أعتز دائما بأن والدي أحد شهداء حرب أكتوبر الأبطال, ومع اقتراب ذكري هذه المعركة تغمرني الذكريات, ويشدني الحنين لهذه الأيام, حيث كنت في مرحلة الصبا, وأتذكر ما كان يقوله أبي عن مشاعره علي جبهة القتال, وما يلاقيه مع مقاتلي مصر الشرفاء من استفزازات متواصلة من العدو الإسرائيلي, الذي كان علي بعد عدة أمتار هي عرض قناة السويس, وكيف أن العدو اعتاد شن حرب نفسية بغيضة كي يحطم معنويات رجالنا وقدراتهم علي استعادة الأرض المغتصبة, كان أبي يغلي من الغضب وهو يصور لنا أحاسيسه مع الجنود علي الجبهة وإصرارهم علي تلقين الإسرائيليين درسا لن ينسوه في صلابة القتال والمواجهة العسكرية, ليعرفوا قدرهم الحقيقي. وفي مثل هذه الأيام عام1973 كان أبي يقضي إجازة معنا لمدة أسبوعين, وفي العاشر من رمضان انطلقت الشرارة الأولي للمعركة, فهب أبي واقفا وقال مبتهجا: لقد جاء اليوم الذي كنت أنتظره وأحلم به وارتدي زيه العسكري في شموخ, ترك سعيدا دفء أسرته الصغيرة, وانطلق إلي أحضان أمه الكبري مصر مدافعا عنها وعن كرامتها. وخلال مشاركته في القتال أصيب أبي واختلط دمه برمال سيناء الطاهرة, وكتب الله له الشهادة, وهذه الأيام ونحن في أجواء رمضان وجدت روحه العزيزة تحوم حولي, وكأن طيفه يعود حاملا لي رسالة مفادها أن سيناء التي حررها أبطال مصر في حرب أكتوبر, وطردوا منها الغزاة الإسرائيليين, تتعرض حاليا لاحتلال الجماعات الإرهابية, والهلاك الحق يكمن في التهاون معهم والتغافل عنهم, لأنهم ليسوا أقل خطرا من الإسرائيليين, خاصة في ظل تزايد ارتكابهم العمليات الإرهابية البشعة ضد الأبرياء, مما يستلزم تصعيد المواجهة لسحقهم ببسالة وقوة حتي النصر. تلك كانت الرسالة, فهل نحن فاعلون؟ حتي يتوقف نزيف الدم المصري الذي يهدر يوميا علي يد الإرهاب, والأمل كل الأمل الآن معقود علي قواتنا المسلحة الجسورة, التي بدأت تنفيذ تعزيزات عسكرية بسيناء لتصفية كل البؤر الإجرامية, لنستريح من جحيم الإرهاب الجاثم فوق صدورنا, وتستريح أرواح كل شهداء مصر الأبرار, بعودة سيناء الغالية سالمة إلي حضن الوطن. لمزيد من مقالات د. عبدالغفار رشدى