يبدو أن الشعوب الإفريقية أصيبت بخيبة أمل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي تعلقت عليه الكثير من الآمال الأفريقية كأول رئيس أمريكي أسود، لا سيما لأنه على دراية بتاريخ أفريقيا، ولكن كانت خيبة الأمل هي الواقع الذي رأته أفريقيا في أوباما ذي الجذور الأفريقية نتيجة سياسته الخارجية التي اتسمت ب "الأنانية والقمعية". وخير دليل على ذلك تلك المسيرات التي نظمها متظاهرون في "بريتوريا" عاصمة جنوب أفريقيا قرب المستشفى التي يعالج فيه الرئيس الأسبق نيلسون مانديلا، احتجاجاً على زيارة أوباما لبلادهم ضمن رحلته الثانية إلى أفريقيا، وحملوا لافتات تندد بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفي التاريخ المعاصر، أخذ الاستعمار الغربي في الدول الأفريقية شكلاً جديداً من خلال التوغل الرأسمالي لهذه الاقتصاديات الغربية، عبر ذراعها من الشركات المتعددة الجنسية العملاقة التي تحتل مكانة أقوى في الدول الأفريقية، كما هي الميزة في باقي البلدان النامية، حيث يمكن أن تلعب دوراً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذه الدول، مما يؤدى إلى نتائج سلبية في مختلف المجالات، خاصة على النشاط الاقتصادي الذي يعكس قوة الدولة ومدى استقرارها السياسي. زيارة خاطفة وباستثناء زيارة خاطفة لغانا في يوليو 2009، لم يزر أوباما أفريقيا مطلقًا خلال ولايته الرئاسية الأولى، مما أدى إلى خيبة أمل القارة التي فرحت بأول رئيس أسود في تاريخ الولاياتالمتحدة. وإذا كان أوباما قد أعلن في 2009 من غانا أن "الدم الأفريقي يسيل في عروقي. تاريخ أسرتي يشمل المآسي والانتصارات في تاريخ أفريقيا الأوسع"، فيبدو أنه سرعان ما ابتعد عن القارة التي ينحدر منها. وفي المقابل، دافع البيت الأبيض عن جدوى الجولة الأفريقية التي يقوم بها الرئيس الأمريكي أوباما حالياً، لكنه رفض التطرق إليها من زاوية تكلفتها على دافع الضرائب، بعد معلومات صحفية صدرت عن ذلك. كما لا يزال مستشارو الرئيس الأمريكي يدركون أن الفرص الاقتصادية وموارد الطاقة في القارة الأفريقية بدأت تستحوذ على اهتمام خصوم أول دولة عظمى في العالم، وعلى رأسهم الصين التي أصبحت في 2009 أول شريك للقارة بعد منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ومع ذلك يبقى البلد الغائب عن جولة أوباما الأفريقية هو كينيا مسقط رأس والده، الذي يلاحَق رئيسه من المحكمة الجنائية الدولية. الاستعمار الجديد ولطالما كانت أفريقيا المائدة الغنية بالموارد التي تكالبت عليها الدول الاستعمارية القديمة والحديثة، فاستخرجت تلك الدول الموارد من أفريقيا ولم تبن فيها أية قاعدة إنتاجية مستدامة زراعية أو صناعية أو خدمية، بل إن الزراعة التي تم الاهتمام بتنميتها إنما كانت من أجل توفير المواد الأولية للصناعات في المناطق المستعمرة. لقد استخدم المستعمرون المساعدات إلى البلدان النامية في أفريقيا وغيرها، من أجل استغلال الموارد فيها، ومن أجل تثبيت هيمنتهم عليها في إطار الصراع الدولي الذي كان طاغياً في معظم القرن العشرين، ومرة أخرى تستمر أفريقيا في كونها مصدراً للاستغلال، حيث تتنافس الدول على مواردها، وتستخدم المساعدات من أجل تسهيل عملية الاستغلال. ومن الجانب الآخر، يأمل مسئولون في البيت الأبيض أن تعوض زيارة أوباما لأفريقيا ما يرى البعض أنها أعوام من الإهمال من جانب أول رئيس أمريكي أسود، على أمل إعادة الاهتمام بالقضايا الظاهرية التي يرغب البيت الأبيض في تسليط الضوء عليها خلال جولة أوباما التي تستمر ثمانية أيام هي الأمن الغذائي وإجراءات مكافحة الفساد في محاولة تغطية الهدف الحقيقي وهو تدعيم الفرص التجارية للشركات الأمريكية. وفي محاولة لتغطية هذا الهدف الخفي، قال الرئيس أوباما في ختام زيارته للسنغال :"إن واشنطن عليها واجب أخلاقي يقضي بمساعدة أفقر قارة في العالم على تحرير نفسها. حيث اجتمع أوباما قبل أن يغادر العاصمة السنغالية "دكار" مع المزارعين وأصحاب المشاريع لمناقشة التقنيات الحديثة التي تسهم في زيادة الإنتاج الزراعي في منطقة غرب أفريقيا (وهي من أكثر مناطق العالم تخلفاً في التنمية وتعرضاً للجفاف). شبهات أمريكية وفي معرض التداعيات الجديدة التي كشفتها ردود الفعل للشعوب الأفريقية على زيارة أوباما، أثار ازدياد المصالح الأمريكية في أفريقيا الكثير من الشبهات حول الأهداف الحقيقية للولايات المتحدةالأمريكية من وراء هذه الزيارة، وذلك لكون أمريكا (ومن خلال سياسة الاحتواء التي اتبعتها تاريخياً في فترة الحرب الباردة) قد دعمت قادة دكتاتوريين ومولت ميليشيات تستخدم أساليب عنيفة جداً، إلى جانب عدم تشجيعها للحركات التحررية في أفريقيا. وبالتالي لن ينسى الكثير من المثقفين والقادة السياسيين الأفارقة هذا الدور التاريخي للولايات المتحدةالأمريكية، لذا؛ يعتقدون أن الهدف الحقيقي من وراء إنشاء الجذور الأمريكية العسكرية في أفريقيا هو حماية المصالح النفطية ل"أمريكا" في القارة الأفريقية واحتواء النفوذ الصيني المتصاعد في القارة. وعليه يبقي في الختام أنه ما لم تتخذ إجراءات جذرية لمواجهة هذا الصراع المحموم على القارة الأفريقية، سيذهب التقدم الذي حققته أفريقيا في التسعينيات ونهاية القرن المنصرم أدراج الرياح، ولعل هذه المخاوف تجد طريقها عند الإشارة لاستغلال الشركات المتعددة الجنسيات لموارد الذهب والنفط في "تنزانيا"، فإذا ما قسنا الوضع هنا ببلدان أخرى، فإن أمريكا بحاجة لإنشاء قاعدة عسكرية في "تنزانيا" من أجل ضمان السيطرة التامة على هذه الموارد الحيوية، فضلاً عن الاستمرار في نهب مناجمنا الذهبية، وما تقوم به منظمة الأفريكوم الأمريكية.