لا بد من احترام الشرعية، وعدم الخروج عليها طالما أن رئيس البلاد تولاها بطريقة شرعية وانتخابات حرة ونزيهة شهد لها القاصي والداني. في كل دول العالم المتقدمة وغير المتقدمة عندما يحتكم الناس لمبدأ الانتخابات يفوز طرف ويخسر آخر، فينصاع الطرف الخاسر للأمر ويتعايش مع الواقع، ويعمل ويجتهد حتى تُتاح له الفرصة في انتخابات أخرى عساه يفوز، حدث هذا في فرنسا عندما تنافس الرئيس السابق ساركوزي مع الرئيس الحالي أولاند ففاز أولاند وخسر ساركوزي وانسحب من الحياة السياسية ولم يتعرض لأولاند، لماذا؟ لأنهما احتكما لمبدأ الانتخابات وهذه نتيجتها، وحدث مثل هذا في روسيا وفي إسرائيل...إلخ. أما عندنا في مصر فالخاسرون والمنسحبون يتآمرون ضد مصلحة مصر، وكل يوم يشعلون البلد نارًا هنا وهناك، لماذا كل هذا؟ لقد رأينا من كانوا يتصدرون المعارضة سابقًا عندما خسروا في انتخابات الرئاسة، المحترمون منهم رضوا بالنتيجة، وساروا في موكب الحياة كمواطنين عاديين، وآخرون ساروا في موكب العمالة للخارج ورضوا بأن يكونوا مع الأيدي المعادية لمصر التي تريد تخريبها اليوم قبل الغد ولا تريد أن تُرفع لها راية، فكلما استقرت الأوضاع تراهم يشعلون الفتن هنا وهناك، لا يريدون لهذا البلد أن ينجح، ولا أن يتطور ولا أن يحقق ذاته، ولا أن يحل مشكلاته، يريدونها فتنًا وصراعات متناحرة، يريدونها عراقًا وسودان!! فما بين مقدمي برامج صاروا أبواقًا عبيدًا للدرهم والدينار والدولار، يقدمون أخبارًا ملفقة عندما تتحرى عنها لا تجد لها أصلاً، ويتحدثون بلغة هابطة منحطة وبألفاظ تخدش الحياء، ومقدمي برامج يذهبون لأمريكا ليستهزئوا بالإسلام والمسلمين ويسخروا من الحجاب وممن يدعون للإسلام عمومًا وأعداء الإسلام هناك يمولون هذا ويصفقون له، ومخربين يستأجرون بلطجية ليحرقوا المنشآت ويخربوا في العمران فهؤلاء لا هم لهم إلا الحصول على حفنة الأموال التي يتقاضونها. إلى متى سنظل هكذا، إن مصر جديرة بأن تنهض، ولا بد لها إن شاء الله أن تنهض، فلماذا تعوقون مسيرتها؟ ولماذ تسعون في تخريبها؟ وإلى من لا يعجبهم رئيس البلاد المنتخب، أوليس هناك نظام لاختيار الرئيس؟ أم أننا نعيش في غابة كل يوم نقيل رئيسًا ونأتي بآخر؟ هل تريدوننا أن نعود للفترة الانتقالية مرة ثانية؟ ألا تعلمون ما حدث بها من قتل وتخريب وسرقة ونهب وتعطيل للمصالح ومسيرة الحياة؟!! أيًّا كان الموقف من الرئيس فلا بد من احترام الشرعية، فالعبث بها خط أحمر وإشارة خطر لإقلاق أمن البلاد وترويع الآمنين، لا بد للكل أن يتكاتف من أجل أن تسير عجلة الإنتاج، ومن أجل محاصرة المشاكل والسعي في حلها، أما العواجيز الأجراء الذين يقودون حملات التمرد لقلب البلاد وتضييع أمنها وهدوئها، ويعملون لمصلحة المخابرات الصهونية والأمريكية والأوروبية التي لا تريد لمصر خيرًا، وتريدها أن تبقى مثقلة بالهموم بعيدة عن ركب الحضارة والتقدم، فنقول لهم سيخزيكم الله، فمصر وصفها ربنا بالأمن حيث قال {ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]، وهذا الوصف ما جاء في القرآن إلا لبيت الله الحرام ومصر {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ...} [الفتح: 27]. نقول لمن ظنوا أن الأمر بأيديهم وأيدي سادتهم الذين يحركونهم سواء من الداخل أو من الخارج لن تستطيعوا أن تفعلوا بمصر شيئًا فمصر بلد تعهّد الله بحمايته، والأمر كله بيد الله، قال ربنا سبحانه وتعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ*قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ*وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ*فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ*فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ*وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل: 42-53]، {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]. {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]. ولشعب مصر العظيم الذي أرهقته المشكلات الحياتية فهو يئن تحت وطأتها، ويريد التخلص ممن يعطلون مسيرة التقدم وركب الحياة، أقول لهذا الشعب، استبشروا بقوله تعالى: {اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]. لمزيد من مقالات جمال عبد الناصر