في توقيت صعب يمر فيه حوض النيل بمواقف دقيقة نتيجة اختلاف في وجهات النظر. سواء الفنية أو البشرية وعقب اجتماع وزراء حوض النيل في جوبا عاصمة جنوب السودان حاور الأهرام أيمن الجمال سفير مصر في جنوب السودان. وطرحنا عليه جميع القضايا المطروحة علي الساحة في حوض النيل والتعاون المشترك بين حكومتي مصر وجنوب السودان. كيف تري الدور المصري في ملف المصالحة بين شمال وجنوب السودان وماذا عن التعاون مع جوبا؟ مصر تولي ملف المصالحة بين السودان والجنوب السوداني اهتماما, خاصة أن هناك حاليا مبادرة مصرية للمصالحة بين البلدين لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات الحالية, وأن السدود المائية الأربعة الجديدة المزمع إقامتها في بحر الجبل علي النيل الأبيض بجنوب السودان في مناطق لاكي وبدين وشوكولي وفولا, هي سدود صغيرة لتوليد طاقة كهرومائية تمت دراستها والاتفاق علي إقامتها بين مصر والسودان, وذلك قبل استقلال الجنوب, موضحا أن المشكلة التي تواجه هذه السدود هي مشكلة التمويل فقط, كما أن وزارة الري قامت بتقديم منحة بنحو مليون دولار لإعداد دراسات لإقامة سد صغير متعدد الأغراض بمدينة واو, وهذا ضمن المشروعات المتفق عليها التي تسهم مصر في تكلفة الدراسات الخاصة بها. كيف تقيم وضع جنوب السودان من اتفاقية عنتيبي؟ جنوب السودان يري أن انضمامه لاتفاقية عنتيبي سيمكنه من لعب دور الوسيط علي نحو أفضل لكن مصر تري أنه في حال توقيعهم علي الاتفاقية فهم يتبنون نهجا مغايرا لدول المصب وبالتالي يصعب عليهم القيام بدور الوسيط. ويوضح أن البعثة الدبلوماسية في جوبا تعمل علي توضيح الموقف المصري بشكل متكامل لجنوب السودان لأن بعض الإجراءات التي قد تتخذها مصر تكون أحيانا في ظاهرها تتعارض مع مواقف جنوب السودان, لكن في واقعها ليست ضده, وإنما هي إجراءات متخذة في إطار الاتفاقية ودعم التعاون معها لحين التفاوض علي النقاط الخلافية وحول الإجراءات التي قامت بها السفارة المصرية لإعادة مقر بعثة الري بجوبا الذي تم الاستيلاء عليه أكد السفير أنه بعد مرور أكثر من عام تم تدارك الموقف وتم إعداد وتحرير المستندات الدالة علي ملكية الري لقطعة الأرض, وتم إرسالها إلي وزارة العدل, وبناء عليه سيتم رفع قضية لإعادة قطعة الأرض. وماذا عن قناه جونجلي كأحد الحلول المطروحة لاستقطاب الفواقد المائية بالنيل الأبيض؟ منطقة جونجلي مازالت من أكثر مناطق الصراعات في جنوب السودان وبالتالي من الصعب للغاية اتخاذ أي مبادرات حيالها حتي الآن, هذا, بالإضافة إلي أنه صدر تقرير منذ عدة سنوات, مشيرا إلي وجود بعض الآثار البيئية السلبية لقناة جونجلي, وهناك خلاف حول النواحي الفنية لهذا التقرير ولدينا توجه بإجراء دراسة بيئية جديدة بالتنسيق مع جنوب السودان وعلينا دراسة التدابير اللازمة لمعالجة هذه السلبيات, مؤكدا أن نحو70% من أعمال حفر القناة البالغ طولها360 كيلومترا انتهت, لكن أجزاء كبيرة منها تحتاج إلي إعادة التأهيل قبل البدء في الجزء المتبقي نتيجة لإهمالها منذ عقود, ولكن جنوب السودان لا توجد لديها مشكلة مياه وبالتالي لا تفكر في مشروع قناة جونجلي علي الإطلاق, فمثلا لو أرادت مصر حفر القناة فلابد من تعويض جنوب السودان بمشروعات تنموية, فمثلا تمت عمل دراسات بأن تأخذ مصر مياه قناة جونجلي مقابل أن تقوم مصر بتنمية المنطقة فوجدنا ان التكلفة عالية جدا فتم صرف النظر عن المشروع لافتا ان هناك مشروع البارو أكوبو من استقطاب الفواقد والذي يوفر لمصر نحو4 مليارات متر مكعب من المياه. ما الصعوبات التي تواجه الاستثمار في جنوب السودان؟ بالرغم من أن بيئة جنوب السودان صالحة للاستثمار الجديد والواعد فإنه مازالت هناك بعض الصعوبات التي تواجه المشروعات الاستثمارية الكبري, لاسيما في توليد الطاقة وضعف شبكة الطرق لنقل المنتجات عبر البلاد للأسواق الخارجية مما يؤدي إلي ارتفاع تكلفة الإنتاج, لافتا أن مصر كانت ومازالت تولي جنوب السودان اهتماما كبيرا من أجل تنمية البلاد ومساعدتها في النهوض قدر الاستطاعة وفي هذا الإطار تم تنفيذ مشروعات استثمارية مصرية بالجنوب في عدة مجالات صناعية بنحو500 مليون دولار منها مشروعات سياحية وفي مجالات المياه والصرف الصحي. وماذا عن التعاون مع مصر ؟ مصر وقعت مع جنوب السودان في نهاية شهر مايو الماضي عقد تنفيذ مشروع مزرعة سمكية نموذجية هي الأولي من نوعها في جنوب السودان وتعد البداية لمشروعات أخري بمجالي الثروة السمكية والحيوانية, لاسيما أن مصر تعتزم إنشاء مجزر آلي لتمكين جنوب السودان من الاستفادة من ثروتها الحيوانية. وفي مجال الزراعة هناك شركة مصرية استأجرت مساحة220 ألف فدان في ولاية الوحدة لإقامة مشروعات زراعية مشيرا إلي أن هناك اهتماما كبيرا من جانب رجال الأعمال المصريين للاستثمار في جنوب السودان وتشجعهم الدولة علي الاستثمار هنا.. ومنهم علي سبيل المثال إحدي الشركات المصرية العاملة في مجال الكهرباء التي أعربت عن استعدادها لتمويل مشروعات للكهرباء تقدر بنحو200 مليون دولار بالتعاون مع وزارة الكهرباء الجنوبية ومن المنتظر أن يعلن عن تفاصيل هذا المشروع قريبا فور التوقيع النهائي بين الجانبين, وأن هناك مجموعة من المستثمرين يقيمون حاليا مشروعا لإنشاء منتجع سياحي وسوق تجارية تنفذه حاليا, وأخري تنشئ مصنعا لإنتاج مواسير الصرف الصحي لبناء محطة لتنقية المياه بطاقة250 ألف متر مكعب وتطوير شبكتي المياه والصرف الصحي في جوبا وهناك مشروعات لتصدير المنتجات المصرية لمستثمرين صغار في إطار ما يعرف بتجارة الحاويات أو مستثمرين كبار مثل شركة دولي التي تقوم بتصدير المكرونة والصلصة لجنوب السودان, وتستحوذ علي حصة سوقية تتراوح ما بين60% و70%. وما هو تقييمكم لموضوع سد النهضة؟ إن زيارة وزير الخارجية المصرية محمد كامل عمرو إلي أديس أبابا لنزع فتيل الأزمة الحالية وهي أزمة التصريحات التي أشعلت الموقف بين البلدين وفتح الطريق للخروج من هذه الأزمة, مشيرا إلي أن عملية التفاوض مع إثيوبيا ستكون صعبة للغاية وتحتاج الي تركيز كبير.. وقال إن هناك امورا كثيرة في التفاوض بين البلدين لابد وأن تتم بعيدا عن أعين الإعلام لإعطاء فرصة للمفاوضين للجلوس مع بعضهم وليدرسوا تقرير اللجنة الفنية, فالرأي الفني مهم جدا ولابد من أن نرجع إلي الجزء الفني حتي نوضح الموقف السياسي, فنحن لا نقدر أن نبني رأيا سياسيا في موضوع السد إلا إذا كان مبنيا علي رأي فني سليم, مؤكدا أن الدراسات الفنية اخرجت اشياء كنا نحن كسياسين لا علم لنا بها, وأن المشكلة تتمثل في أن الإثيوبيين تعاملوا معنا بسياسة الامر الواقع, لذلك يجب علينا إيجاد وسائل مناسبة للخروج من الازمة من خلال التوافق. وماذا عن مشروع ربط الملاحة في نهر النيل بداية من بحيرة فيكتوريا وحتي البحر المتوسط؟ إن هذا الخط سيسهم كثيرا في سهولة حركة نقل البضائع, لاسيما أنه لا يتأثر بمواسم الأمطار التي تكون لها تأثيرات سلبية علي الطرق, خاصة في جنوب السودان, لأن غالبية طرقها طينية وتتوقف عملية نقل السلع الأساسية لحين انتهاء موسم الأمطار الذي يستمر لأكثر من7 أشهر, مضيفا أن تشغيل هذا الخط الملاحي يستلزم تطهير المجاري المائية, وبالفعل تتولي وزارة الري حاليا عملية تطهير100 كيلومتر في بحر الغزال ونقلت جزءا من المعدات, ومن المنتظر أن يصل المتبقي قريبا للبدء في عملية التطهير. ويوضح أن هناك مشكلات تواجه النقل النهري في جنوب السودان مثل بناء كبار بدائية لا تسمح بالملاحة النهرية, لذلك عند البدء في هذا المشروع يتعين استبدالها بكبار حديثة تسمح بالملاحة.