حرص الرسول صلي الله عليه وسلم علي المؤمنين كان نعمة عظمي, ومنة كبري سعدت بها البشرية كلها, ومدحها المولي عز وجل, مشيدا بسموها, معظما منهجها في قوله سبحانه: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم وحين هبت علي المسلمين نسمات هذا الحرص وأشرقت أنواره, وفاح شذاه كان شاملا شافيا مستمدا من عند الله, يغرس في نفوس المؤمنين الدستور الرباني ومنحه الهادية, وما تحمله من توجيهات حافلة بتزكية الروح وتنقية العقل, وتقويته لإعداد شخصية إسلامية ربانية, عزيزة كريمة متوازنة متدفقة بالعواطف النبيلة, تدرك أن الهداية أعلي مراتب الاستقامة التي منحها الله الإنسان, ويمتليء بالرحمة ومكارم الأخلاق وصوالح الأعمال التي قدمت كل أنواع الخير, وصنوف البر, وحملت المنهج النبوي في تربية الأمة, مزدانا بأنوار عظمته, ومزهوا بخلق عظيم يعتبر القرآن المجيد والحديث الشريف هما السراج لكل مستهد, والارشاد لكل مسترشد. وفي حرص الرسول صلي الله عليه وسلم علي المؤمنين لم يغفل عن الدعوة إلي إجلال الإيمان بالله, لأنه حق, وفي كنفه كل خير, وهو مصدر الحفظ والعون, وصاحب النعم والفضل والعون, أما الناس, فلا يقدرون علي شيء لم يكتبه الله للمؤمن, فعن ابن عباس قال: كنت رديف رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا غلام احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, تعرف إلي الله في الرخاء يعرفك في الشدة, إذا سألت, فأسال الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, فإن العباد لو اجتمعوا علي أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا علي ذلك, ولو اجتمعوا علي أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا علي ذلك جفت الأقلام وطويت الصحف إن سيد المرسلين الحريص علي المؤمنين يبث عقيدة التوحيد الصافية الغالية, التي تخلص الناس من الخوف والوجل, فيعلموا علم اليقين أن الله وحده خالق كل شيء, ورازق كل حي, ومدبر كل أمر, وأن العبودية له وحده, والإيمان به وحده, وأنه واهب السكينة والطمأنينة, ومعطي الهداية بعد الحيرة, والاستقرار بعد التخبط, والأمن بعد الخوف, والصراط المستقيم الذي يهدي إليه نبيه الأمين الحريص علي المؤمنين, هو صراط الله حيث يقول: وإنك لتهدي إلي صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وفي مسيرة الحرص علي المؤمنين دعا إلي الوحدة الإنسانية, والمساواة بين البشر, في إعلان رائع, وثورة عاتية, لا تسمح بنزعات عنصرية, ونعرات جنسية, بل تنبذ شعور الاستعلاء والتعصب والحقد الطبقي, وتحث علي الأخوة البشرية, وتنشر الحب والإخاء للناس كافة, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: أيها الناس: إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, كلكم لآدم, وآدم من تراب, إن أكرمكم عند الله أتقاكم, وليس لعربي علي أعجمي فضل إلا بالتقوي. إن رسول الإنسانية كان حريصا علي إعلان كرامة الإنسان وسموه, وشرف الإنسانية وعلو قدرها, ليقضي علي ما كان يعاني منه قبل البعثة المحمدية, من حضيض الذل والهوان ويذيع الرحمة, ويجعل المسلم يرق للضعيف, ويصبح مصدر خير وبر وسلام, يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. ولاريب في أن الرحمة أثر من آثار منهجه العظيم في الحرص علي المؤمنين, يسعي إلي تكوين مجتمع مسلم تسوده عواطف كريمة ومشاعر نبيلة.. ولم يفت الرسول في حرصه علي المؤمنين أن يحارب اليأس والتشاؤم, ويبعث الأمل والرجاء, ويزيل ما كان يظنه البعض من الانفصال بين الدين والدنيا, إن الرسول الأمين كان شديد الاهتمام بالدعوة إلي العمل والجمع بين الدين والدنيا, فالمؤمن مطالب بالعمل والجهد والكفاح والبناء والتعمير, وتأدية دوره في الحياة, لأن الانقطاع عن الحياة والاتجاه إلي العبادة فقط مسلك لا يعرفه الإسلام... ومن عظمة الرسول في الحرص علي المؤمنين دعوتهم إلي وجوب طاعة أوامر الله سبحانه, واجتناب نواهيه, وأن يكون المسلم مع الآخرين ملتزما بالصدق والأمانة والتراحم والتعاطف والتواضع, متشبثا بالإيثار والعفة, وحسن المعاشرة, وأداء الواجب والاعتراف بحق كل ذي حق, والترفع عن بواعث الهوي, والتمسك بالارتقاء في سلم الكمال الخلقي, والصبر علي المصائب, وعدم الانحراف عن النظام, وإحسان العمل والإخلاص, والعناية بكل طرق الحصول علي الفلاح واليقين, وحشد كل الفضائل التي يتم بها المؤمن دينه, وتصلح بها دنياه وأخراه جميعا.