من وحي المشهد الراهن واستنادا إلي دروس التاريخ أعتقد أنه لا ينبغي أن يكون هناك مكان لكلمة' المفاجأة' في علم السياسة مثلما لا ينبغي أن يكون هناك مكان لكلمة' المصادفة' في الفهم الصحيح للدين. وإذا بدأنا بالإطار الديني فإن من الخطأ أن يقول المرء عند حدوث أي شيء إنه قد حدث بمحض المصادفة لأن أبسط قواعد الإيمان تفرض التسليم بأنه لا شيء يجري في هذا الكون منذ نشأته إلا بإرادة الله وترتيبه فكيف يمكن أن يقال عن أي حدث صغر أم كبر أنه وقع بمحض المصادفة! وإذا انتقلنا إلي علوم السياسة فإن الضعفاء والمهزومين والمتواكلين فقط هم الذين يستمرئون استخدام كلمة' المفاجأة' أو تعبير' المصادفة' لتبرير العجز عن عدم القياس الصحيح للأمور في التوقيت الصحيح لها. إن أبسط مباديء العلوم السياسية التي يمكن استخلاصها من دروس التاريخ تؤكد أن الفرق بين أمة ناهضة وأمة متخلفة ينحصر في حجم وعمق الاستخدام لكلمة' المفاجأة' وتعبير' المصادفة' وكلما قل استخدام هذين المفردين كان ذلك دليلا علي صحوة الأمة والعكس صحيح! فليس من السياسة في شيء أن يقال مثلا إننا كنا نتوقع' كذا وكذا', ولكننا فوجئنا بأن مسار الأحداث يتجه بنا إلي مسارات بعيدة ومختلفة, لأن المفروض في السياسة ومن يقومون علي إدارة شئونها أن يكونوا متأهبين لما هو قادم علي تعدد الاحتمالات فيه. وليس في السياسة خيارات مستبعدة مهما كانت المبررات, وإنما تظل القاعدة الصحيحة في إدارة المنافسات الانتخابية والمعارك السياسية هي أن كل الخيارات مطروحة, وأن كل الاحتمالات واردة, وأن المسئولية السياسية تحتم ضرورة الاستعداد للاختبار أو الجواب عندما يقع التحدي أو يطرح السؤال! بل إن هناك من يصل اعتقادهم وأظن أن اعتقادهم صحيح بأن الإدارة السياسية لا تختلف عن الإدارة العسكرية بمعني أن القواعد والأسس التي يقوم عليها أي تنافس حزبي من أجل كسب ثقة الناخبين لا تختلف عن القواعد والأسس التي يقوم عليها أي صراع عسكري في ساحات الحرب والقتال... فقط تختلف الوسائل حيث تحل الكلمات والبرامج محل الدبابات والبنادق! وغدا نواصل الحديث
خير الكلام: أما تري البحر تعلو فوقه جيف.. وتستقر بأقصي قاعه الدرر! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله