"كلاسيكيات" سلسلة أدبية وفكرية وثقافية جديدة بدأ إصدارها في الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة خرج إلى النور منها حتى الآن كتب: العبرات والنظرات (ثلاثة أجزاء) والشاعر والفضيلة أو «بول وفرجيني» وفي سبيل التاج وماجدولين أو «تحت ظلال الزيزنون» لمصطفى لطفي المنفلوطي (1876 – 1924م). ورواية زينب أول رواية عربية متكاملة فنيًّا وعُثمان بن عفان والصدّيق أبو بكر لمحمد حسين هيكل (1888 – 1956م). وفي غضون أيام ستصدر مجموعة من الكتب منها: الفاروق عمر (جزءان) وحياة محمد لهيكل، وحي بن يقظان لابن طفيل، والإلياذة والأوديسة (لهوميروس)، وفي منزل الوحي، وحياتي لأحمد أمين، وهكذا خلقت والأدب الصغير والأدب الكبير (لابن المقفع). وستصدر بقية الكتب التي شكلت وجدان المصريين تباعًا، وهي بشكلها الجديد لا تزال قادرة على إثارة الدهشة، والقيام بالدور نفسه لدى الأجيال الجديدة. ولأن الدار المصرية اللبنانية تحاول نشر التراث وتقديمه إلى القارئ العربي بصورة جديدة، فلم تكتف بنشر الكتب فقط، بل قام المسئولون عن السلسلة كما يقول الناشر محمد رشاد رئيس مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية بشرح وضبط ما يصعب أو يغمض مدلوله على القارئ من الكلمات والعبارات، ففي رواية «زينب» التي مر قرن من الزمان على تأليفها، حرصت الدار على شرح الكلمات والعبارات الصعبة، خصوصًا الكلمات الريفية أو العامية التي كانت متداولة في القرية المصرية آنذاك وهكذا الأمر مع الكتب جميعها، نظرًا لتطور اللغة العربية منذ أول القرن حتى الآن. يشرف على السلسلة محمد فتحي أبو بكر الذي قدمها وعلق عليها. كما قام فتحي أبو بكر بتقديم وافٍ لكل المؤلفين والكتاب الكبار من أعلام القرن العشرين الذين تنشر السلسلة كتبهم، عبر سرد سيرهم الذاتية، وأهم محطات حياتهم، ومؤلفاتهم وتأثيرها في زمنها، وفي الأجيال المتعاقبة، وكيف رآهم روّاد عصرهم وقرَّاؤهم. ومن ناحية أخرى، يعطي التعريف الكامل في المقدمات بهؤلاء الكتاب صورة بانورامية لعنفوان مصر الثقافي في القرن العشرين، خصوصًا النصف الأول منه، وكانت مصر بسبب هؤلاء المفكرين رائدة أمتها العربية. السلسلة تنشر كتب أهم ثلاثة فرسان في بدايات القرن العشرين : الفارس الأول هو: أحمد أمين فموسوعة أحمد أمين مثلًا (فجر الإسلام) و(ضحى الإسلام) و(ظهر الإسلام)، تقدم صورة مشرقة ورائعة للإسلام الحضاري، الذي أسس كيانات معظم الدول الإسلامية، التي تحاول النكوص عنه الآن، فتناولت الإسلام وحضارته من شتى جوانبه أدبيًّا وفنيًّا وثقافيًّا وعلميًّا، فلم يقتصر الإسلام على الطقوس والفقه وفقط، بل امتد ليشمل جوانب الحياة كلها سياسة وإعاشة. وذلك هو السلاح القوي الماضي في مُواجَهة الهجمة الشرسة التي يشنُّها أعداءُ الإسلامِ هذه الأيام ضد العروبة والإسلام ونبيِّ الإسلام، وهو السلاح الفَعَّال في مُواكَبة هذا العصر، عصر المعلومات والمعرفة، وهو الذي يحقق الحاضِرَ الواعِدَ والمستقبل المُشرق للإسلام والأُمَّة العربية، والنهوض بها مِمَّا أصابها من ضَعْفٍ ووهن. . حتى أن طه حسين (1889 – 1973م) قال عنه: «لقد أَهْدَى أحمد أمين إلى العَالَمِ الحديث بتأليف «فجر الإسلام وضُحَاه وظُهره» كَنْزًا مِنْ أقْوَمِ الكُنوز وأعظمها حَظًّا من الغِنَى، وأقدرها على البقاء ومطاولة الزمان والأصراح». وقال أيضًا: «مَنْ أَلَّفَ فَجْرَ الإسلام وضُحَى الإسلام وظُهْرَ الإسلام أَبْقَى على الأيامِ من أن يُدْرِكَهُ الموتُ» ؟ والفارس الثاني الذي تنشر السلسلة كتبه هو: مصطفى لطفي المنفلوطي أديب مصري نابغ في الإنشاء والأدب، انفرد بأسلوب نقي في مقالاته، له شعر جيد فيه رقة، قام بالكثير من الترجمة والاقتباس من بعض روايات الأدب الفرنسي الشهيرة بأسلوب أدبي فذ، وصياغة عربية غاية في الروعة لم يحظ بإجادة اللغة الفرنسية لذلك استعان بأصحابه الذين كانوا يترجمون له الروايات ومن ثم يقوم هو بصياغتها وصقلها في قالب أدبي. كتاباه (النظرات والعبرات).
وللمنفلوطي أعمال أدبية كثيرة اختلف فيها الرأي وتدابر حولها القول وقد بدأت أعمال المنفلوطي تتبدى للناس من خلال ما كان ينشره في بعض المجلات الإقليمية كمجلة الفلاح والهلال والجامعة والعمدة وغيرها ثم انتقل إلى أكبر الصحف وهي المؤيد وكتب المقالات بعنوان: «نظرات» جمعت في كتاب تحت الاسم نفسه على ثلاثة أجزاء. من أهم كتبه ورواياته التي نشرتها الدار المصرية اللبنانية طبعة عصرية: - النظرات: (ثلاثة أجزاء). يضم مجموعة من مقالات في الأدب الاجتماعي، والنقد، والسياسة، والإسلاميات، وأيضًا مجموعة من القصص القصيرة الموضوعة أو المنقولة، جميعها كانت قد نشرت في جرائد وقد بدأ كتابتها بها منذ العام 1907. - العبرات: يضم تسع قصص، ثلاثًا وضعها المنفلوطي وهي: الحجاب، الهاوية. وواحدة مقتبسة من قصة أمريكية اسمها صراخ القبور، وجعلها بعنوان: العقاب. وخمس قصص عربها المنفلوطي وهي: الشهداء، الذكرى، الجزاء، الضحية، الانتقام. وقد طبع في عام 1916. - رواية في سبيل التاج ترجمها المنفلوطي من الفرنسية بتصرف. وهي أساسًا مأساة شعرية تمثيلية، كتبها فرانسو كوبيه أحد أدباء القرن التاسع عشر في فرنسا. وأهداها المنفلوطي لسعد زغلول في العام 1920. - رواية بول وفرجيني صاغها المنفلوطي بعد ترجمته لها من الفرنسية وجعلها بعنوان الفضيلة وتسرد هذه القصة عدة أحداث لعل من أهمها الحب العذري لبول وفرجيني لبعضهما والمكافحة في سبيل أن يبقى هذا الحب خالدًا للأبد في قلوبهم الندية. وهي في الأصل للكاتب برناردين دي سان بيير من أدباء القرن التاسع عشر في فرنسا وكتبت في العام 1789م. - رواية الشاعر هي في الأصل بعنوان «سيرانو دي برجراك» عن الشخصية بنفس الاسم للكاتب الفرنسي أدموند روستان، وقد نشرت بالعربية في العام 1921. - رواية تحت ظلال الزيزفون صاغها المنفلوطي بعد أن ترجمها من الفرنسية وجعلها بعنوان مجدولين وهي للكاتب الفرنسي ألفونس كار. وثالث هؤلاء الفرسان هو : محمد حسين هيكل (1888 – 1956م) شاعر وأديب وسياسي كبير مصري، ولد في 20 أغسطس 1888م الموافق 12 ذو الحجة 1305ه في قرية كفر غنام في مدينة المنصورة، محافظة الدقهلية، مصر. كان عضوًا في لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923، أول دستور صدر في مصر المستقلة وفقًا لتصريح 28 من فبراير 1922م. لما أنشأ حزب الأحرار الدستوريين جريدة أسبوعية باسم السياسة الأسبوعية عين هيكل في رئاسة تحريرها سنة 1926. اختير وزيرًا للمعارف في الوزارة التي شكلها محمد محمود عام 1938م، ولكن تلك الحكومة استقالت بعد مدة، إلَّا أنه عاد وزيرًا للمعارف للمرة الثانية سنة 1940م في وزارة حسين سري، وظل بها حتى عام 1942م، ثم عاد وتولى هذا المنصب مرة أخرى في عام 1944م، وأضيفت إليه وزارة الشئون الاجتماعية سنة 1945م. اختير سنة 1941م نائبًا لرئيس حزب الأحرار الدستوريين، ثم تولى رئاسة الحزب سنة 1943م، وظلَّ رئيسًا له حتى ألغيت الأحزاب بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952. تولى رئاسة مجلس الشيوخ سنة 1945م وظل يمارس رئاسة هذا المجلس التشريعي حتى يونيو 1950م حيث أصدرت حكومة الوفد المراسيم الشهيرة التي أدت إلى إخراج هيكل وكثير من أعضاء المعارضة من المجلس نتيجة الاستجوابات التي قدمت في المجلس وناقشت اتهامات وجهت لكريم ثابت أحد مستشاري الملك فاروق. تولى أيضًا تمثيل السعودية في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945م، كما رأس وفد مصر في الأممالمتحدة أكثر من مرة. وتوفي يوم السبت 5 من جمادى الأولى 1376ه الموافق 8 من ديسمبر 1956م عن عمر يناهز 68 عامًا. بعد أن أرسى هيكل فن الرواية العربية بروايته «زينب» ذهب بعد ذلك إلى مصادر الإسلام الأولى فألقى عليها أضواءً جديدة ، وقد تفوق هيكل في الكتابة التاريخية لاتساع نظرته ودقة بحثه فكتب حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وكتب في منزل الوحي ، والصديق أبا بكر ، وكتب الفاروق عمر (في جزأين) ، وكتب عثمان بن عفان (بين الخلافة والملك) . ثم رجع هيكل أخيرًا إلى كتابة القصة ، فأخرج في سنة 1955م قصة «هكذا خُلقت»، وهي قصة طويلة تقصُّ حياة امرأة مصرية عصرية أُصيبت بشذوذ الغيرة ، واضطربت بهذا الشذوذ في محيط الدعوة الجديدة إلى الحرية السوية ، وسلطته على حياتها الزوجية فحطمها مرتين كما يحطم الطفل لعبته ... ويتابع هيكل بعد ذلك كتابة القصة القصيرة وينشرها في الصحف الأسبوعية ... وما يلبث أن يلبي داعي ربه في ديسمبر سنة 1956م، ورثاه الكثيرون من علماء الأمة وأدبائها، وقد جُمع ما قيل فيه من تأبين ورثاء في كتاب يحمل اسمه، وقد طبع في القاهرة سنة 1958م ، ولعبد العزيز شرف كتاب «الدكتور محمد حسين هيكل في ذكراه» نشرته دار المعارف في سلسلة اقرأ ، غير ما كتبه عنه الراحل الدكتور شوقي ضيف والدكتور عبد المحسن طه بدر ، والدكتور أحمد هيكل ، والدكتور علي الراعي وغيرهم من الرواد ... وكانت البداية التاريخية مع «الفاروق عمر» . والذي يعد - بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد خليفته أبي بكر - من أعظم الشخصيات الإسلامية العربية ، وهو بحق يُعَدُّ مؤسس الإمبراطورية الإسلامية والكتاب الثاني هو «الصِّديق أبو بكر»:في عصر النبوة كانت له مواقفُ كبيرة، فَشَهِدَ الوقائعَ والغزوات مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واحتملَ الشدائدَ، وبَذَلَ الأَمْوَالَ.. وبُويِعَ بالخلافَةِ يومَ وفاةِ النبي صلى الله عليه وسلم سنة 11 هجرية.. فَحَارَبَ المُرْتَدِّينَ والمُمْتَنِعِينَ من دَفْع الزكاة. وهو الذي قَرَّرَ غَزْوَ الشَّام كما قرر غزو العراق، وهو الذي سَيَّرَ الإمداداتِ إليهما.. وفي أيامه افتُتِحَتْ بلادُ الشامِ وقِسْمٌ كبير من العراق، وأَنَّ ما تَمَّ من نَصْرٍ على الروم والفُرْسِ في عهده كان أساس الإمبراطورية الإسلامية... ومن أشهر قُوَّادِهِ خالد بن الوليد، القائد المظفر في حربِ الرِّدَّةِ وفي فتح العراق وفتح الشام، وأبو عُبيدة بن الجَرَّاح، وعَمْرو بن العاص، ومُعاذ بن جَبَل، ويزيد بن أبي سفيان، وأَخُوهُ معاوية، وعِكْرِمَة ابن أبي جهل، وشَرَحْبِيل بن حَسَنَة، والعلاء بن الحَضْرَمِيّ، وغيرهم من القُوَّاد الأبطال. وثالث الكتب لمحمد حسين هيكل هو «في منزل الوحي». يقول د. صلاح فضل في تقديمه للسلسلة إنها تمثل نافذة لمن يريد أن يتعرف على العقل العربي في أوج توهجه، وعلى لغة العلوم والآداب والفنون. وعن معايير اختيار الكتب الكلاسيكية التي يتم اختيارها في السلسلة، يحددها د. فضل في: إجماع أهل الذكر من العلماء والأدباء على أهميتها وتقدمها على غيرها. واعتراف الأجيال المتتالية بها، وبناؤهم على أسسها المعرفية والفنية. وتقديمها لأفضل ما يمكن أن يتعرف به الآخر علينا عند ترجمتها إلى اللغات الحية المختلفة. يقول الناشر محمد رشاد: سألت نفسي سؤالًا لماذا يهتم الغرب بتقديم تراثه دائمًا في طبعات عصرية، ويقدمها تقديمًا جديدًا للشباب هناك، ونحن هنا لا نفعل الأمر نفسه مع شبابنا، بل إن بعضنا يحاول تقديم التراث الغربي على أنه التراث الوحيد للإنسانية وتلك مغالطة، فلدينا نحن أيضًا تراثنا العظيم الذي يستحق التقديم. وأخيرًا، ومع بروز الإسلام في الجدل العام السياسي والاجتماعي، ومحاولة البعض تقديم صورة مشوّهة عنه ، رأينا أن نقدّم إنجازات الحضارة الإسلامية في الثقافة والأدب، التي تدل على رحابة واتساع وتسامح هذا الدين الجليل للأجيال الجديدة لوضعهم في قلب الصورة الصحيحة له حتى لا يقعوا في التطرف والتعصب .