تمكن الاقتصاد المصري من الصمود منذ يناير2011 حتي الآن بالرغم من الخسائر الجسيمة التي لحقت به تمثلت في تدهور معدل النمو وتراجع احتياطي العملات الأجنبية وتزايد عجز الموازنة العامة وتضخم حجم الدين الداخلي والخارجي وتزايد نسبة البطالة وأيضا بالرغم من الأمراض المزمنة والاختلالات الهيكلية الموروثة, إلا أن استمرار تلك القدرة علي الصمود هو محل شك كبير إذا استمرت الأوضاع علي ما هي عليه الأمر الذي ينذر بأن الأسوأ لم يأت بعد ما لم تبدأ خطوات علاجية في أسرع وقت ممكن. كشفت السنة الماضية عن الملامح الرئيسية لرؤية الحكومة للمشكلة الاقتصادية وخطتها للتعامل معها فمن خلال ما أعلن عن موازنة العام المالي2014/2013 وقانون الصكوك ومشروعات قوانين إقليم قناة السويس والضرائب, بالإضافة إلي التصريحات المعلنة يتبين أن التوجه العام هو ليس فقط التعايش مع العجز القائم بالموازنة العامة وميزان المدفوعات بل أيضا زيادتهما وبالتالي زيادة الدين العام المحلي والخارجي وعدم مواجهة المشكلات بحلول جذرية أو تأجيل مثل تلك الحلول لاعتبارات غير اقتصادية مع الرهان علي الاستثمار الخاص الذي يؤمل في تدفقه سواء من الخارج أو الداخل والذي يمكن بواسطته تشغيل العاطلين وزيادة الانتاج, وزيادة حصيلة الضرائب, وتحقيق فائض بميزان المدفوعات, وعلي ما يبدو تفترض هذه الاستراتيجية أن تلك الاستثمارات سترد بالفعل اعتمادا علي ما تتوقعه من استقرار للأوضاع السياسية والأمنية وعلي التفاهمات السياسية مع بعض الدول, وكذلك علي استمرار تدفق العملات الأجنبية المصاحبة للنشاط السياحي وتفترض أيضا عدم وصول الدين العام الداخلي والخارجي لمرحلة الخطر قبل تدفق الاستثمارات وظهور نتائجها المرجوة وعدم انفجار الوضع الداخلي تحت وطأة الضغوط الحياتية, بالإضافة إلي إمكان اتخاذ القرارات الصعبة لتقليل الدعم بعد انتخاب مجلس النواب المقبل. ولكن الأمور تسير في اتجاه مغاير لهذا السيناريو الأمثل فحتي الآن لا تلوح في الأفق أي إشارة لاستجابة القطاع الخاص المحلي والخارجي للدعوات الحكومية للاستثمار فقد بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في كل من العامين الماليين الماضيين نحو ملياري دولار مقارنا بنحو سبعة مليارات دولار في العام2010/2009 وتراجع النمو بالناتج المحلي الإجمالي إلي نحو2% في العامين الماضيين وهو أدني معدل نمو حقيقي منذ عام1968 ويقل عن معدل نمو السكان أي أن هناك انخفاضا بمتوسط الدخل الحقيقي للفرد, ومن ناحية أخري بلغ صافي الدين العام المحلي الإجمالي بنهاية يونيو2012 مبلغ931 مليار جنيه وكانت قيمته بنهاية يونيو2011 مبلغ741 مليار جنيه فقط, وتشير أرقام السنة المالية الحالية إلي زيادته بمعدل غير مسبوق حيث سيبلغ نحو2 و1 تريليون جنيه بزيادة تقرب من الثلاثمائة مليون جنيه خلال العام المالي الحالي وحده أي أن الزيادة في صافي الدين العام المحلي خلال العامين الماضيين المقدرة بنحو460 مليار جنيه تزيد علي هذا الدين بكامله في يونيو2009, كما سيبلغ الدين الخارجي نحو42 مليار دولار بزيادة بلغت نحو20% خلال عام واحد وهي زيادة لم تشهدها البلاد منذ اتفاقات نادي باريس في أوائل التسعينيات. وبالإضافة إلي ذلك فإن استمرار النشاط السياحي أصبح محل شك كبير مع استمرار تردي الوضع الأمني إلي الدرجة التي دفعت وزير السياحة للتهديد بإغلاق المنطقة السياحية بالأهرامات إذا استمر الانفلات الأمني, كما أن استمرار المساعدات من الدول الأجنبية لا يمكن ضمان استمرارها فحتي مع استمرار العلاقات الجيدة مع هذه الدولة أو تلك فإن استعدادها للمساعدة ليس بلا حدود, بالإضافة إلي أن تلك المساعدات قد تمثل حلا مناسبا لأزمة طارئة في السيولة اللازمة لمواجهة طلبات أساسية, ولكنها لاتمثل حلا لأسباب تلك الأزمات ولا مانعا لتكرار حدوثها فبمجرد استنفاد حصيلة المساعدات سيعود الموقف ليس فقط لما كان عليه قبل الحصول عليها بل أسوأ نظرا لزيادة المديونية الخارجية, وهو ما ينذر بتفجر الوضع الاقتصادي وخروج الأمور عن السيطرة إذا استمرت طرق المواجهة علي ما هي عليه. إذن فبدون تهويل فإن صورة الاقتصاد المصري مقلقة إلي أبعد الحدود وأكثر ما يثير القلق هو أسلوب الحكومة في التعامل مع تلك الأوضاع, فبالإضافة إلي أن الافتراضات التي تقوم عليها السياسات الاقتصادية المتبعة لاتخضع لإرادة الحكومة تماما بل هي أقرب إلي التمني كالاستقرار السياسي المطلوب لقدوم الاستثمارات والتفاهمات السياسية مع بعض الدول المانحة أو المقرضة فإن تأجيل المواجهة الحقيقية يعني استفحال المشكلات إلي الحد الذي يصبح حلها أكثر صعوبة وأعلي تكلفة, فالدين العام الداخلي والخارجي والبطالة وانخفاض الاحتياطيات الدولية وتدهور سعر الصرف وضياع الأراضي الزراعية كلها مشكلات تتعقد ويزداد حلها صعوبة يوما وراء الآخر. وهكذا يتضح الرهان الخاسر الذي تراهنه الحكومة علي تأجيل حل المشكلات الاقتصادية وعدم المواجهة المباشرة لها فقد تزداد الأوضاع السياسية والأمنية سوءا وقد تنفجر في الوقت الذي تراهن فيه الحكومة علي استقرارها, فلا نحصد من التأجيل سوي المزيد من التعقد. لمزيد من مقالات جمال وجدى