لم يكن25 يناير2011, ثورة. كان ومازال- بركان غضب قد جاوز التوقعات, بدأت أسبابه بقوة في عهد أنور السادات وتراكمت طوال عهد حسني مبارك, علي الأخص في السنين العشر الأخيرة, ثم انفجر علي غير انتظار, بلا قيادة, أو هدف معلوم. وقد حاول المجلس العسكري السابق إعاقة مجراه, لكن أمواجه العاتية نجحت في تجاوز الصخور. ثم فشل الحكم الإخواني بقيادة مرسي, في شق قنوات لتصريف مياهها, وفي بناء جسور تعين الراغبين في عبورها. لذلك جاء انفجار الثلاثين من يونيو مدويا مبهرا, لكنه يظل موجة غضب جديدة, إذا لم نحسن التعامل معها, فعلينا انتظار موجات أخري قادمة. وقد التحمت جميع فعاليات شباب يناير متمثلة في حركة تمرد, مع فعاليات المعارضة التقليدية المتواصلة منذ أواخر عهد السادات, حتي نهاية عهد مرسي, ومعهم جهاز الشرطة الجديد, وفي قلب الجميع قواتنا المسلحة العائدة بقوة إلي أحضان شعبها, الذي وأد من خلال شبابه وشيوخه, سحابة الصيف التي غطت سماء علاقته الحميمة بها نتيجة أسباب لامجال لها هنا. ولن يتحقق المكسب الحقيقي لهذه الشراكة إلا أن تتحول إلي تحالف مدني جديد عسكري بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي. تحالف يتولي قيادة البلاد إلي التغيير المنشود, وتأمين حلقاته المتتابعة علي مدي زمني طويل نسبيا وصولا للدولة المدنية المعاصرة التي نتمناها,ونتواصل به مع تاريخ العلاقة الحميمة بين الشعب وقواته المسلحة, علي نحو ماجري في فترات عديدة من تاريخنا الحديث بدءا بثورة عمر مكرم التي تحالفت مع الجيش( المصري بمعايير زمانه) بقيادة محمد علي, وهو التحالف الذي ضربه التدخل الأوروبي وأنهاه لتدخل مصر في مرحلة من الضعف السياسي الشديد, إلي أن أعادته ثورة عرابي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر, وانتهي علي أيدي قوات الاحتلال الإنجليزي لتصبح مصر مجرد مستعمرة بريطانية لاتملك جيشا وطنيا يستحق هذا الوصف. وجاءت ثورة يوليو1952 بقيادة جمال عبد الناصر تتويجا لجهاد الحركة الوطنية المصرية لبناء الجيش الوطني المصري. البداية القوية للتحالف الجديد, ونجاحه المذهل في إنجاز أول مهامه بعزل الرئيس مرسي يوجب علي أطرافه بقيادة الفريق السيسي ضرورة تطويره وتعميقه لإنجاز مهام متعددة ومعقدة لاسبيل للتغيير السياسي المنشود دون إنجازها. أما المهام المطلوب إنجازها فتحتاج لمقالات مفصلة تالية, لذا نكتفي الآن ببيان استحقاقات نعتقد بوجوب التزامها لتأكيد استمرار التحالف الناشئ, واستعصائه علي محاولات الضرب والوقيعة. فيجب تقدير مشاعر وتوجهات جماهير الثلاثين من يونيو التي تتخاطف صور الفريق السيسي في طول البلاد وعرضها مقرونة بصور عبد الناصر تأكيدا للاستمرار التاريخي. الجماهير التي أفشل خروجها الهادر محاولات تشويه اليوم المشهود, وإدراجه في سياق الانقلابات العسكرية. وقد فتحت خبرة العامين السابقين اعيننا علي حجم المخاطر التي ترتبت علي هتاف يسقط حكم العسكر, فوجب التنبيه علي عدم الوقوع في أوهام أخري تنتظر الانطلاق لإفساد المرحلة الجديدة, وضرب التحالف العسكري المدني الناتج عن يوم الثلاثين من يونيو المشهود. ومن ذلك التغافل عن حقيقة أن التعريف الصحيح ل الرئيس المدني المنتخب هو ذلك المرشح الذي يفوز في انتخابات تعددية نزيهة تتوافر لنتائجها المعلنة كل ضمانات الثقة. ولايهم العمل السابق لهذا المرشح الفائز فلا مانع أن يكون قادما مباشرة, ودون ادني فاررق زمني من موقعه العسكري القيادي علي نحو ما حدث في حالتي الجنرال ديجول في فرنسا, والجنرال أيزنهاور في أمريكا اللذين انتقلا إلي رئاسة الدولة في الحالتين وليس لهما إلا رصيدهما العسكري. والانتخابات التعددية تعني فورا حق أطراف التحالف الجديد في طرح مرشحيها- أو مرشحها- في الانتخابات الرئاسية, فالتحالف الجديد تعددي النشأة والاستمرار, وبدون هذه الصفة التعددية فلن ينجح في إنجاز مهامه المنتظرة. كما ينبغي أن يدرك الجميع أن الإخوان والإسلاميين عموما هم جزء أصيل من أبناء هذا الشعب ونخبته, وأن تتوقف أي إجراءات قمع في مواجهتهم, وأن نتداعي إلي المحاكم وجهات التحقيق للمشاركة في الدفاع القانوني عنهم. لقد كان جمال عبد الناصر-وهو أعظم من خاصموه وتآمروا عليه- يقوللسنا في خصومة مع الإخوان, ولانستهدف تصفيتهم كأشخاص. مشكلتنا معهم تتلخص في أنهم يريدون ان يستغلوا الدين الذي نشترك فيه جميعا للقفز علي الحكم واغتصاب السلطة. مهمتنا ان نمد يد العون للإسلاميين جميعا لتطوير وتحديث خطابهم ومفاهيمهم, حتي لاتأتي الطعنة القادمة للتحالف الجديد من قبلهم, علي الأخص ان حاجة الغرب الاستعماري لمساندتهم لن تنتهي سواء في تفجير حرب سنية شيعية, أو في الصراع مع الدول البوذية الكافرة في جنوب شرق آسيا مثل الهند والصين, اللتين تضطهدان المسلمين المقيمين علي أرضهما علي نحو الحجج التي لقنها الغرب للالإسلاميينفي جميع الاستخدامات السابقة لهم بدءا من تحطيم الخلافة العثمانية حتي تدمير الاتحاد السوفيتي السابق ويبقي علي أطراف التحالف الجديد ضرورة التحلي بالصبر والحكمة, سواء في خلافتهم الداخلية أو في إدارة الصراع مع الأطراف الأخري في الخارج والداخل. لمزيد من مقالات أحمد عبد الحفيظ