ما يحدث في مصر هذه الأيام هو تصحيح لمسار كان من المفروض أن يسلكه نظام الإخوان الذي أتته الفرصة على طبق من فضة، لكي يجعل للإسلام مكانة عالية بين شعوب الأرض إذا كان انتهج منهج الإسلام المعتدل وعدل بين كل الناس (دون إقصاء لأحد)، لكنه مع الأسف سار على درب النظام السابق لمبارك وأعوانه ممن طمعوا في السلطة واستحوذوا على كل شيء لصالح مصالحهم ومصالح الحزب الواحد، وكان ذلك هو خطأ الرئيس المعزول والإخوان في حق أنفسهم وفي حق الشعب وسقوطهم كان أسرع مما كنا نتوقع! الجمعة الماضية ذهبت لزيارة أحد الأقارب القاطن في منطقة صلاح سالم، وما أن وصلت إلى طريق صلاح سالم من الخلف أمام فندق سونستا، إلا ووجدت أنصار الرئيس المخلوع تحتشد أمام بوابات دار الحرس الجمهوري آملين في تحريره اعتقادا منهم أن الرئيس بالداخل. ومن ناحية أخرى، أغلقت القوات المسلحة بالأسلاك الشائكة الطريق المؤدية للحرس الجمهوري، وكان المتظاهرين من المؤيدين للدكتور مرسي يقومون ببعض الاستفزازات للقوات المسلحة واستخدام بعض الشعارات المنددة بالجيش ووزير دفاعه الفريق أول عبد الفتاح السيسي، "لا يا سيسي إنت مش رئيسي" ولا أعلم من أين أتوا بهذه المعلومة واندهشت أكثر من شعارات بعضهم حينما رددوا: "أسقطوا مرسي.. أسقطوا الإسلام". وقد ألمني كثيرا ما رأيت من شباب زي الورد ممسوح المخ لا يقدر على فهم الأمور ووضعها في نصابها الحقيقي، بل لا يستطيع مجرد التفرقة بين شرعية الشعب ومطلب جموعه بإسقاط نظام أدركوا أنه مستبد وبين تأييدهم لجماعة فشلت في إدارة البلاد, أما أن يعترفوا بسقوط الإسلام وليس مرسي، فهذه كارثة. الرسول عليه الصلاة والسلام حين توفي، فقد خرج سيدنا أبو بكر على الناس قائلا: "من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت".. وفي قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه، فلن يضر الله شيئا".. صدق الله العظيم. نعلم جيدا مشاعر إخواننا من أنصار المعزول في رابعة العدوية والنهضة وكل ميادين مصر ونلتمس لهم العذر، لكن عليهم التفكير والتأمل في الأحداث وفي مستقبل ومصلحة مصر أولا وليس التشبث بالرجل، كنت ممن اختاروا الرئيس مرسي، وكنت قد وعدت أنني لو رأيت اعوجاجا في سلوكه سوف أكتب، وأعتقد أن قرائي يشهدون على انتقاداتي له ولحكومته وتحذيراتي المتكررة من هذا المنبر، وكنت أمل أن يستمع إلي أو لأي أحد ولكنهم لم يسمعوا إلا أنفسهم، بالأسف النتيجة كانت هذا السقوط السريع! أما لهجة خطاب الرئيس الأخيرة كانت أبلغ دليل على عدم الالتفات لمعارضيه، فجاءت تحذيرية وبها قدر من التخويف وهو ما لقي غضب المعارضين، فكان تحديه ليس فقط للمعارضة وإنما رفض الأجهزة التنفيذية في الدولة الشرطة والجيش والقضاء والإعلام والشعب له، وكان قريب الشبه بما فعله حسني مبارك في خطابه قبل الأخير، وسرعان ما حضر هذا المشهد في ذهن الجميع، لذلك سقط سريعا. نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبطبيعة الحال شعبنا المصري العظيم شعب متدين وتكبيرات ميدان التحرير والاتحادية حيث كنت هناك كانت أصدق دليل على انتماءات هذا الوطن الدينية، فأبدا لن يشكك أحد في الهوية الإسلامية لهذا الشعب.. وشعب مصر العظيم بكل طوائفه يحفظ دينه سواء كان مسلما أو مسيحيا! لابد أن يعلم كل المصريين أن عصر تأليه وعبودية الرئيس قد مات، وعلى أي رئيس يتولى الحكم، أن يعي الدرس جيدا ويتعلم من أخطاء السابقين، كما عليه أن يدرك أن الشعب المصري قد نضج، ولكن يقبل بطاغية ثانية، وسيكون مصيره إذا انحرف عن المسار الشعبي والجماهيري، تماما مثل من سبقوه.. "مخلوع". [email protected] لمزيد من مقالات ريهام مازن