلام, فاليوم الذي يذهب وبطون أولاده ممتلئة يحمد الله عليه عم محمد الذي رأي ابنته الكبري تترعرع أمامه, وكأي أب تمني أن يراها في بيت عدلها مستورة, فهذا قمة الأماني بالنسبة له, إضطر لمد يده عندما تقدم عريس لخطبتها, صحيح هو في نفس ظروفها البائسة ولكن الأب يريد إن يستر إبنته أمام أهل زوجها مهما كلفه الأمر وتحمل علي شيبته أن يعطيه أحدا وينهره الآخر. حملنا هموم هؤلاء إلي المسئولين لنعرف تحديدا لماذا لا تتحسن ظروف هؤلاء علي الرغم من المهمة العظيمة التي يقومون بها والشاقة في نفس الوقت. مختار أبوالفتوح مدير عام العلاقات العامة بهيئة النظافة يقول إن رواتب هؤلاء تتراوح من 600إلي 800 والبعض قد يصل إلي ألف جنيه, أما ساعات العمل فهي تمتد من السابعة صباحا وحتي الثانية, وعن أحوالهم ولماذا يمدون أيديهم يقول لقد تحسنت ظروفهم كثيرا عن ذي قبل, ولكن ظروف الحياة والغلاء أصعب بكثير, ولكن مد الأيدي ليس من قبل عمال نظافة الهيئة, ولكن هؤلاء متسولين محترفين هذه مهنتهم يرتدون ملابس عمال النظافة وبأيديهم المكنسة ويتسولون, وهؤلاء يظهرون بعد مواعيد عمل رجالنا أي بعد الثانية ظهرا حتي أصبحت هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير أعلي الكباري وفي الاشارات المرورية.. علي الرغم أن من ألتقيت بهم ورأيتهم يتسولون ويعملون في آن واحد كان في الصباح الباكر أي نفس مواعيد عمل عمال هيئة النظافة!!