بعد أن ظلت إفريقيا مهملة في اهتمامات الرئيس الأمريكي باراك أوباما طوال الخمس سنوات الماضية من حكمه, باستثناء زيارة قصيرة لغانا عام2009, جاءت جولته الأخيرة للسنغال وجنوب أفريقيا وتنزانيا كمحاولة لإصلاح ما سبق واستعادة لعري العلاقات بين أمريكا وإفريقيا, واتخذت الجولة غطاء ديمقراطيا لكنها استهدفت بالأساس تحقيق مصالح اقتصادية. فالجولة في ظاهرها حملت نوايا ورغبة أمريكية في دعم التنمية الأفريقية ومحاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد وتأكيد التزام أمريكا بانحيازها لخيارات الشعوب الأفريقية في اختيار حكامها الذين يبغون خدمة تلك الشعوب وهو ما عكسته كلمته في جامعة جوهانسبرج, لكن الخطاب الأمريكي حول الديمقراطية لم يجد المصداقية الكافية لدي شعوب الدول الثلاث التي زارها وهي تدرك أن أمريكا دعمت الكثير من الأنظمة الطاغية والمستبدة وتقوم بسياسات تدخلية في كثير من دول القارة عبر القوة العسكرية لحماية مصالحها بالأساس, كما ان التوقعات بأن يلقي أوباما, دول الاصول الإفريقية لأب كيني, الحفاوة تراجعت مع إهمال القارة لسنوات طوال من رئاسته وانشغاله بقضايا أخري مثل الإرهاب والأوضاع في العراق وأفغانستان وثورات الربيع العربي والأزمات الاقتصادية في بلاده. لكن الجولة في باطنها الحقيقي تكشف عن محاولة الولاياتالمتحدة إنقاذ ما أفسدته سنوات الإهمال تجاه إفريقيا من تأثير سلبي علي مصالحها الاقتصادية والتجارية, حيث ملأت دولا كبري وصاعدة مثل الصين والبرازيل والهند وتركيا وروسيا, الفراغ الأمريكي لتدخل بكل أدواتها السياسية والاقتصادية والثقافية القارة وتسعي للاستفادة من موارها الطبيعية الهائلة ومعدلات النمو والاستثمار الواعدة فيها, فقد أضحت الصين الشريك التجاري الأول لإفريقيا حيث زادت استثماراتها وصادراتها إلي القارة والاستحواذ علي النصيب الأكبر من عقود التنمية والإعمار فيها, خاصة في مجال البنية الأساسية, ولذلك لم يكن غريبا أن تأتي جولة أوباما بعد أسبوعين من جولة الرئيس الصيني شي جينج بنج لتنزانيا وجنوب إفريقيا, وهما الدولتان اللتان تمتلكان موارد هائلة في مجال النفط والمعادن مثل الذهب واليورانيوم. ومن ثم تحاول الولاياتالمتحدة ضمان تواجدها الاقتصادي في ظل تزايد التنافس الدولي علي هذه القارة الواعدة, وأضحت المخرج المحتمل من شرنقة الأزمات الاقتصادية العالمية بموارها وفرص الاستثمار فيها. وقد وجدت أمريكا أن تواجدها العسكري في إفريقيا سواء عبر قاعدة أفريكوم لمحاربة الإرهاب أو مساعيها لمحاصرة تنظيم القاعدة والتطرف الديني في العديد من دول القارة في الصومال ومالي ومنطقة الصحراء الكبري, ليس كافيا فقط لحماية مصالحها, بل إنها أخذت توسع من مفهوم المصلحة القومية لها في إفريقيا من المفهوم الأمني الضيق إلي المفهوم السياسي والاقتصادي الأوسع ومحاولة إعادة القارة مرة أخري لمقدمة أجندتها الخارجية. وكغيرها من الدول الكبري فإن الولاياتالمتحدة تحاول النفاذ إلي أفريقيا عبر مدخل القوة الناعمة مثل مبادرة الرئيس السابق جورج بوش بإنشاء مركز صحة لمواجهة مرض الإيدز في إفريقيا, كذلك ما أعلنه الرئيس أوباما خلال زيارته لتنزانيا من تفعيل المبادرة الأمريكية لدعم النمو الاقتصادي لأفريقيا من خلال التركيز علي زيادة استفادة أبناء القارة من الطاقة الكهربائية المستدامة والرخيصة عبر برنامج يتكلف سبعة مليارات دولار, كذلك وعد أوباما بإصدار تشريع من الكونجرس لمنح المنتجات الأفريقية المعاملة التفضيلية للدخول للأسواق الأمريكية. وهنا في أمريكا برزت انتقادات عديدة من أعضاء في الحزب الجمهوري وفي وسائل الإعلام حول التكلفة المالية الباهظة لجولة أوباما والتي قاربت100 مليون دولار لتأمين حماية الرئيس وعائلته في وقت تطالب فيه الإدارة الأمريكية بالتقشف الحكومي وتخفيض زيارات المسئولين الأمريكيين الخارجية. لكن رغم ذلك فإن جولة أوباما وإن لم تفض إلي نتائج جوهرية تتناسب وكونها الجولة الأولي لإفريقيا بعد سنوات عجاف, إلا أنها تمثل بداية تصحيح العلاقات الأمريكية الإفريقية, وتؤكد حاجة أمريكا للأفارقة بأكثر من حاجتهم لأمريكا في ظل صراع المصالح بين الدول الكبري والذي تدور رحاه الآن في الساحة الإفريقية.