سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الاحد 16 يونيو 2024    الرئيس السيسي يشيد بالسعودية في تنظيم مناسك الحج.. ويشكر قيادات المملكة    رئيس فنلندا: الصين تلعب الدور الرئيسي الآن في تحقيق السلام بأوكرانيا    من عائلة واحدة.. استشهاد 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على رفح الفلسطينية    موعد مباراة المقاولون العرب وطلائع الجيش في الدوري المصري والقنوات الناقلة    بيان مهم من القنصلية المصرية في جدة بشأن فقدان الاتصال بالحجاج.. ماذا قالت؟    «السواق كان لوحده».. كواليس انقلاب ميكروباص في ترعة المريوطية    طقس أول أيام العيد.. أمطار وعواصف تضرب الوادي الجديد    قبل ساعات من الصلاة.. اعرف تكبيرات عيد الأضحى بالصياغة الصحيحة    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    موعد صلاة عيد الأضحى المبارك في القاهرة والمحافظات    الأزهر يوضح سنن و آداب صلاة عيد الأضحى    «الموجة الحارة».. شوارع خالية من المارة وهروب جماعى ل«الشواطئ»    محمد رشاد وسلمى عادل يطرحان أغنية "عالى عالى"    رغم القصف المستمر.. أهالي غزة يكبرون في ليلة عيد الأضحى المبارك.. والأطفال يحتفلون في باحة مستشفى شهداء الأقصى    إقبال متوسط على أسواق الأضاحي بأسيوط    مدرب هولندا السابق: أثق في إمكانية التتويج ب "يورو 2024".. وصلاح لاعب من الطراز الرفيع    أثناء الدعاء.. وفاة سيدة من محافظة كفر الشيخ على صعيد جبل عرفات    إصابة 3 أشخاص بينهما سيدة عربية في تصادم سيارتين ملاكي وسيارة ربع نقل بالعبور| صور    طريقة الاستعلام عن فاتورة التليفون الأرضي    «التعليم العالى»: تعزيز التعاون الأكاديمى والتكنولوجى مع الإمارات    قبل صلاة عيد الأضحى، انتشار ألعاب الأطفال والوجوه والطرابيش بشوارع المنصورة (صور)    تأسيس الشركات وصناديق استثمار خيرية.. تعرف علي أهداف عمل التحالف الوطني    غرامة 5 آلاف جنيه.. تعرف علي عقوبة بيع الأطعمة الغذائية بدون شهادة صحية    الحج 2024.. السياحة: تصعيد جميع الحجاج إلى عرفات ونجاح النفرة للمزدلفة    تشكيل غرفة عمليات.. بيان عاجل من "السياحة" بشأن الحج 2024 والسائحين    أنتم عيديتي.. كاظم الساهر يهنئ جمهوره بعيد الأضحى المبارك (فيديو)    شذى حسون تطرح أغنية «بيك تحلى» في عيد الأضحى    الدعم العينى والنقدى: وجهان لعملة واحدة    كرة سلة.. عبد الرحمن نادر على رأس قائمة مصر استعدادا للتصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس    مش هينفع أشتغل لراحة الأهلي فقط، عامر حسين يرد على انتقادات عدلي القيعي (فيديو)    استقبال تردد قناة السعودية لمشاهدة الحجاج على نايل سات وعرب سات    دعاء النبي في عيد الأضحى مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة كان يرددها الأنبياء في صلاة العيد    عاجل.. رد نهائي من زين الدين بلعيد يحسم جدل انتقاله للأهلي    إقبال على شوادر الأضاحي ومحال الجزارة بالسيدة زينب ليلة عيد الأضحى (صور)    إقبال وزحام على محال التسالي والحلويات في وقفة عيد الأضحى المبارك (صور)    أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى 2024 في مكة.. تعرف على موعدها    إعلام عبرى: صافرات الإنذار تدوى بمستوطنات فى شمال إسرائيل    اندلاع مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال فى جنين ورام الله    عاجل.. عرض خليجي برقم لا يُصدق لضم إمام عاشور وهذا رد فعل الأهلي    ريهام سعيد تكشف مفاجأة لأول مرة: محمد هنيدي تقدم للزواج مني (فيديو)    اتغير بعد واقعة الصفع، عمرو دياب يلبي طلب معجبة طلبت "سيلفي" بحفله في لبنان (فيديو)    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت.. وتوجه تهنئة للجمهور    تزامنا مع عيد الأضحى.. بهاء سلطان يطرح أغنية «تنزل فين»    عاجل.. الزمالك يحسم الجدل بشأن إمكانية رحيل حمزة المثلوثي إلى الترجي التونسي    ملخص وأهداف مباراة إيطاليا ضد ألبانيا 2-1 في يورو 2024    خوفا من اندلاع حرب مع حزب الله.. «أوستن» يدعو «جالانت» لزيارة الولايات المتحدة    شيخ المنطقة الأزهرية بالغربية يترأس وفداً أزهرياً للعزاء في وكيل مطرانية طنطا| صور    «المالية»: 20 مليون جنيه «فكة» لتلبية احتياجات المواطنين    إلغاء إجازات البيطريين وجاهزية 33 مجزر لاستقبال الأضاحي بالمجان في أسيوط    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    حلو الكلام.. لم أعثر على صاحبْ!    بمناسبة العيد والعيدية.. أجواء احتفالية وطقوس روحانية بحي السيدة زينب    فحص 1374 مواطنا ضمن قافلة طبية بقرية جمصة غرب في دمياط    رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصرى بعيد الأضحى المبارك    وزيرة الهجرة: تفوق الطلبة المصريين في الكويت هو امتداد حقيقي لنجاحات أبناء مصر بمختلف دول العالم    10 نصائح من معهد التغذية لتجنب عسر الهضم في عيد الأضحي    محافظ أسوان يتابع تقديم الخدمات الصحية والعلاجية ل821 مواطنًا بإدفو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار مذبحة ميدان التحرير على حدود رفح
نشر في الفجر يوم 12 - 08 - 2012

■ حماس أفرجت عن هشام سعدامى القيادى الخطر فى تنظيم القاعدة فأمر بتنفيذ مذبحة الجيش فى رفح

طلقة حبر يكتبها: عادل حمودة ومى سمير والحسين محمد

كانت الشمس تغرب مختفية وراء جبال شامخة.. مخلفة وراءها هالة نحاسية حمراء.. دون أن تعترض طريق سحب خفيفة.. عابرة.. مرت بها.. ودون أن تقاوم خيوط الليل التى بدأت تستأذن فى الهبوط.. لتفرض الظلام على المكان الساحر.. المهجور.

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة بثلاث دقائق.. حين جلس عشرون من جنود وضباط النقطة رقم «ستة» ويطلقون عليها «ميدان التحرير» فى منطقة يسمونها «الماسورة» على الحدود بالقرب من رفح يستمعون لقرآن المغرب فى انتظار كسر صيامهم الشاق.. الطويل.. إن كلاً منهم يضع بجانب سريره مصحفا.. يصر على استكمال قراءته قبل رحيل شهر رمضان.. إنهم أقرب إلى الله فى هذه البقعة المقدسة الطاهرة من سيناء.. حيث لا يصل إليهم صخب المدن.. وتلوثها.. وفسادها.. ومن حسن حظهم أن مسلسلات البلطجة والفساد وتعدد الزوجات بعيدة عنهم.. لا يقربونها.

لحظة من الصمت سادت الجميع قبل أن يرفع الأذان.. ويفرحون بإفطارهم.. وما إن رددوا الشهادتين مع صوت المؤذن القادم عبر أثير الراديو وقبل أن يتناولوا حبات التمر وقطرات الحليب فوجئوا بمهاجمين ملثمين يتشحون بالسواد.. يطلقون الرصاص عليهم بسرعة وجرأة وشراسة وقلب ميت.. فماتوا وأصيبوا وهم صائمون.

لقد رأيت هذه النقطة الحدودية وهى تؤسس وتقام قبل سنوات طويلة.. وقتها كنت مراسلا عسكريا أتابع تغطية الانسحاب الإسرائيلى من سيناء.. وشاهدت مجندات جيش العدو وهن يبكين على فراق المكان قبل أن يحملن فى الشاحنات التى ركبوا فوق ظهرها كل ما وضعوه هناك.. بما فى ذلك مواسير وحنفيات المياه وماكينات الخياطة فى مشغل الفتيات الذى افتتحوه فى العريش.. لكسب ود الأهالى. بجانب مغسلة عملاقة استخدمها جنودهم.

وعندما عدت على متن طائرة عسكرية (طراز هركليز سى 130) كانت مخصصة للعميد صفى الدين أبو شناف فى نفس الليلة وجدته يتنبأ بأن اهتمامنا بسيناء لن يتجاوز الأغانى وأضاف قائلا: «إن الأمن الحقيقى فى بناء مستوطنات زراعية».. «إسرائيل تتجنب القتال فى التجمعات السكنية».. ويندر أن «تجد وزيرا للدفاع فى إسرائيل لم يتول من قبل وزارة الزراعة».

وقد صعد نجم صفى الدين أبوشناف ليصبح رئيسا للأركان.. فى انتظار توليه وزارة الدفاع.. لكن.. مبارك فأجا الجميع بتعيين حسين طنطاوى رئيس هيئة العمليات وزيرا.. وعين منافسه عمر سليمان مدير المخابرات الحربية مديرا للمخابرات العامة.. وكان الاثنان يتنافسان على منصب رئيس الأركان بعد أن يصبح صفى الدين أبوشناف وزيرا.

فى ذلك الوقت لم تكن تلك النقطة سوى سلك شائك.. بجانبه مصاطب من حجر.. يستريح عليها جنود الخدمة.. وبعد مرور نحو 33 سنة لم تزد عن مجرد أكشاك وخيام وإن أضيف إليها سيارات مدرعة وسيارات أخرى للنقل.

فى اللحظة التى استشهد فيها أفراد النقطة كان ستون من مشايخ قبائل سيناء الشمالية والجنوبية يتناولون طعام الإفطار على مائدة اللواء مراد موافى مدير المخابرات العامة الذى كان محافظا لشمال سيناء قبل أن يتولى منصبه الأخير.. بل إنه قضى سنوات من خدمته العسكرية هناك ويعرفها جيدا.

كان المشايخ يتحدثون عن ضرورة إعادة الأمن إلى سيناء.. وراح كل منهم يقترح ما يراه مناسبا للحفاظ على الأمن القومى هناك.. لكن.. ذلك لم يستمر طويلا.. فقد فاجأهم مراد موافى بما حدث.. فأصيبوا بالذهول.. وعبر بعضهم عن استيائه.. وأكد البعض الآخر على براءته.. وتوقفوا جميعا عن تناول الطعام.. وقاموا لصلاة المغرب.. وفى دقائق معدودة كانت كل المعلومات متوافرة.

لقد جاء إلى النقطة مجموعة تتكون من 35 ملثما.. يركبون سيارتين بيك آب بدفع رباعى مغطاة بشمع أسود تحته شحنات هائلة من المفرقعات واسلحة مضادة للدروع (أر بى جى).. وما إن اقتربوا من الموقع حتى وجدوا ثلاثة جنود فى الخارج يجلسون على الأرض فى انتظار تناول الطعام.. فأطلقوا عليهم النيران.. ثم اقتحموا الموقع ليواصلوا حصد الأرواح.. فقتل 16 شخصا وجرح سبعة آخرون.

وقفز أحدهم إلى سيارة مدرعة من طراز «وليد».. انضمت للسيارتين الأخريين.. واتجهوا إلى معبر الحدود القريب كرم أبو سالم.. فى منطقة تبنى فيها إسرائيل سورا من الأسمنت.. وما إن وصلوه حتى اصطدمت به السيارة المشحونة بالمفرقعات فأحدثت فتحة كبيرة فيه.. سمحت بدخول باقى السيارات.

صوت الانفجار لفت نظر القوات الإسرائيلية فجاءت على عجل لتشاهد مدرعة عسكرية مصرية فأصيبت بالذعر.. خشية أن يكون هجوما عسكريا.. يتكرر فى نفس شهر رمضان.. كما حدث فى حرب أكتوبر 1973.. ولكن.. ما طمأنها أنها وجدت فوق السيارة المدرعة المصرية رجلا يرتدى جلبابا.. فعرفت أنها ليست عملية عسكرية.. وإنما عملية إرهابية.

كانت السيارات قد توغلت نحو كيلو ونصف الكيلو حينما لحقت بها طائرات هليكوبتر من طراز أباتشى.. فاطلقت الطائرات قنابل إضاءة للإنارة.. ثم ضربت المدرعة بصاروخ جو أرض.. فقتل ستة من الإرهابيين.. تسلمت مصر جثثهم فى اليوم التالى للمذبحة.. وعلى الفور بدأت أبحاث ال دى إن ايه لمعرفة معلومات عن القتلى.. وبدأت سيارات الجيش الإسرائيلى فى المطاردة.. فغرزت سيارة أخرى للقتلة فى الرمال.. فنزل منها اثنان.. أحدهما يرتدى حزاما ناسفا.. اتجه ناحية الحدود المصرية ليعود إليها.. ولم يتردد فى تفجير نفسه فأخذ ستة من زملائه معه.

وجرى اثنان آخران ناحية الحدود أيضا.. فلحق بهما أكثر من صاروخ إسرائيلى فتت جثتيهما تماما.

وحسب معلومات عسكرية رسمية فإن جهات وتنظيمات حليفة وصديقة للإرهابيين اطلقت قنابل هاون من داخل غزة وقت تنفيذ العملية فى نقطة كمين الماسورة.. وطبقا للمصدر نفسه فإن الجنود الذين نجوا شهدوا بأن الجناة كانوا يتكلمون بلهجة فلسطينية.. وأنهم عند الهجوم هتفوا : الله أكبر.. وتحدثوا عن الجهاد.. ووصفوا الجنود بالخونة.

كانت هيئة مكافحة الإرهاب فى إسرائيل قد حذرت رعاياها من السياح الذين يقضون إجازاتهم السنوية فى سيناء بسرعة العودة إلى تل أبيب.. خوفا من الاختطاف.. أو الوقوع رهائن.. وهو ما أثار دهشتهم.. فمثل هذه التحذيرات تحدث عادة قبيل الأعياد اليهودية التى تشهد توافدا مكثفا منهم على شواطئ سيناء.. وبتسرع معتاد من الجانب المصرى وصف التحذيرات بأنها بلا مبرر.

فى الليل كشف التليفزيون الإسرئيلى مزيدا من المعلومات قائلا : إن سبب التحذيرات الشديدة هذه المرة يرجع إلى تواجد أحد قيادات تنظيم القاعدة فى سيناء.. هو هشام سعدامى.. المصنف ضمن العناصر شديدة الخطورة.. ويبلغ عمره 52 سنة.. وسبق انضمامه لجماعة الجهاد السلفية المعروفة باسم «التوحيد والجهاد».. وهى حركة منبثقة من القاعدة.. مستقرة فى سيناء.. ومسئولة عن تنفيذ عمليات إرهابية متنوعة وقعت خلال الشهور الماضية.. وقد قضى سنة ونصف السنة فى سجون حماس.. لكن.. لم ترد معلومات عن أسباب الإفراج عنه.. وإن توقع البعض أنه استرد حريته فى صفقة بين حماس والقاعدة تبادلا فى المعتقلين.

السفارة الأمريكية أيضا حذرت رعاياها المسجلين فى قاعدة بياناتها بعدم الاقتراب من سيناء إلى أجل غير مسمى.

ويمكن القول بأن المخابرات المصرية تنبأت بما حدث.. وتحدث رئيسها قبل أيام قليلة فى اجتماع وزارى مع هشام قنديل وتحدث مرة أخرى فى اجتماع رئاسى مع محمد مرسى مؤكدا على الخطر الداهم القادم من سيناء.. لكن.. لا أحد تحرك.

وهو ما يذكرنا بتحذير عمر سليمان بوقوع انفجارات فى كنيسة القديسين بعد أن جاء إليه مصدر من ليبيا بكل التفاصيل.. لكن.. مبارك الذى تلقى مكالمته قبل أن ينصرف المصدر اكتفى بإحالة المعلومات إلى حبيب العادلى.

يضاف إلى ذلك أن وزير الداخلية أحمد جمال الدين سافر إلى سيناء فى مهمة أمنية سرية قبل اسابيع قليلة وهو مدير للأمن العام.. وعاد بتقرير مثير للرعب.. لكن.. لا أحد فكر فى ضربة استباقية.. فليس من سماتنا التعامل مع البلاء قبل وقوعه.. ولابد أن تلسعنا النيران حتى نصدق حرائقها.. كما أن هناك حذراً من قوات الشرطة والجيش فى التعامل برصاص حى مع الإرهابيين حتى لا يتهموا بالقتل من جديد.. وإن رفع الحادث الحرج عنهم.. فبدأت صباح اليوم التالى أكبر عملية تطهير مشتركة بينهما.. فى محاولة صعبة وربما مستحيلة لتنقية سيناء من الإرهاب.

وأغلب الظن أن منفذى العملية ينتمون لتنظيم القاعدة المتستر تحت عباءة الجهاد.. ومعظم أعضائه من السلفييين المتطرفين الذين يكفرون عائلاتهم وقوات الجيش والشرطة ومجالس المشايخ ويصفونهم ب«الطاغوت».. وتضم تنظيماتهم أفراداً من سيناء ومن غزة.. وبينهم صلات نسب ومصاهرة.

وليس غريبا أن يعلنوا الحرب على المصريين وأن يتركوا الإسرائيليين آمنين.. فطبقا لمبدأهم الشهير.. «العدو القريب أولى بالقتال من العدو البعيد».. وهم يتمركزون فى قرية صلاح الدين والمهدية والعريش والشيخ زويد ونجع شبانة وجبل عمرو.. وقد تضاعف عددهم بعد العفو لنحو 1500 إرهابى كانوا فى أفغانستان.. تدربوا وعاشوا وتزوجوا هناك.. وجاءوا من المطار إلى سيناء مباشرة.. وكأن لديهم خطة أو مأمورية محددة عليهم تنفيذها.

ولم يترددوا فى القيام بعمليات متتالية.. بعضها لم يعلن عنه.. منها أسر عدد من ضباط الشرطة.. وقتل رقيب فى الجيش.. كما كانت هناك عمليات شهيرة نفذوها.. منها نسف خط الغاز.. وخطف سياح أمريكيين مقابل الإفراج عن معتقلين منهم.. وإطلاق صواريخ من داخل سيناء على إسرائيل دون أن تصيب أحداً من باب التمويه بأنهم مجاهدون ضد العدو الصهيونى أيضا.

ولا شك أن وصول الإخوان إلى الرئاسة وقيام محمد مرسى بالعفو عن كل القيادات الإرهابية التى ارتكبت جرائم قتل ونسف وتخريب قد رفع من الروح المعنوية للتنظيمات المتطرفة المسلحة فى سيناء.. لقد شعر هؤلاء المتشددون بأن فى السلطة واحداً منهم.. لن يتردد فى العفو عنهم لو قبض عليهم.. وربما لهذا السبب بدا تصريح محمد مرسى مثيرا للدهشة ولا نقول مثيرا للشفقة.. فقد توعد المسئولين عن الجريمة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. لكن.. دون أن يسأل نفسه هل هو مسئول بطريقة غير مباشرة بالعفو غير المبرر سياسيا وقانونياً عن الإرهابيين؟

ويتصرف محمد مرسى بطريقة تثير القلق مع المعلومات الأمنية السرية.. فقد تلقى دعوة إفطار على مائدة جهاز شديد الحساسية.. وحسب التقاليد المتبعة فإن على مكتب الرئيس أن يرسل كشفا بأسماء من سيرافقونه.. وجاء الكشف مكونا من 11 اسما.. لكن.. جاء معه دون سابق إنذار 23 شخصا.. لم يستطع أحد منعهم.

وكان متوقعا أن يقوم كل مسئول عن إدارة بتقديم عرض مباشر للرئيس يتضمن معلومات شديدة الأهمية والسرية فى غرفة خاصة لا يدخلها سوى الرئيس والمسئولين الكبار.. لكن.. فوجئ الجميع بدخول كل مرافقى الرئيس معه.. وعندما أحس باعتراض على وجودهم قال بطريقة لافتة للانتباه ومثيرة للدهشة: «محدش غريب».

بل أكثر من ذلك وجدناه ينفذ كل مطالب إسماعيل هنية فى لقائهما الذى جرى فى القصر الجمهورى الذى دخله رئيس وزراء حماس السابق لأول مرة فى حياته.. وافق محمد مرسى على فتح معبر رفح يوميا حتى التاسعة مساء.. وقبل باستقبال المرضى وكبار السن طوال الليل والنهار بلا إخطار مسبق.. وفى الوقت نفسه لم يجبر قيادات حماس على إغلاق الأنفاق التى يأتى منها الرجال والسلاح والممنوعات بكل أنواعها وأشكالها.. فى حالة مزمنة من حالات الانفلات المريب.. بل تغاضى عن تهريب السلع الاستراتيجية من الجانب المصرى.. مثل الأدوية الرخيصة.. والسولار المدعم.. والسيارات المسروقة.. والأسلحة الثقيلة.. بجانب المطلوبين للعدالة.. فهل هناك دين لحماس مطلوب أن نسدده على حساب الخدمات المتردية للشعب المصرى؟

وما إن خرج إسماعيل هنية للصحفيين بعد لقاء محمد مرسى حتى وجدناه يدلى بتصريح مستفز يوصف بكثير من الكلمات التى تخدش الحياء.. قال: «إننا سنبقى على سيناء مصرية».. لم يتوقف أحد عند هذه الكلمات التى تثير الأعصاب وترفع ضغط الدم.. من هذا الرجل كى يضمن أرض مصر وحدودها؟.. من هو ليتحدث عن أمنها القومى؟.. ولماذا لم يخرج أحد من قيادات الإخوان أو من رجال الرئيس ليعلق عليه.. أو ليضع صاحبه فى مكانه وحجمه؟.. لكنها.. على ما يبدو الفواتير الثقيلة التى يجب أن نسددها من أجل عيون التنظيم الدولى للإخوان.

وفى الوقت نفسه تقريبا وصل إلى القاهرة قادما من الدار البيضاء خالد مشعل.. وعندما سئل فى المطار على سبيل المجاملة العابرة : «هل ستقضى رمضان فى مصر؟» أجاب بتعال: «إن مصر بلدنا وليس من حق أحد أن يسألنى هذا السؤال».. لقد أصبحت مصر على ما يبدو الوطن القومى للفلسطينيين.. أما القاهرة على ما يبدو أيضا فستكون عاصمة لدولتهم.

والحقيقة أن شمال سيناء أصبح منطقة خارج السيطرة.. وهناك تصريحات سابقة لوزيرى الدفاع والخارجية الأمريكيين بأنها أصبحت حظيرة للإرهاب الدولى يجب الانتباه إليها.. ويبدو أن التنظيمات الدينية المسلحة بالعملية الأخيرة أرادت أن تؤكد مخاوفهما.

وحسب الرئيس السابق للمخابرات الحربية الإسرائيلية أهارون زئيفى باركاش فإن حكومته تهتم بثلاثة ملفات شديدة الأهمية.. الأول : إيران واحتمال توجيه ضربة عسكرية لها.. والثانى: محاولة منع وقوع الأسلحة الكيميائية السورية فى يد حزب الله.. أما الملف الثالث فهو ملف الإرهاب فى سيناء.. وهو ملف يؤرقها منذ سقوط مبارك.. متوقعا أن تزيد معدلات العنف الدينى هناك.. وهو ما يهدد بوقوع صدام بينها وبين مصر.

وما إن يفتح هذه الملف حتى يفتح معه ملف معاهدة «كامب ديفيد» بملاحقها العسكرية التى تحرم مصر من تواجد قوات فى المنطقة «ج» الحدودية إلا بعض أفراد من الشرطة المدنية بتسليحهم الشخصى.. وحسب ما عرفت من مسئولين مصريين فإن إسرائيل سمحت بوجود ثلاث كتائب مصرية فى هذه المنطقة.. متجاوزة قيود المعاهدة.. وأضافت هذه المصادر: «إن المشكلة ليست فى المعاهدة وإنما فى إرادة السلطة المصرية لمواجهة الجماعات الجهادية المسلحة التى تركتها تنمو وتكبر وتزداد شراسة».

ويعترف الخبير الاستراتيجى الإسرائيلى يوئاف ليمور فى صحيفة «إسرائيل اليوم» بأن جيش بلاده فوجئ بالجرأة التى نفذت بها العملية الأخيرة.. وقد مثلت تحديا لم يسبق لإسرائيل أن شعرت به من قبل.. فقتل جنود مصريين بدم بارد وخطف مدرعتين والتسلل بهما داخل الحدود الإسرائيلية كان مدهشا.. ولولا تعاون الشاباك (جهاز الأمن العام) مع قوات الجيش لحدثت كارثة.

وأضاف: «لكن.. ذلك لا ينبغى أن يجعلنا ننسى أن سيناء أصبحت كابوسا حقيقيا.. أصبحت مشاعا للجماعات المسلحة.. تفعل فيها ما تشاء.. بما فى ذلك الحصول على الأسلحة الثقيلة وتخزينها.. وهو ما يهدد مصر بتكرار ما يحدث فى العراق».

واستطرد: «لقد شاهد المصريون العملية بوضوح ولم تعد لديهم حجة فى عدم رؤية الإرهاب الإسلامى المتشدد.. وها هو نظام محمد مرسى يحصر أعداد أول ضحايا سقطوا فى عهده.. وعليه أن يفسر لشعبه كيف خرج هذا العدو من الداخل.. ولو لم تتعاون مصر معها فإن إسرائيل ستعتمد على مخابراتها النشطة ووحداتها الخاصة فى التعامل مع هذه الجماعات ولو اضطرت إلى القيام بعمليات داخل الحدود المصرية وإن تخشى أن تنجر مع مصر فى حرب».

وفى مثل هذه العمليات تقفز على الفور نظريات المؤامرة.. وأشهرها وأكثرها شيوعا.. تورط الموساد.. وهو ما سارع بإعلانه ناجح إبراهيم.. أحد أمراء الجماعة الإسلامية التى أذاقت مصر الأمرين فى التسعينيات بعمليات قتل وتفجير لا حصر لها.

وحسب هذه النظرية فإن إسرائيل تريد بهذه العملية إثبات أن مصر عاجزة عن حماية حدودها.. بل عاجزة عن حماية أراضيها.. ولا جنودها.. وهو ما يعطى إسرائيل الحق فى فرض قواتها داخل الأراضى المصرية لتضمن أمنها.. وسلامتها.

وما يدعم هذه النظرية أن إسرائيل كثيرا ما جندت فلسطينيين لقتل فلسطينيين كى لا تثار الشبهات حولها.. كما أن مخابراتها بكل أنواعها هى التى شجعت على قيام حماس لتواجه فتح وتضعفها.. وتقضى عليها.

لكن.. ما ينسف هذه النظرية أن إسرائيل ليست فى حاجة لإثبات أن سيناء أصبحت خارج السيطرة الأمنية.. فالأحداث اليومية التى تحدث هناك أكبر دليل على ذلك.. كما أن العالم كله يشاهد ويشهد ويتابع.

وحسب ما نشرت صحيفة هاآرتس فإنه بعد تصفية المجموعة المنفذة للعملية عقد رئيس هيئة الأركان العقيد بينى جانتس اجتماعا طارئا.. ضم اللواء طل روسو قائد الجبهة الجنوبية.. واللواء أفيف كوخافى رئيس المخابرات الحربية بجانب عدد من مسئولى الأمن الكبار.. وخلال الاجتماع أشارت التقديرات إلى أن اكثر المشتبهين هم إحدى الجماعات الجهادية السلفية التى تضم أفرادا من بدو سيناء.. وحسب تقرير للشاباك فإن أعضاء هذه الجماعات يخططون للقيام بعمليات قتل تستهدف حصد أكبر عدد من جنود الجيش والشرطة كى يردعوهم فيفروا من الخدمة ولا يقبلوا بوجودهم فى سيناء.. ومن ثم تنزع المنطقة من الأمن.. ليخلو منها.. وهو ما يسهل ضرب الأهداف الإسرائيلية.

لكن.. ما يلفت النظر أن القوات المصرية رغم رصدها لكل هذه التنظيمات الإرهابية لم تتخذ التدابير المناسبة للمواجهة.. فما هو السبب؟

سمعت من مسئولين يعرفون ما يقولون أن قيادات الجيش والشرطة فى مصر تعرف الكثير عن هذه التنظيمات.. وتعرف أن جبال سيناء مشحونة بالأسلحة المهربة من ليبيا والبلقان وإيران.. وهو ما يعنى أن التعامل مع الإرهابيين كان سيخلف وراءه قتلى وجرحى.. فهل كانت قيادات الإخوان والجماعات الإسلامية ستغفر ذلك؟.. كانت القوات التى ستطهر سيناء من تلك التنظيمات ستتهم بسفك دماء المصريين.. وتطالب بمحاكمة العسكريين.. كان لابد من حادث يوجع قلب المصريين كى يتقبلوا نتائج الحرب على الإرهاب مهما كانت نتائجه.

وما لا يعرفه أحد أنه قد أحبطت فى الشهور الأخيرة 14 عملية إرهابية بعد تعاون مكثف بين مصر وإسرائيل.

ولا شك أن الصراع بين الإرهابيين والعسكريين على سيناء هو صراع وجود قبل أن يكون صراعا على الحدود.. الإرهابيون يرون أن سيناء الفارغة من البشر هى المكان المناسب لإقامة أول إمارة إسلامية خالصة.. لذلك فإن أول أعدائهم العسكريون.. القوة الوحيدة القادرة على إفشال سعيهم.. والعسكريون يرون أن لا معنى لوجودهم لو فشلوا فى حماية الأرض وسلامة الوطن.. وهو ما يعنى أن المعارك بين الطرفين لن تنتهى.. بل يمكن القول إنها بدأت.

وهناك طرف غائب فى المعادلة هو موقف الولايات المتحدة.. إسرائيل ترى أنها تعرف الكثير من المعلومات عن التدهور الأمنى فى سيناء.. لكنها لا تخرج عن صمتها.. ولا تكشف عما فى أعماقها.

رجال سابقون فى المخابرات المركزية خدموا فى مصر من قبل قالوا : إن الولايات المتحدة تشجع تجمع التنظيمات الإرهابية فى مكان مثل سيناء حتى يسهل اصطيادها.. ولو كان ذلك على حساب أمن مصر.

ولا يوجد مركز أبحاث استراتيجى فى واشنطن إلا وأعد دراسات عن الوضع الأمنى فى سيناء.. وإحدى هذه الدراسات أعدها إيهود يعارى المحلل العسكرى فى القناة الثانية الإسرائيلية لمركز واشنطن لدراسات الشرق الأوسط.. وفيها يشير إلى أن أجزاء من سيناء هى امتداد للساحة الفلسطينية.. أما حماس فتعتبر شمال سيناء منطقة نفوذ لها.

ولو كانت سيناء خلال الشهور الأخيرة قد تحولت إلى منطقة جذب للشبكات الإرهابية العالمية، فإن هذه الشبكات تتأرجح بين عصابات تهريب قديمة تحولت بشكل تدريجى إلى جماعات إرهابية.. أو فصائل بدوية تشكلت فى وقت قريب وتعتنق الفكر السلفى الجهادى.. أو جماعات تنتمى لمنظمات فلسطينية فى غزة بما فى ذلك حماس والجهاد الإسلامى ولجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام الذى تمثله عشيرة دغمش.

وبحسب الدراسة نفسها فإن حزب الله تغلغل أيضا فى سيناء.. وقد قبض على بعض أعضائه هو سامى شهاب وحكم عليه وسجن 15 سنة ثم هرب بعد الثورة واستقبل فى بيروت استقبال الأبطال.

وكان لتنظيم القاعدة نصيبه فى سيناء.. ففى أغسطس الماضى أعلن على موقعه الإلكترونى عن إقامة إمارة شبه جزيرة سيناء.. لكن.. الإعلان حذف بسرعة من على الموقع.. وإن لم يمنع ذلك توزيع منشورات تتضمن الإعلان عن هذه الإمارة فى مناطق حول العريش.. وتضمنت المنشورات انتقادات حادة لقوات الأمن المصرية واتهمتها بالإساءة للبدو ودعت للجهاد ضد اليهود.. وفى 20 ديسمبر الماضى أعلن بيان آخر للقاعدة عن إقامة جماعة جديدة منتمية إليه فى سيناء تسمى «أنصار الجهاد».

وفى دراسة أخرى لنفس المركز قدمها الباحث الأمريكى ديفيد شينكر بعنوان مثير هو «مصر تواجه تحديات أمنية مبكرة» وصف جماعة «أنصار الجهاد» بأنها الذراع العسكرية للقاعدة فى سيناء.. ودلل على ذلك بأن هناك بيانا صدر فى 23 يناير 2012 أعلنت فيه الجماعة ولاءها لزعيم القاعدة أيمن الظواهرى.

قبل ذلك فى تسعينيات القرن الماضى دخل السلفيون فى مصادمات شرسة مع الطرق الصوفية الراسخة فى سيناء.. وأدت إلى حدوث انشقاقات داخل القبائل والعائلات.

واليوم تنتشر فى سيناء معسكرات سلفية جديدة تضم بعضا من البدو الذين تركوا قبائلهم ليعيشوا حياتهم اليومية طبقا لمعتقداتهم الإسلامية.. واعتمد هؤلاء على شبكات التهريب التى ساهمت فى إضعاف السلطة الفعلية لمشايخ القبائل.. وأصبحت الكلمة العليا للإسلاميين وزعماء العصابات.. إن هؤلاء السلفيين يعتمدون على بنية تحتية واسعة تخدم صناعة التهريب.

وقبل ذلك أيضا.. لكن.. فى بداية عام 1955 وبعد وقت قصير من إقامة السلطة الفلسطينية باشرت حماس نشاطا سريا فى سيناء يتمثل فى جماعة الجهاد الإسلامى.. وبعد عشر سنوات زاد حجم التجارة المحظورة ليصل إلى معدلات عالية ضاعفت من نفوذ حماس السياسى والايديولوجى على سيناء.

وهناك نحو 120 نفقا.. تقاسمت السيطرة عليها منظمات فلسطينية مختلفة.. ولعبت هذه الأنفاق دورا مباشرا فى تهريب الأسلحة.. ولكن.. بشكل عكسى.. من غزة إلى سيناء.. وقبل الإطاحة بمبارك نقلت حماس صواريخ ثقيلة طويلة المدى خزنتها سرا فى سيناء.. منها صواريخ جراد والقسام.. وقد اطلق بعضها فى 6 أكتوبر 2010 على إيلات.. ولم تستمع حماس للتهديدات المصرية شديدة اللهجة بألاّ تستخدم سيناء منصة لشن هجمات على إسرائيل.

واستمرت حماس فى زرع نشطائها فى جميع انحاء سيناء ليكونوا جواسيس لها.. كما أنشأت مكتبا سريا لها فى القاهرة وفضلت السلطات المصرية تجاهله.. وهو مكتب متصل بكتائب عز الدين القسام فى غزة والمجلس العسكرى لها فى دمشق.. واستمرت حماس ومعها الجهاد الإسلامى الفلسطينى وغيرهما فى نقل بعض ورشها التى تصنع الصواريخ اليدوية إلى سيناء فى الشهور الأخيرة.

وقد تضاعفت شحنات الأسلحة فى سيناء ويقدرها البعض بنحو 100 ألف قطعة بعضها صواريخ مضادة للطائرات.. والمدرعات؟!

ولذلك فإن كل من وصف العملية الأخيرة التى قام بها الجيش بأنها عملية تحرير سيناء.. كان على حق.. لقد حررنا سيناء من الإسرائيليين.. وحان الوقت لتحريرها من الإرهابيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.