تعتبر سيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين- وكذلك سيرة التابعين, من السير التي نجح العرب في تدوينها منذ القرن الثاني الهجري وذلك من خلال ما كتبوه وأثبتوه في سيرة المصطفي صلي الله عليه وسلم. ويستطرد د. بهاء حسب اله أستاذ الأدب بجامعة حلوان قائلا: فكانت سيرته وثيقة الصلة بسيرة الخلفاء الراشدين الأربعة وعاكسة لهم.. لاعتبارات عدة أهمها قربهم الشخصي من نبي الله صلوات الله عليه وسلامه.. ودورهم الحقيقي في حياته والتقاء هذا الدور بدور الرسول نفسه.. واستكمالهم لبناء دولته بعد وفاته.. ولذلك يمكننا القول إن سيرة الخلفاء والتابعين يمكننا أن نستقي موادها ومصادرها من الكتب التي دونت سيرة الرسول نفسه.. ويعتبر ابن إسحاق المدني( وهو أول من كتب السيرة المحمدية) في مطلع القرن الثاني الهجري.. وتحديدا منذ العام121 ه علي حد تقدير وإشارة معظم من نقل عنه.. وهو نفسه أول من تعرض وبتفسير مقصود وبتركيز واضح وتفصيل كامل لسير الخلفاء الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.. وكذلك لبعض التابعين وحتي زمن معاوية ودولته وأولاده.. والأمر نفسه سنجده وبتركيز أشمل عند ابن هشام في سيرته وبطريقة فريدة وجذابة.. وأيضا سنجدها مفصلة في تاريخ الطبري وبأسلوب رائع وواقعي وصادق.. ويجدها أيضا في كتاب البداية والنهاية لابن كثير.. والأمر نفسه في مجموعة ابن القيم الجوزية.. وكذلك من تلك الكتب النادرة كتاب الإمام السيوطي عن( سير الخفاء الراشدين).. وهذا هو اسم كتابه في القرن السابع الهجري.. وكتابه( حسن المحاضرة).. وكذلك سنجد سيرة الخلفاء والتابعين مدونة في مجموعات العصر المملوكي المطبوعة الآن.. ككتب( الوفيات) لابن خلكان والصفدي.. ومجموعة ابن سعيد المغربي.. ومن الكتب النادرة التي أشارت لتاريخ الخلفاء مفصلا كتاب الإمام التبريزي وكتاب الخطط للمقريزي.. هذا من زاوية التدوين التاريخي الذي له كامل القيمة لأسباب عدة.. أهمها: أنه تعرض لتاريخ الخلفاء والتابعين من قبل البعثة المحمدية.. وحتي زمن الرسول صلي الله عليه وسلم نفسه بتفصيل مكثف.. ومن بعد رحيل الرسول إلي الرفيق الأعلي ونستطيع أن نقول بأن أبا بكر وعمر بن الخطاب هما أكثر من وقف أمامهما المؤرخون القدامي وكذلك المعاصرون لدورهم الكبير في حياة الرسول نفسه ولدورهما كذلك في رحلته الدعوية.. ولارتباط معظم الحروب والغزوات بوجودهما إلي جواره صلي الله عليه وسلم ولكننا نريد في الوقت ذاته أن نلمح إلي أن جانبا كبيرا من الإسرائيليات قد ألحق بسيرة الخلفاء الأربعة.. وحاولت تشويه دورهما سواء في حياة الرسول أو بعد وفاته وخاصة عثمان وعلي بن أبي طالب لارتباطهما بالفتنة الكبري التي أدت في النهاية إلي مقتلهما.. وظهور معاوية بن أبي سفيان علي الساحة كمؤسس للدولة الإسلامية الجديدة( دولة بني أمية) سنة14 ه والتي سقطت في أقل من مائة عام عندما انتقلت إلي البيت المرواني بعد وفاة الخليفة عبد الملك بن مروان سنة231 ه. ويقول الدكتور محمد زكريا عناني استاذ الأدب العربي جامعة الإسكندرية: من البديهي أن السيرة النبوية المشرفة هي التي مهدت السبيل إلي أمام التسجيل لتراجم الرجال عند المسلمين كافة.. كما أنه من البديهي أن يكون للخلفاء الراشدين مكان الصدارة في هذا الصدد.. لافتا لقد كان القرن التاسع عصر إبداع في كل مجالات التأليف ومن بينها.. بطبيعة الحال التأليف حول السيرة علي نحو ما فعل رفاعي الطهطاوي في كتابه نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز.. وهكذا انفتح الباب لما بعدها من خلال الالتفاف لسيرة خلفاء الإسلام العظام وهؤلاء لم يكونوا مجرد رجال دولة.. كما هو الحال مع الملوك والزعماء والقادة إذ كان عليهم أن يجمعوا بين الدين والدولة في فترة مبكرة نسبيا؟.. احتاج فيها الناس إلي رؤية خارقة من البصيرة والرؤية الثاقبة لقضايا الأحكام والتطبيق والتكيف مع مستجدات الأحداث... إلخ. وأضاف د.عناني وانطلاقا من أهمية هذه الكوكبة من الرجال فإن عددا من أعلام التأليف الأدبي والتاريخي عكفوا علي التأليف حولهم.. ومن هؤلاء: طه حسين في الفتنة العظمي والعقاد في سلسلة عبقرياته وغيرهما الكثير. قائلا: ولكني أريد أن أركز هنا القول حول د.محمد حسين هيكل(1888 1956) الذي كان من رؤوس التنوير في بلادنا بما ألف في مجالات شتي من الأدب والسياسة والرحلات والفكر وغيرها والذي قدم فيما نخوض فيه الآن كتابه الشهير حياة محمد1935ثم الصديق أبو بكر1942 ثم الفاروق عمر1944 1945ثم عثمان بن عفان وقد توفي قبل أن يتمه( ونشر سنة1964) فضلا عن الأعمال الأخري التي تنهل من معين الدين الحنيف. مؤكدا.. لقد أحسنت الدكتورة رشيدة الديواني عندما تحدثت عن هيكل بين الشرق والغرب.