الشعب المصري من أعظم شعوب الأرض.. لا يرضي بالظلم وينفجر غضبا إذا استشعر أن هناك من يتعمد إهانته, أو النيل من حقوقه, أو تجاهل مطالبه المشروعة, وعلي مدي أقل من100 عام وبالتحديد94 عاما قام باربع ثورات رفضا للظلم وطلبا للحياة الكريمة, غير أنه للأسف الشديد كان طموح الشعب يصطدم بحكامه وشلة المستفيدين من حولهم الذين يقومون بتحويل تلك الثورات العظيمة إلي مشاريع وأهداف ومكاسب شخصية فتنحرف الثورة عن أهدافها الحقيقية, ويستشعر الحكام واهمين أنهم استطاعوا تطويع الشعب وتضليله وإسكاته إلي غير رجعة, ثم تكون المفاجأة الصادمة لهم هي ثورة الشعب من جديد في إطار تعميمه علي انتزاع حقوقه ومكاسبه رغم أي شيء وكل شيء. ثارالشعب المصري عام1919 في أعظم ثورة شعبية جسدت تلاحمه الشعب بمسلميه وأقباطه في مواجهة المحتل الانجليزي والحكم الملكي الفاسد, واستطاع الشعب بقيادة زعيم الامة سعد زغلول إجبار سلطة الاحتلال علي الاعتراف بحق الشعب في حكم نفسه وإقامة حياة ديمقراطية فكان دستور1923, إلا أن الثورة اصطدمت بتعنت القصر الملكي وتعاونه مع سلطات الاحتلال لتعطيل باقي مطالب الشعب, فكانت ثورة1952 التي قادها الرئيس جمال عبدالناصر واحتفلنا بذكراها ال61 يوم الثلاثاء الماضي, ونجحت الثورة في إنهاء الاحتلال الإنجليزي وإنهاء عصر الاقطاع غير أن خطيئة ثورة يوليو أنها عطلت المسار الديمقراطي, وبدلا من ان تستكمل الثورة مسيرة الديمقراطية ألغت الأحزاب ولجأت إلي الإقصاء وضربت هدفها السادس في مقتل وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة, ولو أراد عبدالناصر وهو الزعيم المحبوب أن يحققه لفعل كما فعل رفيقه نهرو في الهند, وجاء من بعده السادات ثم مبارك ولم يحققا المشروع الديمقراطي وظلت عقدة عبدالناصر تطاردهما حتي انتهت باغتيال السادات, والثورة علي مبارك وإجباره علي التنحي. قامت الثورة الثالثة في يناير2011 بعد أن تحول مبارك إلي فرعون جديد يريد توريث ملكه لنجله جمال, وظن أنه قادر علي تنفيذ مخططه, وكانت قمة المأساة انتخابات مجلس الشعب2010 الأسوأ في تاريخ الانتخابات البرلمانية التي عرفتها مصر علي الاطلاق لتنتهي الأحداث بثورة يناير التي وحدت المصريين من جديد غير أن توزيع الغنائم زرع الحقد والكراهية في النفوس بسبب محاولة الإخوان التكويش علي كل شيء في وقت كان الوطن يحتاج فيه إلي التكاتف والوحدة والتئام الصفوف بعيدا عن الإقصاء والتخوين, فكانت النهاية الدرامية السريعة التي فاقت خيال كل المبدعين لتشتعل الثورة الرابعة في30 يونيو الماضي بعد ان بلغ التشرذم والانقسام مداه وباتت البلاد مهددة بحرب اهلية في أية لحظة نتيجة هذا التشرذم والانقسام. تدخل الجيش وإنحاز إلي الشعب في ثورته الرابعة والتي نتمني أن تكون آخر الثورات ولن يحدث ذلك إلا إذا استوعبنا دروس الثورات السابقة ومالها وماعليها وإنجازاتها وأخطاءها, ولكي يحدث ذلك اقترح الروشتة التالية: اولا: السير قدما في جهود المصالحة الوطنية الشاملة التي بدأت يوم الأربعاء الماضي بمقر رئاسة الجمهورية بعيدا عن المزايدين واصحاب الصوت العالي من هنا أو هناك, فلا ديمقراطية دون تعميق لثقافة الاختلاف والتعايش مع الآخر بعيدا عن الاقصاء والتهميش لأي طرف. ثانيا: رفض العنف والإرهاب والالتزام بالمعايير القانونية في التظاهر والاعتصامات بعيدا عن قطع الطرق وتعطيل مصالح البلاد وأن تقبل جماعة الإخوان ومناصروها بذلك المبدأ مثل غيرها من الجماعات والأحزاب مع تفويض القوات المسلحة والشرطة في استئصال كل اعمال العنف والإرهاب والبلطجة وهو ماحدث يوم الجمعة الماضي. ثالثا: تأكيد حرمة الدم المصري من المدنيين والشرطة والجيش مع عدم سقوط تهمة القتل بالتقادم وإجراء تعديل تشريعي إذا لزم الأمر لذلك. رابعا: الإسراع في تنفيذ خريطة الطريق التي أعلنها الفريق أول عبدالفتاح السيسي بأقصي سرعة ممكنة وفي مده لا تزيد علي6 أشهر بعيدا عن المراوغة والتسويف لاستكمال مؤسسات الدولة الديمقراطية من دستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية. خامسا: الامتناع في تلك الفترة عن اتخاذ أية إجراءت استثنائية أو إصدار تشريعات إلا في أضيق نطاق وللضرورة القصوي والملحة. سادسا: أن يتوقف الانتهازيون من النخب السياسية والاعلامية قليلا ويتركوا الحكومة الانتقالية تعمل بعيدا عن الرغبة في إحلال شلة منتفعين جدد محل جماعة الاخوان, فالوطن للجميع وليس إرثا لأحد. أخيرا فإن الكرة الآن في ملعب الحكومة الانتقالية والقوات المسلحة بصفتها الضامن لخريطة الطريق لنجتاز تلك المرحلة الدقيقة من عمر الوطن. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة