اغترب جمال عمر مرتين: مرة من بنها إلي القاهرة, باحثا عن نقطة ضوء في آخر النفق الطويل في التسعينيات من القرن الماضي, لكنه لم يستقر بالقاهرة العجوز, ومرة إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية . حيث يعمل في نيويورك ليعيش, وفي الوقت نفسه يقدم رؤيته للعالم من خلال الأدب, فيكتب رواية عن مهاجر غير شرعي اعتبرها البعض سيرته الذاتية أو تغريبته, ثم يقدم خدمة جليلة لباحثي الفكر الاسلامي عندما يدشن علي الانترنت رواق نصر ابوزيد الذي جمع فيه تقريبا كل ما كتبه الراحل الكبير الدكتور نصر حامد أبو زيد, وما قاله للصحف من تصريحات أو حوارات. مؤخرا اصدر جمال كتابا هو أنا نصر أبو زيد يقدم سيرة نصر كما يراها الروائي وان كانت كل تفصيلة بها موثقة تماما- والكتاب قراءة لسيرة نصر الفكرية وتطوره من الانخراط صبيا في صفوف جماعة الاخوان المسلمين الي الاهتمام بفكر المعتزلة النقدي, وقراءة النص القرآني بطريقة عقلانية انشغل بها نصر في السنوات الاخيرة كتاب جمال عمر تحريض علي قراءة نصرأبوزيد والاختلاف معه ومع أطروحات جمال, فالكتب الجيدة تقودك للاسئلة اكثر مما تقدم لك الاجابات # ما هي قصة كتابك أنا نصر ولماذا إذن لم تكتب رسالة جامعية بدلا منه؟ العلاقة مع خطاب نصر أبوزيد تعود لأكثر من عقدين من الزمان, في مرحلة الانتقال من الصبا الي الشباب, والانشغال بأزمة الفكر العربي, وكيفية الخروج منها, فكانت قراءة أعمال زكي نجيب محمود وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري, والقراءة عن أدونيس وطيب تيزيني, ومحمد أركون. حتي صدر كتاب مفهوم النص لنصر أبوزيد عام تسعين, وكان طاقة نور جديدة لكيفية التعامل مع التراث وكيفية تناول الظاهرة الدينية. وتبعها حوار له مع الصفحة الثقافية بالأهرام في الحادي والثلاثين من مايو سنة واحد وتسعين, ومنذ ذلك التاريخ وأنا أجمع كل ما له صلة بخطاب نصر. وحينما حدثت محنة الترقية, التي في القلب منها هدم أي فرصة لوجود مدرسة للدراسات الإسلامية داخل آداب القاهرة, كما حدث من قبل مع مدرسة الشيخ أمين الخولي وتلاميذه في الكلية نفسها والقسم نفسه. وإذا كانت الجامعة خضعت وتم إخراس صوته داخل الجامعة, فقد راهن هو علي الناس وعلي وعيهم, فخطابه أنبت وسينبت زهورا يانعات خارج الجامعة تعوض بستان زهور تلاميذ أبوزيد الذي تم دهسه في التسعينيات. وكان التحدي أن أكتب كتابا يجد فيه القاريء العام والقاريء المتخصص أيضا ما يغنيهما, فبعد هذه الرحلة مع كل ما كتب نصر أو قاله باللغة العربية أو الإنجليزية,. تقمصت شخصيته لأقدم قراءة جمال عمر لنصر. وهذه دلالة الكلمة أنا في العنوان # ترفض أن تسمي كتابك سيرة. هل هذا تقليل من أهمية كتب السيرة رغم أنها نمط مهم من الكتابة التوثيقية في العالم المتحضر ؟ أنا علي يقين أن سطور نصر التي كتبها عن حياته كسيرة ذاتية ستكون مختلفة تمام الإختلاف عما كتبت. وقد أخبرتني د. ابتهال يونس شريكة حياته أنه قد فعل. فهل كتابي سيرة لأنه مكتوب بضمير المتكلم؟ أو هو كتاب توثيقي؟ أم هو شيء آخر؟ هذا سؤال للقاريء وللناقد يشغلان أنفسهما به. وهذا كان التساؤل مع كتابي الأول مهاجر غير شرعي هل هو سيرة ذاتية أم مذكرات أم أدب رحلات أو ما اسماه الأستاذ جمال الغيطاني: أدب الغربة. هذه أسئلة للقارئ وللناقد. وليس هذا تقليلا من قيمة أي شكل في الكتابة. لكن محاولة إيجاد صيغ وأشكال أخري للتعبير هو هدف للكاتب طوال الوقت. # ما دور الخيال وما دور التوثيق في كتابك ؟ وهل هناك ما آخفيته من حياة نصر الأولي في المحلة قبل القدوم الي القاهرة وتغيير نمط حياته من فني لاسلكي الي باحث أكاديمي؟ مشوار نصر غني وعميق فلا أظن ان كتابا أو قراءة يمكن ان تمسك به, وأنا قدمت ما استطعت معرفته خلال عقدين وأكيد أنه يحتاج الي المزيد. لكن القاريء سيعيش في الكتاب في قالب شبه أدبي مع حياة نصر وحياة التفكير عنده, في سياق لغة سعت الي أن تخرج عن عجمة المصطلحات, في بساطة عميقة عند تناول الأفكار الفلسفية. وأنا بطبعي أكتب لقارئي صديقي العزيز الدكتور فكري أندراوس, وأمي, وحينما تستوعب أمي التي لم تقرأ كتابا في حياتها بل يقرأ لها, أشعر بأني اقتربت من عالمه. وقمت بعمل حوارت وتسجيلات مع د. ابتهال يونس وهي قليلة الكلام جدا, ود. جابر عصفور والشاعر الكبير زين العابدين فؤاد. # هل تحرض القارئ هنا علي قراءة نصر ؟ الكتاب محاولة لوضع حياة نصر أبوزيد الفكرية في سياق حياته كلها, وهذا ليس استعادة لخطابه أو اجترارا له, بل للنظر اليه في كليته لهضمه ثم تجاوزه, فنحن نصعد علي أكتاف ما قدم, لنري أبعد مما وصل اليه. # كيف تواصلت مع نصر خلال الأعوام العشرين الاخيرة في حياته؟ التقيت نصر في التسعينات من القرن الماضي بمعرض الكتاب وكنت قد قرأت معظم ما كتب, وطلبت منه أن أناقشه في بعض الجوانب, وبحميمية جميلة دعاني إلي زيارته بالجامعة. وفي الجامعة وفي مبني طه حسين في حجرة الأساتذة وجدته يجلس وحوله طلبة الماجستير والدكتوراه, ينتقدون افكاره بل ينقضونها, وهو يجيب عن أسئلتهم بأسئلة أخري تفتح آفاقا أخري للقضايا, انه لا يعطيك وجبة سمك جاهزة, لكن كل تركيزه أن تتعلم الصيد. وتقطعت بيننا السبل فسافر وبعده بعام غادرت مصر. لكني كنت أتابعه من خلال حوارته المنشورة. وتابعت كيف هدموا بستان زهور تلامذته ومدرسته التي كان يعمل عليها كبستاني حنون. حتي أتي الي نيويورك في عام2007 م فكان اللقاء, وبدأنا برنامجا لتسجيل أي حوار او محاضرة او لقاء إعلامي فيرسله لي عبر الانترنت. وفي بداية2008 م بدأت مدونة رواق نصر أبوزيد التي تهتم بكل ما له صلة بخطاب نصر أبوزيد, وأصبحت ملتقي لكل المهتمين بدراسته علي مستوي العالم من إندونيسيا الي أمريكا. ووعدته أن تكون هدية عيد ميلاده السبعين كتابا عنه. و في العامين الأخيرين لم أجدد الرواق بما يجب لإنشغالي بالكتاب. # لماذا يخلو الرواق من الدراسات الناقدة لفكر نصر من السلفيين أو حتي الليبراليين, مثل دراسة الدكتور علي حرب علي سبيل المثال ؟ التركيز الأول عندي للرواق كان جمع كل كلمة نشرها بالعربية او الإنجليزية أو قالها, ثم توفيرها لكل من يحتاج اليها, وهذا عمل شاق. ولم يتم بعد, فمن خلال منبركم الكريم هذه دعوة ليشاركنا كل مهتم, ليس من أجل نصر بل لمصر. ثم يأتي وضع القراءات المختلفة للخطاب بعد ذلك. # لماذا الإلحاح علي الدعوة لجعل عام2013 عاما لأبي نصر ؟ هل هي السبعينية أم التباس الوعي المصري بموضوع الدين يجعل من طرح نصر مساهمة في النقاش الجاد حول دور الدين في التطور الفكري والسياسي في مصر ؟ اعتقد اننا في وقت الثورة الذي نعيشه نفتقد صوت نصر, ذلك الصوت الذي كان يقول ما علينا ان نفعله كي نختار أي الطريقين, وقد اختار نصر طريق النقد فنقد استبداد السلطة وغياب الحريات, ونقد الخطاب الديني لكنه رفض اعتبار الجماعات الدينية سرطانا يجب قطعه بالفأس. ونظر الي وجوده وعنفه بل وإرهابه كأعراض لمرض أساسي هو غياب الحريات, فالصراع كما يراه نصرلم يكن بين متدين وغير متدين, بل كان بين سلطة ومعارضة يستخدمان الدين في تبرير أفعالهم السياسية. ونحن في أشد الإحتياج الي نور هذا الفكر النقدي في ظل العتمة التي نمر بها.