روح الجماعة هي سر التجربة الإندونيسية ونجاحها علي مدي العشرين عاما الماضية, وربما يري البعض أن هناك تشابها كبيرا بين الثورة المصرية والإندونيسية, إلا أننا لن نتعلم من التجربة الإندونيسية وأخطائها قبل نجاحاتها إلا إذا غرسنا داخلنا أهمية العمل داخل منظومة جماعية وخلق الإدراك داخلنا بضرورة إبعاد الدين عن عالم السياسة كما فعل الإندونيسيون. الإسلام موجود في كل مكان في إندونيسيا ولكن في الانتخابات تحصل عادة الأحزاب الإسلامية علي عدد محدود من المقاعد لأن الجميع يعتنق المبادئ فوق الدستورية( بان سي شيلا) التي وضعها سوكارنو أول رئيس بعد الاستقلال عام1945 بعد احتلال هولندي دام350 عاما, وهي مبادئ تدعو ببساطة للإيمان باله واحد لكل الاندونيسيين وعدالة و مدنية الدولة ووحدة البلاد والديمقراطية والعدالة, وتتبع إندونيسيا النظام الرئاسي وتتركز السلطة في أيدي حكومة مركزية ويبلغ عدد سكانها نحو250 مليون نسمة وبها خمس ديانات رئيسية هي الإسلام85% من السكان والهندوسية والبوذية والكونفوشسية والمسيحية, بجانب عدد كبير من المعتقدات والديانات الأخري يجتمعون في17 ألف جزيرة من بينها6 آلاف فقط مأهولة بالسكان. وهناك تشابه كبير بين ظروف البلدين خاصة في فترة حكم سوهارتو ومبارك, ويحكي أمور باتريا مدرس بإحدي الجامعات الإندونيسية إن التجربتين متشابهتان, حيث رفض الجيش تنفيذ الأوامر بضرب الطلبة المتظاهرين ضد سوهارتو والذين احتلوا البرلمان عام1998, مؤكدا ان احترام القانون هو المبدأ الأساسي حاليا وهو سر نجاح بلاده لدرجة أن نسيب الرئيس الحالي سوسيلو بامبانج يوديونو تم سجنه في قضايا فساد بدون أي تدخل من الرئيس في فترته الرئاسية الأولي وربما لهذا تم انتخابه لفترة ثانية, مضيفا انه يحق للرئيس مدتين فقط طبقا للقانون بعد ان تعلم الاندونيسيون الدرس من بقاء سوهارتو30 عاما, كما ان وضع الجيش مقدر حاليا ولكنه ليس المسيطر علي كل شيء بما فيه البرلمان, كما كان الحال في عهد سوهارتو ويشير إلي أن كلا من سوهارتو ومبارك خدما في الجيش فترة طويلة وتنقلا بين وظائفه وتولوا السلطة وأداراها بطريقة استبدادية لثلاثة عقود, وكلاهما كان في الثمانينات من عمره وقمعا الحركات السياسية والتنظيمات الإسلامية وكلاهما أيضا أسقطتهما الانتفاضات التي قام بها شباب محبط اقتصاديا بسبب الفساد وكلاهما ترك السلطة بعد ضغط من الجيش, وكلاهما سلم السلطة لمن يثق فيه فسوهارتو سلمها لنائبه حبيبي ومبارك لرجل المخابرات عمر سليمان. ويوضح السفير أحمد القويسني سفير مصر في إندونيسيا أن التجربة الاقتصادية الرائعة لاندونيسيا هي سر نجاحها بعد أن وصلت معدلات النمو لدرجة عالية رشحتها للانضمام الي مجموعة الG20 و يمكن لمصر أن تتعلم من تلك التجربة وتتعاون معها خاصة ان الشعب الأندونيسي يكن احتراما كبيرا لنا. الاسلام فى اندونيسيا ويضيف ان هناك تشابها كبيرا بين الثورات في البلدين, واستمرت المرحلة الانتقالية حوالي خمس سنوات نجحوا فيها إلي حد كبير في استيعاب الأحزاب الإسلامية والذي يعلن بعضها صراحة إنهم يمثلون جماعة الإخوان المسلمين بل كان لديهم عداء مستحكم مع حكم مبارك بسبب معاملته للإخوان المسلمين ولكن الشعب الأندونيسي تمسك بمبادئ( بان سي شيلا) كطوق نجاة له للحفاظ علي الهارموني والانسجام بين العرقيات والثقافات واللغات المختلفة داخل اندونيسيا, وقد لجأوا للتدرج في التغيير, حيث انتخب البرلمان الرئيس عام1998 ثم تم تعديل بعض مواد الدستور وليس تغييره بالكامل لينتخب الشعب الرئيس منذ2004 لكنهم فشلوا في محاكمة أسرة سوهارتو لعدم وجود آلية قانونية, كما لم يستطيعوا استعادة قرش واحد من أمواله وأسرته من الخارج و لهذا فقد سارعوا بعرض تجربتهم علينا بعد ثورة25 يناير لنتعلم منها. ويضيف إن إندونيسيا تتميز أيضا بوجود منظمات أهلية وجمعيات إسلامية عملاقة مثل تنظيم نهضة العلماء ويبلغ عدد أعضائه50 مليونا والمحمدية30 مليونا وقد أفرزت تلك المنظمات رؤساء وكوادر سياسية ورؤساء أحزاب ولكنها لاتستطيع ان تفرض علي أعضائها أي توجه سياسي معين, والدليل علي ذلك ان الأحزاب الإسلامية ليس لها إلا حصة صغيرة في البرلمان لأن الناخب لايريد دولة إسلامية, ولكن يريد دولة ذات مرجعية إسلامية ثقافية وحضارية للحفاظ علي تماسك بلده وحتي لاتسعي بعض الجزر ذات الأغلبية غير المسلمة إلي الانفصال, وبالتالي فإن الناخب يضع مصلحة الأمن القومي لبلاده في المقدمة. ويعبر سفير مصر في جاكرتا عن مشاعر الإحباط من عدم الاهتمام الكافي من السياسة الخارجية بآسيا, فلا يوجد إدراك بعد ان مركز العالم ينتقل حاليا الي آسيا وهي مرشحة لقيادة العالم, وبالتالي يجب ان تولي مصر اهتماما متزايدا بدولة مثل اندونيسيا خاصة مع وجود رصيد كبير لنا من القوي الناعمة لدور الأزهر. ويري السفير سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية السابق أنه يمكن القول إن الإسلام المنظم أو المنخرط في تنظيمات سياسية واجتماعية قد ساعد في إرساء دعائم الديمقراطية في إندونيسيا.. ويضيف انه بالنسبة لدور القوات المسلحة الاندونيسية فقد عرف بالدور المزدوج في عهد سوهارتو وأصبح لها حصة في البرلمان وأصبحت هي المكلفة بضمان الأمن الداخلي والخارجي وأخضع لها الشرطة وجميع أجهزة المباحث والمخابرات, وأنشأت القوات المسلحة أجهزة موازية للأجهزة المدنية امتدت حتي مستوي القرية. وحاول النظام الجديد إعادة القوات المسلحة إلي ثكناتها وإلي دورها الطبيعي, ولم يحقق إلا نجاحا منقوصا.. فقد نجح في إلغاء الدور المزدوج, إلا أنه لم يستطع تفكيك الكيان الإقليمي للقوات المسلحة أو الحد من الأنشطة الاقتصادية التي توافر لها ضعف ما تتلقاه من الميزانية الحكومية, كما استمرت تبعية أجهزة المخابرات للقوات المسلحة.. والخلاصة أن العسكر مازالوا لاعبين سياسيين أساسيين في عهد ما بعد سوهارتو, ولكن.. وحتي الآن لم ينشأ موقف تصادمي بين العسكر والنظام.. والخلاصة أن مصر يمكنها أن تتعلم من التجربة الإندونيسية وتتجنب المخاطر التي مرت بها إندونيسيا, ولكن ذلك يجب أن يكون من خلال حلول مصرية تنبت من خلال حوار وطني مصري, ومن المهم أن تتم عملية الإصلاح نفسها بطريقة ديمقراطية وشفافة, وألا تتم من خلال بيانات تصدر من أعلي.