في ظل الاعتداءات المتكررة علي جنود مصر البواسل, استنكر الأزهر الشريف, ومجمع البحوث الإسلامية وعلماء الدين الاعتداءات المسلحة والمتكررة علي القوات المسلحة وجنود الشرطة ومحاولات الاعتداء علي المنشآت العسكرية في سيناء. وأكد علماء الدين أن المساس بجنود مصر البواسل هو مساس بالأمن القومي, وطالبوا الجميع بالحفاظ علي أمن الوطن والتصدي لهذه المحاولات الدنيئة للمساس بجيش مصر أو صرفه عن مهمته الوطنية الأصيلة. وجاء بيان الأزهر الشريف لينبه الي ضرورة عودة الصف والتلاحم, وحرمة الدم المصري الزكي, وعدم تكرار الأخطاء القديمة من الجهاديين والتكفيريين وأضرابهم الذين يستحلون دماء المسلمين, وليؤكد علي التلاحم والتراحم والتعاون بين نسيج الأمة الواحد. رمز الدولة المصرية ويؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الشريعة بكلية الحقوق, أن جيش مصر هو جيش الشعب الذي حمل لواء الدفاع عن الوطن, وكان طوال تاريخه مثالا للوطنية الصادقة وحامي مصر الكنانة ضد الأعداء, فهذا الجيش ينبغي أن يكون الحفاظ عليه ودعمه مسئولية كل الأطياف والفرقاء السياسيين والنخب الوطنية والمؤسسات الدينية, وهي مسئولية كل مصري للحفاظ علي الدين والوطن والكرامة والعرض, ورمز بقاء الدولة المصرية فالمعتدي علي هذا الجيش بأي وسيلة من وسائل الاعتداء هو خائن لدينه ووطنه ومنفذ لخطط وأهداف العدو لإضعاف هذا الجيش وصرفه عن مهمته الدينية والوطنية إلي مستنقع الخلافات المذهبية والصراعات السياسية وهو منها براء, فينبغي أن ننظر إلي جيش مصر وقواتها المسلحة علي أنها درع الإسلام وحامية أوطانه, فهم جند الله الذي سيكون مصير كل من يتربص به الخزي والعار والخذلان, وسيرد الله كيده في نحره, فقد قال تعالي( وإن جندنا لهم الغالبون), فليحذر كل طرف لديه الفهم الديني الصحيح والهمة الوطنية الصادقة لكي يحفظ لهذا الجيش قوته ولا يدخله في أتون معارك حزبية أو لتحقيق طموحات سياسية, فإن هذا المسلك هو مسلك آثم يهدر حقوق الأجيال وأبناء الوطن, ويحيل الأمة المصرية إلي أمة تتخطفها الطير وتأكلها السباع, ويمكن أعداء هذا الوطن من المتربصين به والمتآمرين عليه من الوصول إلي أغراضهم الدنيئة في إخضاع مصر والمصريين والهيمنة علي مقدرات هذا الوطن والتحكم في مصيره وتحطيم كيانه; لأن الحق بلا قوة كلا حق, والذي يحق حق الوطن هو الجيش بتأييد من الشعب, ولن يتأتي ذلك إلا بالحفاظ علي قوة هذا الجيش ودعمه بكل الوسائل والضرب بأيد من حديد علي الذين يريدون إضعافه والنيل منه; لأن الكفيل بدحر الباطل هو جيش مؤمن وطني مصداقا لقوله تعاليوقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا, فليرفع هؤلاء الذين يبغون إضعاف الجيش أيديهم عنه, وليرعوا الله في نصرة الجيش وتمكينه من أداء مهمته في حفظ الدين والوطن, والكف عن إثارة الفتن ونشر المفاهيم المغلوطة من إعلان الجهاد والاستشهاد باسم الشرعية التي يعبر عنها الشعب وحده متمثلا في أغلبيته, ولا يجعلون السلطة وسيلة للتحكم, ورغبة في التمكين, ونصرة لأهداف وطموحات ضيقة, لا تقيم مجتمعا قويا ولا وطنا أبيا, وليعلم هؤلاء أن الله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. تحقيق لأهداف الأعداء وفي سياق متصل يؤكد الدكتور زكي عثمان الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية, أن الجيش هو درعنا الواقي وقوتنا الرادعة لا لإخوانهم بل للعدو, فإذا حدث شرخ بين الشعب وبين الجيش أصبحت الدنيا فوضي وارتباكا, وإذا حدثت الفوضي والارتباك ضاع النظام أيا كان, لأن العملية أسفرت عن قتال ودماء, وأصبحنا في حيص بيص كما يقولون, وغير متبعين لثقافتنا وفكرنا وتراثنا بهذا الانشقاق الفظيع الغريب, وتناسي الشعب وتناسي الجيش هذا المبدأ الخطير الذي يحكم تصرفاتنا وسلوكياتنا, فأفراد من الشعب يتصفون بالأشياء الهوجاء لا يضبطون أعصابهم ولا يسيطرون علي أنفسهم إنما لغتهم الحقيقية لغة إطلاق النار, وإذا أصبح الجيش مستهدفا من هؤلاء الهوج تكون العملية دمارا وخرابا, والذي يمكن أن أقوله في أول سورة الأنفال( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) سواء كانت للشعب أم للجيش, وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:كل المسلم علي المسلم حرام: دمه وماله وعرضه, وهذا الاستهداف لا يأتي إلا بثمار مريرة كثمرة الحنظل طعمها مر ولا ريحة لها. فياأيها الشعب الكريم ليظهر معدنك القوي أمام جيشنا الباسل الذي هو درع لهذه الأمة, ولنتق الله في أنفسنا وجيشنا هذا الجيش الذي فيه أبناؤنا وإخواننا وأعمامنا وأخوالنا.. فإننا نحارب بعضنا البعض. وقانا الله شر هذه الفتنة. ووصف الدكتور زكي عثمان, ما يجري علي الساحة بأنه فتنة شديدة تجعل الحليم حيران وتجعل العقول مغيبة والضمائر غير مستكينة والنفوس فيها عوج والقلوب فيه اعوجاج, لكننا نحاول بقدر الاستطاعة أن نخرج أنفسنا من هذا الضيق وذلك العوج وتلك الفتن بأن ننظر إلي عدة أبعاد ودلالات, البعد الأول: الإيمان والأمن والأمان. البعد الثاني: الإصلاح. البعد الثالث: الأخوة. البعد الرابع: تقوي الله. البعد الخامس: الرحمة. ولعل هذه الأبعاد تحل كثيرا من المعوقات والتحديات التي تبشرنا بعودة الصف, يقول الله عز وجل بصدد هذه الأبعاد( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون), فالبعد الإيماني ينبغي أن يحقق الحب بين الشعب والجيش. وصية الرسول من جانبه يؤكد الدكتور عبدالله كامل الباحث والداعية الإسلامي أن الجيش هو الركن الركين والحصن الحصين لاستقرار مصر داخليا وخارجيا, وجيش مصر بصفة خاصة وصف من رسول الله صلي الله عليه وسلم بأنه خير أجناد الأرض, ومصر نفسها, بالإضافة إلي وصفها في القرآن الكريم خمس مرات صراحة بالأمن والأمان والاستقرار, أشير إليها أكثر من ثلاثين مرة بالاستقرار والثروة الزراعية والمعدنية, حيث قال الله تعالي عن مصر حين تركها بنو إسرائيل( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين). هذا الكلام ورد في سورة الدخان, لكنه تكرر بنفس النص في سورة الشعراء, وبدلا من كلمة زروع استبدل بها كلمة كنوز, فوصفها بالمقام الكريم والجنات والعيون, ونهر النيل هو النهر الوحيد الذي جمعه الله بكلمة أنهار كأنه يمثل عدة أنهار في قول فرعون( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي), ولا يفوتنا وصف الله سبحانه وتعالي للسيدة مريم وسيدنا عيسي في مجيئهما إلي مصر بقوله تعالي( وآويناهما إلي ربوة ذات قرار ومعين). كل هذا وغيره ينبئ عن مكانة مصر والمخبوء من ثرواتها, بالإضافة إلي ذلك وصفها رسول الله صلي الله عليه وسلم بالكنانة, والكنانة هي مخزن السهام, أي بلغة العصر مخزن الذخيرة الحية ضد كل عدو لله, ووصف جيشها بأنهم خير أجناد الأرض, وأنهم في رباط دائم إلي يوم القيامة, وأنهم في استقرار عائلي; لأنه قال هم وزوجاتهم في رباط دائم إلي يوم القيامة, وصدق من سماها المحروسة, وفي العهد العمري للمقوقس بواسطة عمرو بن العاص أن يترك منطقة المقطم بلا مبان ولا سكن; لأنها قريبة من البقيع فيها دفن الصالحون والعلماء والأولياء, فهي منطقة مباركة. كل هذا يقودنا إلي مكانة الجيش المصري وانفراده عن جميع جيوش العالم بأنه المبشر بحمل لواء الدفاع عن الحق, ومن يهاجمه أو يتجرأ عليه أو ينقص من قدره بكلمة تافهة مثل العسكر لا يفهم في دين الله شيئا, بل هو ضد الدين وضد السنة وضد فعل الصحابة والتابعين, لذلك كان استهداف الجيش بالهجوم أو التشنيع أو الاستهزاء به جرما فادحا لا يرضاه الله ولا رسوله, ويكفي أنه الجيش الذي بقي حتي الآن حاملا لواء الجهاد الحقيقي متماسكا يعرف ما له وما عليه, وقد أظهر الله ذلك في ثورة الخامس والعشرين من يناير وثورة الثلاثين من يونيو لكل ذي عينين وكل صاحب بصيرة, فنسأل الله أن يخزي كل من عادي الجيش أو تربص به أو اتهمه بغير حق, ونسأل الله أن يزيده قوة وعتادا وصلابة وشدة, حتي يحرر لنا القدس إن شاء الله.