بعض الذين يرفعون رايات الديمقراطية يخلطون الأمور إلي الحد الذي يعتبرون فيه أن قاموس الديمقراطية لا يتضمن سوي مفردات المراهقة السياسية من نوع الانسحاب والمقاطعة, مع أن ألف باء الديمقراطية هو الحوار والمشاركة. إن الديمقراطية في جوهرها تمثل أفضل وعاء للحوار, ولكن البعض لا يضع خطا فاصلا بين الحوار والجدل... وما أبعد الفارق بين الاثنين لأن الحوار فكر يصارع فكرا, أما الجدل فخصام وعناد وسفسطة بغير مرجعية سوي نزعة المعارضة والرفض لمجرد المعارضة والرفض فقط. والحقيقة أن بعض ما يقال في مصر هذه الأيام عن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة به من خصوصيات الجدل بأكثر مما يتطلبه الأمر من حوار فكري يساعد علي الفهم ويؤدي إلي حسن الاستنتاج! ومع احترامي لكل الآراء التي تناولت العملية الانتخابية بالسلب أو الإيجاب, فإنني أختلف معها لأنني لم أقرأ رأيا واحدا يمكن اعتباره مدخلا متكاملا لصيغة بديلة في حدود الممكن والمتاح, وإنما أغلب ما قرأت يتراوح بين أمان مشروعة لكنها تتجاوز حدود الواقع وبين أوهام جرت صياغتها في عبارات إنشائية جذابة سوف ينتهي مفعولها بمجرد اختفاء طنين أصدائها! ربما يكون ما جري وما أسفرت عنه نتائج الانتخابات لم يرق إلي مستوي حلم وطموح البعض وهذا أمر يمكن فهمه, ولكن من الذي قال: إن عجلة التغيير قد توقفت عن الدوران, وأن الانتخابات الأخيرة هي نهاية المطاف! وإذا اتفقنا علي أن العملية الانتخابية ليست هدفا وإنما هي مجرد وسيلة لتحقيق هدف ومعني الديمقراطية والتعددية, فإنني أعتقد أنه مع مرحلة جديدة تستظل بأجواء جديدة يمكن أن تأخذ كل فصائل العمل السياسي إشارة موحية لاستئناف حوار وطني جاد وحقيقي بدلا من إضاعة الوقت والجهد في جدل عقيم لا ينفع وإنما في الأغلب يضر! وأنا هنا أتحدث عن حوار وطني جامع وشامل تنخرط فيه جميع فصائل العمل السياسي في مصر- الحزبية وغير الحزبية- فالمواطنة تسبق أي انتماء حزبي, وأن تكون مهمة هذا الحوار مناقشة جميع القضايا الحيوية والأساسية اللازمة لتحديد اتجاه بوصلة المستقبل. إننا بحاجة إلي حوار يبدد أي غيوم ويجمع كل ألوان الطيف السياسي في مصر حول أجندة حوار وطني مستمر تتحدد فيه الأشياء بمسمياتها الصحيحة, حتي يمكن التعرف علي مختلف الخيارات والبدائل بشأن أجندة المستقبل, وينبغي أن يكون الحوار شاملا لجميع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول صراحة: إن مثل هذا الحوار الوطني لن يسهم فقط في تعرية هواة الجدل والخصام الذين يريدون استنزاف جهد وطاقة الوطن في معارك لا طائل من ورائها, وإنما سوف يفرز أجواء جديدة في الساحة السياسية المصرية تسمح بإمكانية الرهان مجددا علي قدرة الأحزاب المصرية علي استعادة عافيتها والظهور كأرقام صحيحة في المعادلة السياسية المصرية. إن العمل السياسي ليس مسرحا للهواة, وإنما هو مسئولية حاضر ومستقبل.. ومن ثم يتحتم علي الذين يتبارون هذه الأيام في الظهور علي المسرح السياسي أن يفرقوا جيدا بين أهمية النقد وتسليط الأضواء علي ما يعتقدون أنه سلبيات وعقبات في طريق التطور السياسي.. وبين الإفراط في جلد الوطن ومسيرته بغير رحمة أو شفقة. *** خير الكلام: ** خاصمني من سكت عنه فظن أن ليس لي لسان.. فقلت ما أنت لي بخصم وإنما خصمي ذاك البهتان! [email protected]