استكمالا لحديث الأمس من وحي المشهد الراهن واستنادا إلي دروس التاريخ أقول صراحة إنه مثلما أن الصراع العسكري لا يمكن تركه لكي يكون لقاء مصادفات وفي إطار ردود الفعل الجزئية التي تلائم كل حدث علي حدة. فإن التنافس الحزبي علي كسب ثقة الناخبين تحت مظلة الديمقراطية لا يمكن تركه لتخمينات غير مؤكدة. لعلي أكون أكثر وضوحا, وأقول: إنه في استراتيجيات الحرب والقتال يتحتم علي القوات أن تعرف مهامها بالتفصيل قبل أن تخطو الخطوة الأولي نحو مهمتها المقدسة.. ولأن الحرب الحديثة باتت حرب أسلحة مشتركة, فإنه ينبغي أن تتعرف هذه الأسلحة المشتركة علي بعضها البعض من خلال تدريبات مشتركة تسبق ساعة الصفر لكي يتحقق التناغم والانسجام وينتفي أي احتمال للتضارب أو خطأ الحساب. وكذلك في التنافس الحزبي يتحتم علي الذاهبين لكسب ثقة الناخبين والاحتكام لشرعية صندوق التصويت أن يعرفوا مهامهم بالتفصيل, وأن يكون هناك تنسيق بين جميع التخصصات المشاركة في هذه المهمة الديمقراطية التي تتجاوز أبعاد البراعة الإعلامية والدعائية وتحتاج إلي كل ذي خبرة في شتي المجالات المطروحة في أجندة اهتمامات الرأي العام. وكما أن الحرب المسلحة هي في البداية والنهاية صراع إرادات فإن المنافسات الانتخابية هي المسرح الأوسع والأكثر تعبيرا عن هذا النوع من الصراع... ومصدر نشوء الإرادة في ساحة القتال أو أمام صناديق الانتخابات ليس مجرد مقاييس مادية بنوعية السلاح هنا أو حجية الوثائق هناك, وإنما بقوة العزيمة والتصميم علي بلوغ الهدف المنشود دون خشية من تهديدات جوفاء تستهدف زرع الخوف في القلوب وزعزعة الثقة في النفوس. وإذا كانت مباديء العلوم العسكرية تشجع علي أهمية امتلاك الضربة الأولي وكسب معطيات جديدة قبل أن تتدخل عوامل أخري تؤدي لوقف القتال فإن من مباديء التنافس الانتخابي الصحيح البدء لكسب ثقة واطمئنان الناخبين وعدم التورط في طرح وعود غير قابلة للتنفيذ حتي تكون هناك مساحة للحركة والمناورة والظهور بمظهر الطرف المستعد لطرح حلول واقعية تدور في دوائر الممكن ولا تقترب من مناطق المستحيلات. وظني أن ما نشهده هذه الأيام علي ساحة الانتخابات في عديد من المسارات لا يبتعد كثيرا عن هذه الحقائق المستخلصة من دروس التاريخ. خير الكلام: عز الشعوب بعلم تستظل به... يا ذل شعب عليه العلم قد هانا! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله